تعديل الإجازة الأسبوعية في السعودية.. مصلحة اقتصادية واجتماعية وتعليمية

رئيس هيئة سوق المال: القرار سيوحد التعاملات مع أسواق المنطقة ويقلص الفجوة مع الأسواق العالمية

جانب من مدينة الرياض
TT

أكد خبراء اقتصاديون ومسؤولون حكوميون أن قرار تحويل الإجازة الأسبوعية من يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت يصب في مصلحة الاقتصاد، الذي يتزامن مع التعاملات الاقتصادية والتجارية والحكومية على مستوى دولي.

وأكد محمد بن عبد الملك آل الشيخ رئيس مجلس هيئة السوق المالية أن الأمر الملكي سيلبي حاجة الاقتصاد الوطني، ويضعه في سياق الاقتصاد العالمي «خاصة أن المملكة عضو في مجموعة الـ20 التي تضم الدول ذات أكبر وأهم الاقتصادات في العالم».

وقال آل الشيخ: «إن تعديل الإجازة الأسبوعية للسوق المالية سيوحد تعاملاتها مع أسواق المنطقة تحديدا، ويقلص الفجوة مع الأسواق العالمية إلى يوم واحد فقط، ومن شأن ذلك أن يضفي المزيد من التقارب مع الأسواق العالمية ويعالج الآثار السلبية التي كانت تترتب على الاختلاف الكبير في الإجازة الأسبوعية».

وأوضح رئيس مجلس هيئة السوق المالية أنه إنفاذا للأمر الملكي الكريم، فقد تم توجيه شركة السوق المالية السعودية «تداول» لبدء تداولات السوق المالية اعتبارا من الأسبوع المقبل يوم الأحد 30 من يونيو (حزيران) الحالي.

ونوه باهتمام ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالسوق المالية، وحرصه الدائم على تطورها ونموها للوصول بها إلى مصاف الأسواق العالمية الرائدة من خلال تطوير وتنظيم السوق المالية وتوفير بيئة استثمارية سليمة وحافزة للاستثمارات وداعمة لثقة المستثمرين، وذلك عبر استكمال منظومة اللوائح والقواعد التنفيذية، وتشجيع طرح الأوراق المالية والأدوات الاستثمارية الجديدة، وتعزيز مستويات الشفافية والإفصاح، وتفعيل دور الهيئة الإشرافي والرقابي والارتقاء بأدائها وحماية المستثمرين فيها.

من جانبه، قال فضل البوعينين الخبير الاقتصادي إن قرار تعديل الإجازة جاء متوافقا مع احتياجات القطاع المصرفي والمالي والاقتصاد بشكل عام. على أساس أن إجازة السبت والأحد ستقلص فارق الإجازة الأسبوعية مع دول العالم إلى يومي عمل بدل من أربعة أيام، في الوقت الذي ستتطابق فيه مع إجازة دول الخليج.

وأضاف أن المدفوعات المالية تعتمد آلية الاستحقاق التي ترتبط بشكل كبير بأيام العمل الدولية، وأي تقليص في فوارق أيام العطل ينعكس إيجابا على العوائد المالية والاستفادة من الودائع المالية في وقتها.

وفيما يتعلق بالأسواق المالية، قال البوعينين: «فارق الإجازة ينعكس سلبا على إدارة المحافظ وتشغيل الأموال، كما أنه يضع أعباء مالية على المؤسسات المالية التي تضطر لمواصلة العمل طوال الأسبوع لمتابعة الأسواق المفتوحة. إضافة إلى ذلك فسوق الأسهم كانت أكثر المتضررين من فارق الإجازة، حيث تتأثر سلبا بإغلاق الأسواق العالمية السلبية الجمعة، دون معرفة لأسباب تلك السلبية ومدى تأثيرها على الداخل. اليوم يمكن للسوق المالية أن تراجع البيانات وتحللها قبل الافتتاح يوم الأحد. مما يعني حصولها على متسع من الوقت بمكن أن يحد من تراجعها غير المبرر».

