«موسم رمضان» يرفع القوة الشرائية للمستهلكين في الأسواق المحلية

تحذير من استغلال التجار للموسم برفع الأسعار وسط رقابة حكومية شديدة

السلع الغذائية والتموينية تشهد ارتفاعات سعرية في قوائمها خلال الأيام التي تسبق دخول شهر رمضان من كل عام (تصوير: عبد الله المحسن)
TT

تخوفات تسيطر على المتعاملين بسوق السلع الغذائية في السعودية مع اقتراب شهر رمضان تحسبا من ارتفاع في مؤشر الأسعار لتلك السلع، عطفا على ما يشهده الموسم من تزايد في أعداد المتسوقين لتأمين المتطلبات الغذائية لشهر الصيام.

في وقت سجل قطاع بيع المواد الغذائية في المملكة ارتفاع أسعار مع مطلع عام 2013 الجاري، بنسبة 10% نتيجة عدة عوامل مؤثرة على هذا القطاع تتمثل في ارتفاع الطلب على الغذاء في البلاد وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والغذائي عالميا ومحليا، خاصة بعد التحذيرات الأخيرة التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» حول توقعاتها بحدوث أزمة غذائية خلال العام المقبل.

وشهدت أسعار بعض السلع الغذائية في السوق المحلية، وخاصة الأرز والبيض واللحوم البيضاء والحمراء بأنواعها المختلفة ارتفاعا كبيرا خلال الثلث الأول من العام الحالي قارب 50% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، وسط توقعات بموجة غلاء جديدة، من خلال استغلال قرب شهر رمضان لرفع هامش أرباحهم في مختلف أنواع السلع.

وأكد الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة وزير التجارة والصناعة أنّ توجيهات خادم الحرمين الشريفين لوزارته تقضي بمتابعة شؤون المستهلك ومراعاة توفير السلع والخدمات بأسعار متاحة للجميع، مؤكدا على عدم التهاون مع من يحاول احتكار السلع أو المبالغة في أسعارها، أو يلجأ إلى أي صورة من صور الغش التجاري، والمبادرة بكل حزم إلى إيقاع الجزاءات الرادعة على كل من يخالف الأنظمة واللوائح والتعليمات.

وأشار الربيعة إلى أنّ جميع النتائج الإيجابية للإجراءات والقرارات التي اتخذتها الوزارة، بخصوص السلع والخدمات وتوفيرها وأسعارها، مشيرا إلى أن تلك الخطوات تأتي في إطار المتابعة الدقيقة لتحقيق مصلحة المواطن وتضمن الحفاظ على حقوقه وتؤدي في النهاية إلى تيسير سبل عيشه ورفاهيته.

من جانبه قال سعد السويلم نائب رئيس اللجنة التجارية في مجلس الغرف السعودية إن أسعار السلع ستظل في مستواها الحالي وإن امتداد تأثيرات الإجراءات الأخيرة التي فرضتها وزارة العمل مثل زيادة الرسوم دخلت في الأسعار مسبقا ولن تمتد مجددا على السوق مشيرا إلى أن الكثير من الأصناف ثابتة باستثناء أصناف الأرز التي شهدت ارتفاعا في الأسعار.

وبين السويلم أن ثقافة المستهلك هي الأهم في موسم رمضان الذي يشهد ارتفاعا في معدل الاستهلاك وترتفع فاتورة الشراء لدى الأسر والحقيقة إن التوازن في الاستهلاك أمر حتمي ومطلوب لتجنب أي استغلال لعرض السلع بأسعار مرتفعة، مبينا أن مؤشر ثقافة الاستهلاك ارتفع في الآونة الأخيرة ولاحظنا أن عددا من المستهلكين شرعوا في تحديد احتياجاتها والتخطيط لمشترياتها وفقا للاحتياج الفعلي.

من جانبها أشارت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات «أن مؤشر الرقم القياسي العام لأسعار الجملة للربع الأول 2013 شهد ارتفاعا مقارنة بنظيره من العام السابق بنسبة 1.7%، وارتفعت المواد الغذائية والحيوانات الحية التي ارتفعت بنسبة 1.8% وقسم السلع المصنعة المتنوعة بنسبة 1.8%».

ويتوقع أن تشهد الأسواق خلال الأسابيع المقبلة كثافة كبيرة من المستهلكين، مما يجعل فرضية رفع الأسعار ولو بهامش بسيط غير ملاحظة ولكن هذا الهامش قد يرفع الفاتورة النهائية أكثر من المعتاد.

وتعد قضية تحقيق الأمن الغذائي إحدى التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة والدول الخليجية والعربية، حيث إن انخفاض المخزون الاستراتيجي العالمي للسلع الغذائية للظروف الجوية والمناخية غير الملائمة خلال الفترات الأخيرة في الدول المصدرة للإنتاج الغذائي ودخول بعضها في موجات جفاف يُعطي مؤشرات مستقبلية توجه العالم لأزمة غذائية.

