«مركز الأمير سلمان للأبحاث» يؤسس قاعدة علمية لمواجهة «الإعاقة» في مراحلها المبكرة

وزارة الصحة: نصف مليون مولود سنويا بينهم 500 يعانون الإعاقة

أحد الأطفال المستفيدين من جمعية الاطفال المعوقين («الشرق الأوسط»)
TT

في ظل التقدم البحثي والعلمي الذي تعيشه السعودية، سعت الجهات البحثية المتخصصة في البلاد إلى تطوير وتنظيم أجندة الإجراءات البحثية التي تعمل عليها الدولة لصالح ذوي الإعاقة على وجه التحديد، عبر إجراءات مقننة وعمليات بحثية واسعة لزيادة احتمالية نجاح تطبيق برامج الإعاقة في السعودية على أرض الواقع.

بدوره، يعمل مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة تحت شعار «علم ينفع الناس» على تقديم أحدث الخبرات العلمية المقدمة في مجال خدمة ذوي الإعاقة، وذلك من خلال دعم جميع الأبحاث التي تعمل على الحد من الإعاقة ومعالجة أسبابها في مراحلها المبكرة، إلى جانب وضع أسس وبرامج الرعاية والتأهيل للقيام بدور فعال في المجتمع، وتحسين نوعية الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من استغلال أقصى الطاقات الموجودة لديهم.

ومن هذا المنطلق، تبنّى مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة مشروع برنامج وطني شامل للكشف المبكر على جميع الأطفال حديثي الولادة في السعودية، والنظر في أمراض الغدد والتمثيل الغذائي لديهم، وهي في معظمها أمراض وراثية تسبّب إعاقات لعدد كبير من الشباب تكوّنت معهم الإعاقة منذ الولادة.

وبحسب إحصائيات وزارة الصحة، فقد أكدت أن أعداد المواليد في السعودية تتراوح بين 400 و500 ألف مولود سنويا، وأن 500 مولود منهم يعانون الإعاقة، الأمر الذي اعتبرته الجهات المعنية أنه رقم كبير بالنسبة لإجمالي عدد السكان في السعودية.

واعتبر عدد من المختصين أن تطبيق هذا البرنامج سيؤدي إلى الحد من المعاناة الأسرية النفسية والاجتماعية، إضافة إلى توفير الملايين من الريالات التي تصرف سنويا على علاج ورعاية الأطفال المعوقين، حيث إن تكلفة علاج ورعاية طفل واحد تصل إلى أكثر من 100 ألف ريال سنويا، الأمر الذي سيمكّن الجهات المعنية بهذا الملف من تأسيس سجل وطني وقاعدة بيانات عن الأمراض الوراثية وطبيعتها وتوزيعها الجغرافي، وبالتالي وضع الوسائل اللازمة للعلاج.

وأخذ مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة واقع صعوبات التعلم في السعودية بعين الاعتبار، حيث عمل على برنامج متخصص، وذلك استنادا إلى إحصائيات وزارة التربية والتعليم السعودية قبل عامين، التي بيّنت أن عدد الطلبة في المدارس السعودية يفوق 5 ملايين طالب وطالبة، وبناء على الدراسات العالمية التي تقدر نسبة انتشار صعوبات التعلم في أي مجتمع بـ5 إلى 10 في المائة، والتي في ضوئها يمكن تقدير عدد الطلبة الذين يعانون صعوبات التعلم بين ربع مليون إلى نصف مليون طالب وطالبة في المدارس السعودية، لكن الإحصائيات المتوافرة تدل على أن عددا قليلا من الطلبة تم التعرف عليهم وتم تقديم البرامج والخدمات اللازمة لهم في مدارسهم، مع العلم أن المدارس التي تقدم تلك الخدمات لا تتجاوز 7 في المائة من العدد الإجمالي بوجود 1800 معلم مختص فقط، علما أن الاحتياج الفعلي لخدمة جميع الطلبة ذوي صعوبات التعلم يقدر بـ20 ألف معلم.

ويشتمل البرنامج التدريبي على حقيبتين تدريبيتين تعملان على تحقيق أهداف البرنامج الرامية إلى تبصير الكادر التعليمي في مدارس التعليم العام بصعوبات التعلم، إضافة إلى تمكين معلمي التعليم العام بجميع تخصصاتهم ومجالاتهم التعليمية من الكشف والتعرف على حالات صعوبات التعلم داخل الفصول، ودعم أخصائيي صعوبات التعلم بهدف تحقيق مخرجات أفضل للطلاب ذوي صعوبات التعلم. كما يهدف البرنامج إلى مساعدة معلم الفصل العادي على التعامل الأمثل مع المشكلات التعليمية العادية في الفصول ورفع الوعي المجتمعي بمجال صعوبات التعلم. ويعمل البرنامج على دعم أفراده للمشاركة في هذه التوعية وتقديم الدعم الفني للمعلمين الذين تم تدريبهم من خلال الإشراف الميداني وتقييم فاعلية التدريب في مرحلة لاحقة من مراحل البرنامج، متضمنا آلية تقييم تحدد جودة الورشة وكفاءة المدرب وآليات جديدة لتنفيذ البرنامج تعمل على تسهيل عملية التنسيق للورش، وذلك لتحقيق مخرجات تدريبية عالية المعايير.

