مطالب بوضع آلية تضمن عدم إفشاء معلومات المقبلين على الزواج

بعد اقتراح إمكانية الاطلاع على السجل القضائي والحالة الاجتماعية

المحكمة العامة في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي شرعت فيه وزارة العدل بدراسة مقترح لتمكين المقبلين على الزواج من الاستعلام عن السجل القضائي للطرف الآخر، ومعرفة الحالة الاجتماعية والصحية والنفسية للمتقدم، ظهرت أصوات قانونية تطالب بوضع آلية مقننة تضمن عدم تسرب تلك المعلومات أو إفشائها إلى الغير، مبينين أحقية من يقع عليه الضرر بمقاضاة المتسبّب بذلك، سواء أطراف العلاقة أو حتى وزارة العدل نفسها، وذلك في ضوء ما طرحته وزارة العدل بخصوص إعداد دراسة تنظيمية لمقترحها الوارد لدراسة المشروع القاضي بتزويد «مأذوني الأنكحة» بالحالة الاجتماعية والسجل القضائي للمقبلين على الزواج من المواطنين، وذلك للتصدي لمشكلة الطلاق وكل ما من شأنه تهديد وزعزعة استقرار وأمن الأسرة السعودية.

ومن الناحية القانونية، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، الدكتور فهد العنزي عضو مجلس الشورى وعميد كلية الحقوق سابقا، أن هناك ما يسمى خصوصية المعلومات واحترام هذه الخصوصية، وهذا تكفله بالأساس الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن كثيرا من الأنظمة تحتم على الأشخاص أنفسهم حماية بياناتهم الشخصية والمعلومات المتعلقة بهم، معتبرا أن قيام أي جهة بنشر هذه المعلومات دون أن يكون هناك نظام يسمح بذلك سيوقعها تحت طائلة المساءلة، وهذا هو المبدأ، وهو حق من حقوق الإنسان، باعتبار أن حماية الإنسان لا تقتصر على حماية الجسد فقط وإنما تحمي كيانه المادي والمعنوي وما يتعلق بالسمعة والشرف.

وأشار عضو مجلس الشورى إلى أن جميع الأنظمة تعطي الحق للأشخاص بأن يحموا سمعتهم، لكن قد تكون هذه المعلومات من الواجب أن يعرفها الطرف الآخر؛ لأنه يُبنى عليها نتيجة معينة أو تصرف قانوني، مستدلا بأن الأصل هو حماية البيانات الشخصية، لكن طالما دعت الحاجة إلى أن تكون هذه البيانات الشخصية معلومة من طرف آخر في ظل وجود مصلحة معتبرة، سواء مصلحة شرعية أو مصلحة نظامية، فإن هذه الحالة تعتبر مراعاة لمصالح كل الأطراف، خصوصا في مسألة الزواج وعقد النكاح، بحكم أنه مؤسسة اجتماعية أسرية تبنى على أساس أن يكون كل طرف يعلم ما يحيط بالطرف الآخر من أمور قد تؤثر على قراره في الزواج من عدمه.

وزاد: «كل شخص لديه الحق بالاحتفاظ بمعلوماته الشخصية، لكن طالما أن هذا الأمر تحول إلى مشروع مشترك مع طرف آخر مثل الزواج، فلا بد من معرفة الطرف الآخر المعلومات الخاصة عنه، وهذه المعلومات يجب أن تكون مدروسة ومقننة وأن لا تعطى كل المعلومات، وإنما فقط البيانات والمعلومات الجوهرية التي ستؤثر على قبول أطراف الزواج من عدمه».

وطالب الدكتور العنزي وزارة العدل بحماية صاحب المعلومات وأن يقوم الطرف الذي يطلع على هذه البيانات بكتابة تعهد على نفسه من خلال نموذج رسمي، بأنه في حال نشره لأي من هذه البيانات واطلاع الغير عليها، فإنه سيكون مسؤولا عن العواقب الناتجة من هذا التصرف ووضع عقوبات رادعة بحقه، خصوصا أن هذه البيانات جاءت بشكل سري لغرض قبول الزواج أو عدم قبوله، وإذا ترتب على هذه المعلومات تسريب لها أو اطلاع الغير عليها، فإنه بهذه الحالة يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة لكل من يفشي تلك البيانات للغير، مشيرا إلى أن هذا النظام جاء لرعاية المصالح وليس للتشهير.