وتُعتبر السعودية أعلى دولة تستورد المواد الغذائية من الخارج، حيث إن العقود الجديدة التي تُوقع مع نظرائهم في دول مُصدرة للمواد الغذائية خلال الفترة الراهنة لوحظ فيها زيادة في الأسعار مطلع عام 2013.

وكانت إحصائيات حديثة صادرة من وزارة الزراعة السعودية أظهرت أن عدد المشروعات الزراعية المرخصة بلغ 11.950 مشروعا زراعيا متخصصا في مجالات الإنتاج النباتي، ومشروعات أخرى متخصصة في مشروعات الإنتاج الحيواني، ومشروعات النعام والمسالخ وغيرها، أما فيما يتعلق بمشروعات الاستزراع السمكي فقد بلغت 44 مشروعا لتربية الروبيان منها 23 مشروعا في منطقة مكة المكرمة و19 مشروعا في منطقة جازان، ومشروعان في منطقة عسير.

في ذات السياق قال البنك الدولي في وقت سابق: «إن أسعار الغذاء العالمية قفزت 10% في يوليو (تموز) إذ تضررت المحاصيل الزراعية من جراء الجفاف في الولايات المتحدة وشرق أوروبا»، وحث الحكومات على تعزيز البرامج التي تحمي أكثر فئات السكان عرضة للخطر، وأشار البنك الدولي إلى أنه من يونيو (حزيران) إلى يوليو ارتفعت أسعار الذرة والقمح 25% لكل منهما، وقفزت أسعار فول الصويا 17% ولم يتراجع سوى الأرز الذي هبطت أسعاره 4%.

وتعتبر قضية الأمن الغذائي من أهم خمس قضايا رئيسة على مستوى العالم، حيث تلجأ بعض الدول المحتكرة لإنتاج وتصدير السلع الغذائية وخاصة الاستراتيجية منها إلى الضغط السياسي والاقتصادي على كل من الدول النامية والمتخلفة.

وفي الواقع لم يعد توزيع فائض الغذاء في التجارة الدولية يتم طبقا للاعتبارات الاقتصادية أو أنه ينساب إلى الدول الأكثر حاجة إليه وإنما يتحدد أو ينساب بناء على الاعتبارات السياسية.

وتسعى السعودية إلى تحقيق الأمن الغذائي وذلك عن طريق الاحتفاظ بمخزون استراتيجي من السلع الغذائية وأهمها القمح والأرز والزيوت النباتية الغذائية والسكر واللحوم الحمراء ولحوم الدواجن، يكفي الاحتياجات الاستهلاكية لمدة ستة أشهر على الأقل كنوع من الأمن الغذائي.

وقال الدكتور واصف كابلي نائب رئيس اللجنة التجارية في غرفة جدة إن ارتفاع الحركة الشرائية تصب في مصلحة المستهلك وتؤدي إلى منافسة في الأسعار وعادة ما يرافق الموسم قبل دخول شهر رمضان المبارك عروض وتخفيضات لأن التجار يفضلون سرعة دوران السلعة بالتالي تحقيق مبيعات أكثر دون الحاجة إلى رفع السعار أو المبالغة فيها.

وتوقع كابلي أن تكون الأسعار في مستواه الحالي مرجعا ذلك إلى المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بأسعار العملة التي لم يطرأ عليها تغيير كبير يمكن إن يؤثر بشكل مباشر في أسعار السلع باستثناء اليورو الذي يشهد ارتفاعا إلا أنه لم يصل إلى المستوى الذي ينعكس على الأسعار، مشيرا إلى أن عقود شراء السلع من قبل التجار تتم بعقود طويلة تصل إلى ثلاثة أشهر ولا يمكن أن يمتد أثر الارتفاع إلى السلع الأساسية إلا أن يكون هناك بعض الاختراقات والمخالفات من بعض منافذ البيع التي ترفع الأسعار.

ولفت كابلي إلى أن ذلك الأمر يتطلب وعيا من المستهلك الذي لا ينجرف وراء تلك الأسعار، وقال: «وعليه أن يتعاون مع وزارة التجارة ويتم الإبلاغ عن أي مخالفات في الأسعار خاصة إن هناك تعاون كبير من قبل الوزارة في الآونة الأخيرة من خلال تسهيل تلقي البلاغات».