وتعاقد مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة مع عدة مدربين ذوي كفاءة عالية من أغلب المناطق المختلفة، وذلك لتسهيل إقامة الورش التدريبية في نفس المناطق التي يقطن فيها المدربون والمدربات، وقد غطى البرنامج إلى الآن كلا من منطقة الرياض، المنطقة الشرقية، منطقة القصيم، منطقة مكة المكرمة، منطقة المدينة المنورة، وبعد أن تمّت مقابلتهم وفرزهم وفق آلية معينة، بلغ عددهم إلى هذه المرحلة 17 مدربا ومدربة.

إلى ذلك، أكد مسفر الخثعمي، عضو المجلس الاستشاري للمعلمين والمعلمات في المدينة المنورة ومدرب متخصص لبرنامج صعوبات التعلم في منطقة المدينة المنورة؛ أهمية البرنامج، مشيرا إلى أن البرنامج كفكرة يعتبر مميزا جدا ورائدا في مجال التدريب والمجال التعليمي أيضا، وسيكون أثره كبيرا في المستقبل القريب، خاصة عندما تتم تغطية جميع المدارس السعودية وتقديم هذا البرنامج لجميع منسوبي مدارس المرحلة الابتدائية، بل حتى مرحلتي المتوسطة والثانوية. ومن وجهة نظره فقد لاحظ أثر البرنامج على المتدربين منذ البداية، من حيث توسع مداركهم حول صعوبات التعلم، إضافة إلى تغيّر نظرتهم للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم وكيفية التعرف عليهم والتعامل معهم، معتبرا أن المصلحة في نهاية المطاف ستكون لذوي صعوبات التعلم ولأسرهم.

من جهته، شدد هاني الشبل، رئيس قسم التربية الخاصة في إدارة التربية والتعليم بعنيزة وعضو الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم ومدرب لبرنامج تدريب المعلمين في منطقة المدينة المنورة؛ على أهمية مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة ومكانته في المجتمع؛ نظرا لندرة تخصصه والأبحاث القائمة، سواء في السعودية أو في منطقة الخليج والشرق الأوسط، مشيرا إلى أن حاجة المجتمع السعودي ماسة جدا لمثل هذه المراكز التي تعنى بفئة غالية على أرض هذا الوطن. كما اعتبر أن تقنين المركز لعمله وخططه، سواء من الناحية العملية والعلمية، أو حتى من الناحية الإدارية التي تتمثل في التعاقد بينه وبين المدربين؛ ميزة تضاف له، فوجود اتفاقية بين المدرب والمركز يعتبر التزاما جادا يقوم به كلا الطرفين في أداء الواجب تجاه الوطن وخدمة أبنائه.

وبالحديث عن العقبات التي قد يواجهها المدربون في هذا المضمار، حددت نوف العمري، أخصائية صعوبات تعلم ومدربة برنامج صعوبات تعلم في مدينة جدة، أن أهم العقبات التي صادفتها هي طريقة التواصل مع المدارس، حيث عانت المدربة في البداية كيفية التواصل مع المدارس لعرض تقديم الدورة التدريبية، حيث لا توجد لدى أغلب المدارس طريقة اتصال سهلة كالبريد الإلكتروني، أو الرد السريع على الهاتف، مشيرة إلى أنها اضطرت في البداية إلى الذهاب للمدارس ومقابلة إدارة المدرسة، لكن بعد القيام بأكثر من دورة بدأت المدارس تسمع عن وجود البرنامج وعن أهدافه السامية لإقامة مثل هذه الدورات، ما دفع الكثير منهم للاتصال من قبلهم، حيث هم من يطلبون تقديم دورة لمعلميهم، وقد تمت إقامة 8 دورات تدريبية في مدارس جدة خلال العام الجاري.