بشكل عام، لا يمكن أن تكون السعودية بمعزل عن المنظومة الخليجية التي تعطل الجمعة والسبت ولا يمكن أن تكون بمعزل عن العالم في الوقت الذي نقول فيه إن العالم بات قرية صغيرة متشابكة ومترابطة في الجوانب الاقتصادية.

إلى ذلك، اعتبر عصام خليفة عضو الجمعية الاقتصادية السعودية أن النشاط الحكومي والمالي والخاص يتوقف تماما يوم الخميس الذي يوازي ذروة النشاط الاقتصادي في دول العالم وملتقى معظم حركة المال والتجارة العالمية، في حين أن بداية الأسبوع في السعودية كانت (السبت) تتزامن مع عطلة رسمية في معظم دول العالم، وفيها تتعطل البورصات المالية الدولية، وبالتالي يصبح القاسم المشترك في التفاعل اليومي مع اقتصادات هذه الدول لا يزيد على ثلاثة أيام أسبوعيا، هي الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وبالتالي فإن إحلال يوم السبت محل يوم الخميس ينطوي عمليا على إضافة يوم رابع لأيام العمل الأسبوعية الفعلية، وبالتالي يعزز النشاط المالي والتجاري والمصرفي، لا سيما أن الدولة مقبلة على طفرة هائلة في الاستثمارات والانفتاح المالي والعقاري وحركة السوق بما يتطلب معه تعزيز الخدمات المالية والمصرفية ودراسة تنفيذ أي خطوات يمكنها الإسهام في هذا المجال.

ويرى خليفة أن من إيجابيات هذه الخطوة إحداث زخم إيجابي يضاف للزخم الإيجابي الحالي الذي يعيشه الاقتصاد السعودي، خصوصا أن هذه الخطوة تعطي شعورا نفسيا بوجود توجه جاد لدى الجهات الرسمية للوصول لمرحلة التكامل الاقتصادي مع السوق العالمية، مما يعود بالخير على الاقتصاد السعودي، وتنعكس آثاره على المواطنين بشكل عام والمستثمرين في الداخل والخارج بشكل خاص إلى ذلك قال محمد النفيعي رئيس لجنة الأوراق المالية في غرفة جدة إن القرار الملكي جاء استجابة كريمة لمستجدات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت ترتبط بشكل مباشر مع المستوى الإقليمي والعالمي والمتغيرات السائدة في المنطقة والعالم، والقرار له إيجابيات كثيرة أبرزها تكامل المنظومة المالية للمصارف والقطاعات المالية التي تعتبر أبرز أعمدة الاقتصاد الوطني. وعلى صعيد السوق المحلية، فإن تعديل أيام الدوام يمثل تداولات أكثر فاعلية لأسواق المنطقة ويفعل بشكل مباشر تحقيق التكامل بين أسواق الخليج وإنشاء السوق المالية الموحدة في منطقة الخليج وتفعيل أكبر للتكامل الاقتصادي في منطقة الخليج.

وحول انعكاسات القرار على سوق الأسهم، أشار النفيعي إلى أن المتابع لحركة سوق المال السعودية يجد أنها الوحيدة في المنطقة، وربما العالم التي تتعامل منفردة وتعمل يوم السبت، مما يشكل عبئا عليها في تحمل انعكاسات الأسواق العالمية، بعد إغلاقها يوم الجمعة، ولا تعطي فرصة للرؤية الاستثمارية الجيدة للمستثمرين وتقييم الانعكاسات الاقتصادية بشكل سليم، إلا أنه بعد القرار سيتقلص فرق الأيام المعطلة بسبب الاختلاف عن مواعيد الإجازة العالمية، مما سيترك أثرا إيجابيا على قطاع المصارف والسوق المالية في البلاد من خلال تقليل خسائر سوق المال المادية، وقدرة المصارف المحلية على إنجاز عدد أكبر من المعاملات المصرفية المرتبطة بالأسواق العالمية.