وفي السياق ذاته توقع عبد الرحمن أحمد أستاذ الاقتصاد في بيت الخبرة للدراسات الاقتصادية إن يحدث زيادة في الأسعار في شهر رمضان المقبل؛ بسبب وجود عاملين؛ أولهما ارتفاع كلفة العامل الأجنبي نتيجة تكبد صاحب العمل مصاريف إضافية على تصاريح الإقامة والتأمينات، والثاني هو صعود تكاليف السلع المستوردة، التي تشكل جزءا لا يستهان به من سوق السلع الغذائية في السعودية.

وأشار أحمد إلى ما تشهده تكاليف النقل والتأمين البحري والجوي من ارتفاعات متتالية خلال العام الجاري، مشيرا إلى استمرار آثار تلك الزيادات، ولافتا إلى تأثيرها على الأسعار في ظل زيادة معدل الاستهلاك المحلي للسلع والخدمات.

وزاد أستاذ الاقتصاد في بيت الخبرة للدراسات الاقتصادية: «إن الطلب يتصاعد على السلع الغذائية بشكل كبير خلال شهر رمضان، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد في عدد من الأصناف الأسعار إلى جانب انخفاض في أصناف أخرى، إلا أن تلك الزيادات ليست خاصة بشهر رمضان، وهي غير منفصلة عن مسار تصاعدي للأسعار بدأ قبل أشهر، ومثال ذلك ماطرا على أسعار الأرز من زيادات وصلت إلى 30% قبل حلول الموسم».

يشار إلى أن وزارة التجارة والصناعة السعودية تؤكد على متابعتها لأسعار المواد الغذائية والتموينية في الأسواق المحلية، عبر توجيه مراقبي الوزارة للقيام بجولات مكثفة ومفاجئة للتأكد من التزام منافذ البيع في تلك الأسواق من الأسعار المحددة للمواد الغذائية والتموينية.

وكانت الوزارة دعت في وقت سابق جميع المواطنين والمقيمين إلى الإبلاغ عن أي مخالفات تجارية، أو غش، وأوضحت استعلامات استقبال الشكاوى التابعة لوزارة التجارة أنها تلقت ما بين 120 إلى 130 بين شكوى واستفسار، مؤكدة أن عملها مستمر طوال 24 ساعة، ويتم تحويل الشكاوى إلى أقرب فرع لمكان الشكوى ليتم التعامل معه.

وبينت أن أقصى مدة استجابة للشكوى تستغرق يومين، وهي تعتمد بالدرجة الأولى على المراقبين، وما يحملونه من معاملات، إذ إنها في المدن الكبيرة قد لا تستغرق ساعات، مضيفة أن هذه الخدمة تغطي جميع مناطق ومدن المملكة.

وشددت وزارة التجارة والصناعة عبر إعلاناتها التوعوية للمستهلكين بضرورة التعاون معها من خلال الإبلاغ عن التجار المتلاعبين في الأسعار، حيث خصصت هاتفا مجانيا لتلقي البلاغات من المواطنين حيال أسعار المواد الغذائية والتموينية في الأسواق المحلية، فيما تقوم الوزارة بإصدار مؤشرات سعرية عبر موقعها على شبكة الإنترنت بأهم تلك السلع والخدمات في أسواق البلاد.

يشار إلى أن الأسواق في المملكة تزاحما سنويا في مثل هذا الوقت الذي يسبق شهر رمضان المبارك، وبدأت الكثير من العائلات استعداداتها لتوفير المستلزمات الرئيسية من المواد الغذائية، في الوقت الذي يعمد فيه بعض التجار إلى رفع أسعار بعض المواد الغذائية، التي يكثر عليها الطلب بحجة قلة المعروض وكثرة الطلب، وارتفاع الأسعار من قبل الموزع أو الوكيل، والذي يجبرهم على رفع السعر لتعويض قيمة شرائهم.

كما يقوم بعض تجار المواد الغذائية بعرض مواد غذائية لم يتبق على مدة صلاحيتها إلا فترة بسيطة، تكون مخزنة في المستودعات بأسعار مخفضة، بحجة تصفيتها، واستيراد مواد جديدة، وتكثر في هذا الوقت المطالب بتدخل جمعية حماية المستهلك ووزارة التجارة للحد من هذه الارتفاعات، وتعزيز الإجراءات الرقابية، وتطبيق العقوبات النظامية ضد المتلاعبين في الأسعار.

كما تشهد عدد من المعابر الحدودية البرية في المملكة إقبالا ملاحظا من مواطني دول الخليج لشراء السلع الرمضانية من الأسواق السعودية، إذ يحرص الكثير منهم منذ سنوات على قضاء حاجاتهم من أسواق المملكة، وبخاصة في أوقات المناسبات والأعياد، والتي يكثر فيها شراء الأطعمة بأنواعها والملابس، مثل محافظة الأحساء التي تشهد إقبالا ملاحظا ومتزايد من قبل المتسوقين القطريين، نظرا لقرب المسافة.