من جانبها، لخصت ندى السجان، مديرة برنامج تدريب معلمي صعوبات التعلم، إنجازات البرنامج التي حققها إلى هذه اللحظة، والتي تتمثل في إتمامه إقامة ما يزيد على 50 ورشة تدريبية ومحاضرة في مدارس البنين والبنات استفاد منها نحو 1150 مستفيدا في كل من منطقة الرياض، المدينة المنورة، المنطقة الشرقية، منطقة القصيم، مدينة جدة، إضافة إلى قيام البرنامج بتطوير حقيبة تدريبية جديدة وفق آخر المستجدات العلمية في مجال صعوبات التعلم؛ لاستخدامها كجزء ثان في برنامج تدريب معلمي التعليم العام على استراتيجيات صعوبات التعلم، كما تم التواصل مع لجنة القراءة الدولية (بيرلز) من أجل الإفادة من برامجهم في تطوير مهارة القراءة عند طلاب الصعوبات، مفيدة بأن البرنامج يعمل على تفعيل التعاون مع الجهات المختصة بصعوبات التعلم على المستويين المحلي والعالمي، مثل ملتقى صعوبات التعلم والجمعية الخيرية لصعوبات التعلم ومركز تقويم وتنمية الطفل، وغيرها.

وفيما يخص أجندة أعمال برامج المركز لعام 2014، يعتزم البرنامج الاستمرار في إقامة الورش التدريبية الخاصة بالمعلمين والمختصين وأولياء الأمور في جميع المناطق المختلفة، إضافة إلى العمل الميداني؛ وذلك لقياس أثر البرنامج من خلال التدريب المستدام وتحويل المعلمين المتلقين للتدريب إلى مدربين وناشرين للتوعية. وكبادرة جديدة سيقوم البرنامج بإصدار قصص للأطفال تساعد التلميذ العادي على تفهم مشكلات أقرانه من ذوي صعوبات التعلم ومساعدتهم.

وكون الإعاقة واقعا في حياتنا، يمكن أن تصيب أي فرد دون تمييز، فيجب وضعها في الاعتبار في كل ما يتم تصميمه وإنتاجه من برامج وخطط تطويرية، إلا أنه لا ينظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة باعتبارهم أعضاء محتملين في المجتمع، وإدراك هذه الإعاقة والخوف منها والأفكار الخاطئة المحيطة بها والتحامل على المعاقين ما زالت من العوامل التي تعوق فهم وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع ككل وأماكن العمل والتعليم بالأخص.

جميع هذه الاعتبارات وضعها مركز الأمير سلمان في مقدمة نشاطاته، حيث يعد المركز إحدى مؤسسات العمل الخيري المعنية بالتصدي لقضية الإعاقة وقاية وعلاجا، وهو الوحيد في المنطقة الذي يعنى بالبحث العلمي على مستوى السعودية بشكل خاص، وعلى المستويين الإقليمي والدولي بشكل عام، حيث تبوأ المركز موقعا متقدما على خريطة العمل الخيري، الذي تبناه مؤسس المركز الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والرئيس الأعلى للمركز، منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض، إلا أن اهتمامه بالمركز يحكي واقعا آخر بأن حمل المركز شعار «علم ينفع الناس»، وذلك تأسيسا على قاعدة علمية لمواجهة قضايا الإعاقة والحد من آثارها على الفرد والأسرة والمجتمع، ورفع مستوى الرعاية والتأهيل والاكتشاف والتدخل المبكر ومساعدة المعاقين في التغلب على إعاقتهم عن طريق البحث العلمي.

ونفذ مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة عددا من الأبحاث الاستراتيجية الوطنية ذات الأولوية، من ضمنها: نظام رعاية المعوقين في السعودية الذي شمل اللوائح المنظمة لتيسير استخدام المعوقين المرافق والمنشآت، وإنشاء المجلس الأعلى لشؤون المعوقين وتشكيله وتنظيم إجراءات عمله ليتولى جميع الأمور المتعلقة بشؤون المعوقين، إضافة إلى البرنامج الوطني للفحص المبكر لحديثي الولادة الذي تم من خلاله فحص أكثر من 900 ألف عينة من المواليد وتم تشخيص 910 حالات حتى الآن.

إضافة إلى تلك البرامج التي تأتي في إطار تفعيل بنود نظام رعاية المعوقين، عمل المركز على برنامج سهولة الوصول الشامل لتحقيق نقل المعوقين بأمن وسلامة ووضع الشروط والمواصفات والمعايير الهندسية والمعمارية الخاصة باحتياجات ذوي الإعاقة، إضافة إلى برنامج سلطان بن عبد العزيز للأبحاث المتقدمة في مجال الشفرة الوراثية والعلاج الجيني.

ويأتي برنامج المسح الوطني للصحة النفسية مكمّلا لبرامج المركز الجارية، وذلك لتزويد العاملين في الصحة النفسية ومتخذي القرار برؤية واقعية تساعد على توفير الخدمات اللازمة للوقاية والعلاج والتأهيل في السعودية، ودراسة الأمراض المشتركة مع الاضطرابات النفسية، وتقدير حجم الإعاقة الناجمة عن الأمراض النفسية في جميع المناطق.