وأوضح الدكتور عبد اللطيف باشيخ أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، أن كل القطاعات سوف تجني ثمار هذا القرار، حيث ستتفاعل بشكل أكبر مع التعاملات التجارية العالمية وتقلص فارق الأيام، حيث سيتم توفير يوم إضافي للعمل، الأمر الذي سوف يساعد في التواصل مع الأسواق، مشيرا إلى أن توجه الحكومة السعودية في هذا الصدد أن يكون هناك تواصل إيجابي مشترك مع الدول، خاصة الدول الخليجية، التي تربطها علاقات مباشرة، مثل السوق المشتركة والعملة الخليجية والأنظمة والإجراءات بين الدول، مما يساعد في توحيد وتطوير العلاقات التجارية.

من جانبه، وصف طلعت حافظ الخبير الاقتصادي قرار تحويل الإجازة الأسبوعية بـ«الحكيم، ويعبر عن نظرة ثاقبة للملك عبد الله، نظرا لما يربط السعودية من علاقات على نطاق واسع مع دول العالم في مجالات كثيرة؛ السياسية والاقتصادية»، مشيرا إلى أن القرار خطوة للتواصل بشكل أكثر مع العالم وسد الفجوة الكبيرة التي كانت تحدث بسبب فارق أيام الإجازة، ففي الوقت الذي كانت تعمل فيه الدول كانت السعودية إجازة حتى أصبح الفارق الزمني كبيرا في إنهاء التعاملات، مشيرا إلى أن كل القطاعات سوف ينعكس عليها الأثر الإيجابي للقرار الذي سوف يسمح بمزيد من اللقاءات سواء على مستوى المسؤولين الحكوميين في الدولة أو على مستوى القطاع الخاص، إذ إنه على الرغم من التواصل الإلكتروني بين دول العالم حتى أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة، فإن هناك حاجة ملحّة إلى عقد الاجتماعات وتبادل الأفكار والآراء والتشاور في الكثير من الاتفاقيات، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم في الفترة السابقة بسلاسة، نظرا لتعارض أيام العطلة الأسبوعية في السعودية مع باقي دول العالم.

من جهته، قال المهندس محمد القويحص عضو مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن إيجابيات القرار تصب في مصلحة القطاع الأهلي بشكل خاص والقطاع الحكومي بشكل عام، ولكن بنسبة أقل، فالقطاع الأهلي نتيجة لوجود ارتباطات مالية مع الدول العالمية، أما الحكومي، فينعكس على المراجعين ولن يكون له أي أثر سلبي على الموظفين، إن لم يكن إيجابيا عليهم».

وحول الجانب التربوي، قال عبد الله بن أحمد الثقفي مدير التربية والعليم في مدينة جدة لـ«الشرق الأوسط»: «من المؤكد أن القرار يصب في مصلحة كثير من الجهات والدوائر الحكومية والأهلية بشكل مباشر، وإن لم يكن مباشرا، فسينعكس بشكل إيجابي على جميع القطاعات، فإن تحويل الإجازة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت سيحقق فوائد اقتصادية للقطاع الخاص في السعودية، ويتيح فرصا أكثر للتواصل مع الأسواق الدولية التي تأخذ إجازتها الأسبوعية يومي الجمعة والسبت».

وأضاف الثقفي: «ومن خلال ما تم صدوره أمس، فإن المدارس والجامعات ستبدأ تطبيقه على الفور بدأ من بداية العام الدراسي المقبل، مما سيعطي انعكاسات إيجابية ولن يكون هنا أي تأثير على المسار التربوي والتعليمي، بل سينعكس ذلك على الطلاب وأولياء أمورهم، خاصة ممن يسافرون خلال فترة الإجازة الأسبوعية ليتمكنوا من البقاء مع أقاربهم يوم الجمعة بشكل كامل والعودة يوم السبت لكي تنطلق الدراسة يوم الأحد، مما يعد دافعا نفسيا لدى القطاع التربوي واستعدادا قد يكون أقوى من سابقه، نظرا لعدم تزامن السفر في يوم الجمعة والمتعارف لدى الدول الإسلامية بحضور صلاة الجمعة في وقت مبكر والاجتهاد في الطاعات».