وأفاد بأن الرؤية القانونية لهذا التوجه تحتم على أن لا تكون تلك المعلومات متعلقة بجوانب شخصية حساسة، وأن تكون لها علاقة بقرار الارتباط وقبول الزواج من عدمه فقط، مثل المعلومات الوظيفية أو المالية، حينما يتقدم شخص يدعي أنه موظف وهو عكس ذلك، ويجب أن لا نبالغ بالمعلومات التي لا نعتبرها حقا قانونيا أو مؤثرا، مثل معلومات متعلقة بالنسب وتكافئه، أو مجهولية الأبوين، وبعض المعلومات التي صدرت بخصوصها آراء شرعية قد تكون مثيرة للجدل، طالما أنه ليس لها تأثير في مرحلة مقبلة، مؤكدا أن الوزارة طالما وضعت هذه البيانات فإنها ستشارك في إحداث مشكلة كبيرة فيما يتعلق بمجهولي النسب، ويجب أن تكون البيانات لها قيمة صحية واجتماعية وبشكل مقنن بالقدر المعقول، وأن يتم التأكد من جدية المطلع على البيانات باتخاذ القرار في مسألة الزواج، وأيضا يجب على صاحب البيانات أن يتم إطلاعه على أن هناك من يسأل عن بياناته، ويجب أن يكون له علم بذلك.

إلى جانبه، أبدى المحامي فراج العقلا في حديث خصّ به «الشرق الأوسط»، تفاؤله الكبير بهذا النظام حال تطبيقه، وما يقدمه من معلومات يترتب عليها اتخاذ القرار المناسب من قبل الفتاة الراغبة في الزواج من المتقدم أو العكس، مشيرا إلى أن آلية تقديم المعلومة لأهل الفتاة لم تتضح بعد من قبل وزارة العدل، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا المشروع فيه من الإيجابيات الشيء الكثير، لما يترتب عليه من استقرار أسري.

وقال: «إنه من السذاجة أن يقدم (مأذونو الأنكحة) كل المعلومات التي لديهم إلى أسرة الفتاة والخارجة عن الإطار الاجتماعي، وإنما يمكنهم توضيح توجهات المتقدم هل هو من أصحاب الفكر التضليلي أو صاحب سفريات نتج عنها إيقافه لتهم معينة»، معتقدا أن وزارة العدل لن تعطي كل التفاصيل لمأذوني الأنكحة، وإنما ستكتفي بآلية تقديم المعلومة المرتبطة باتخاذ قرار الموافقة من عدمه، وهذا هو الأهم (حسب تعبيره).

وأكد المحامي العقلا أنه من حق أي متضرر من نشر معلوماته عن طريق الطرف الثاني، أن يقاضي المتسبّب بذلك، سواء وزارة العدل أو الأشخاص الذين حصلوا على المعلومة عن طريق ديوان المظالم، الذي بدوره يقوم بالنظر في القضية وتحديد مفاصلها وإصدار العقوبة أو التعويض المناسبين.

في المقابل، اعتبر محمد البابطين، مدير الإدارة العامة لمأذوني الأنكحة في وزارة العدل، أن هذا المشروع سيشكل إحدى الدعائم الرئيسة لتجنب التفكك الأسري والحفاظ على المجتمع السعودي, مشيرا إلى أن هذا المشروع من شأنه إيجاد سجل أسري للخاطبين، بحيث يبنى الزواج على رؤية متكاملة حول الجوانب الأخلاقية والسلوكية لأطراف عقد النكاح، وتحديد المعلومات التي يؤثر غيابها أو إخفاؤها قبل الزواج على استمراريته, والجهة المختصة بتنفيذ المشروع, والجهات المشاركة والآليات المقترحة لتنفيذه.

وفيما يتعلق بتوثيق وقائع الزواج والطلاق لدى الأحوال المدنية، أشار ناصر الحنايا، المستشار بمكتب وزير الداخلية، خلال ورشة عمل أقيمت بهذا الخصوص مؤخرا في العاصمة الرياض، إلى ما نص عليه نظام الأحوال المدنية في المادة 11 من سرية ما تحتويه السجلات المدنية من بيانات, وكذلك المادة 23 التي تجيز للسلطات العامة أو لكل «ذي مصلحة ثابتة» طلب صورة من أي قيد مدني أو وثيقة.

في الوقت نفسه، أكد الأطباء النفسيون المشاركون في الورشة إمكانية الكشف عن الأمراض الذهنية لدى المقبلين على الزواج, وإمكانية الكشف عن الإدمان من خلال إجراء اختبارات الفحص التي تفصح نتائجها عن وجود مؤشرات تدل على الإدمان, أو من خلال فحص خصلة الشعر التي من الممكن أن تبيّن وجود عشرة أنواع مختلفة من المخدرات لمدة 90 يوما سابقة.