من جهته، قال إبراهيم العقيلي رئيس لجنة التخليص الجمركي في غرفة جدة لـ«الشرق الأوسط»: «إن تعديل الإجازة الأسبوعية الرسمية أحد متطلبات السوق الخليجية الموحدة، التي تحتاج إلى توحيد جميع الأطر التنظيمية، بما فيها الإجازات الأسبوعية، ويساهم في العمليات التجارية التي تتزامن مع الموانئ في الخليج، وتوفر الوقت والجهد والتكاليف»، مشيرا إلى أن هناك ارتباطا ماليا كبيرا بين إنهاء إجراءات البضائع في الموانئ والشحن والتعاملات البنكية، وهذا الأمر دفع بالموانئ إلى العمل في يوم الخميس، الذي يعتبر إجازة في السابق، مما يحمل القطاع دفع تكاليف مالية للموظفين.

وقال راشد بن غرم الله الزهراني مدير أحد المشاريع الأهلية في قطاع وزارة الصحة: «إن القرار يستفيد منه القطاع الصحي؛ فهناك إيجابيات كثيرة ستصب في مصلحة الجهات الصحية خاصة أنه يتعامل مع مراجعين، كثير منهم يقدمون من مناطق بعيدة، إن لم تكن نائية، وبذلك فمن الأفضل تحويل الإجازة إلى يومي الجمعة والسبت لتقليص المشقة على الأفراد»، داعيا في الوقت نفسه لإعادة النظر في القطاع الأهلي أيضا أسوة بالقطاعات الأخرى وتزامنا مع الدول العالمية.

وكانت الحكومة السعودية أصدرت، أمس، قرارا يقضي بأن تكون أيام العمل الرسمية في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية والسوق المالية السعودية، من يوم الأحد إلى يوم الخميس، وتكون العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت.

وحددت بداية تطبيق القرار فيما يخص الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وجميع المؤسسات المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية والسوق المالية السعودية اعتبارا من يوم السبت المقبل، في حين حدد القرار بداية التطبيق الفعلي فيما يخص الجامعات والمدارس وجميع مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي اعتبارا من بداية العام الدراسي المقبل (1434/ 1435هـ). وجاء القرار متضمنا ما تقتضيه المصلحة العامة، وانطلاقا مما تفرضه المكانة الاقتصادية للسعودية والتزاماتها الدولية والإقليمية، وتوجهها نحو الاستثمار الأمثل لتلك المكانة لما فيه مصلحتها، وبما يعود بالخير والرفاه على مواطنيها. ونظرا لما ظهر لنا من الأهمية البالغة لتحقيق تجانس أكبر في أيام العمل الأسبوعية بين الأجهزة والمصالح الحكومية والهيئات والمؤسسات الوطنية ونظيراتها على المستوى الدولي والإقليمي، لما يترتب على ذلك من مصالح ظاهرة، وما يحققه للمملكة من مكاسب مهمة، خاصة في الجوانب الاقتصادية، وحرصا منا على وضع حد للآثار السلبية والفرص الاقتصادية المهدرة المرتبطة باستمرار التباين القائم في بعض أيام العمل بين تلك الأجهزة والمصالح والمؤسسات والهيئات الوطنية ونظيراتها الدولية والإقليمية.

ويأتي القرار بعد أن صوت عليه مجلس الشورى في إحدى جلساته الأسبوعية على دراسة موعد الإجازة الأسبوعية ليومي الجمعة والسبت بدلا من الخميس والجمعة، بعد أن طرحت من قبل أحد الأعضاء.