السعوديون يختارون الهدوء في عطلة السبت

طلبة الخارج أكثر المستفيدين بمتابعة معاملاتهم

طريق الملك فهد في الرياض يبدو خاويا على خلاف العادة كما بدا أمس (تصوير: أحمد فتحي)
TT

الساعة تشير إلى العاشرة والنصف بتوقيت قيظ الرياض الملتهب، يقف عبد الرشيد جلال عامل الكافتيريا القابع بطريق الملك عبد العزيز وسط العاصمة، محملقا في المقاعد الفارغة، مط شفتيه مضجرا، وللحق لا يمكن لوم العامل الذي يجزم أنه قطعا لم تفرغ مقاعده في أي سبت مضى منذ ما يربو على 15 عاما.

ويبدو أن مشغل الكافتيريا التي تتوسط جملة وزارات ودوائر حكومية مجاورة، لم يعلم أن السبت النشيط بات إجازة للسعوديين، وباستثناء سائق تاكسي طلب ساندويتش «فلافل»، فإن أحدا لم تطأ قدماه أرض الكافتيريا الشهيرة بـ«الشباتي» الخبز الباكستاني أو الهندي على مدار ساعة كاملة.

ولعل السبب يعود إلى تفضيل السعوديين الاكتفاء بالنوم والاستمتاع بالسبت الأول منذ صدور الأوامر الملكية الأسبوع الماضي بتغيير العطلة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت.

روح الفكاهة السعودية امتزجت بشكل واسع في التغيير الطارئ، ويبدو أن المستمتعين بالإجازة تحت أصوات أجهزة التكييف، وأمام شاشات الحاسب الآلي وأجهزة الهواتف الذكية، راحوا يقتلون الوقت بتبادل النكات، وأن جولة في «تويتر» تكفيك ضحكا لمدة شهر كامل على السبت الضيف، وأخذ الناس ينظمون شعرا للتودد إليه، وآخرون نظموا قصائد للترحيب.

وتركزت غالبية النكات على طول يوم السبت و«ثقله»، إذ كان أيقونة العودة إلى العمل أو الدراسة. وفي الوقت نفسه، امتعض آخرون من السبت قائلين إنه حتى وهو يوم إجازة فإنه يبقى يوما ثقيلا.

ميدانيا، بدت ملامح العاصمة الرياض أكثر هدوءا بغياب الازدحام، وكانت الشوارع نهارا تشبه أواخر ليل العاصمة، إذ يليق بها أن يصدح صوت الرمز الفني السعودي محمد عبده الذي يقول «آه.. ما أرق الرياض».

وفي جولة رصدت خلالها كاميرا «الشرق الأوسط» الشوارع الرئيسة للرياض والدوائر الحكومية بدت بخلاف العادة خاوية، ولم تكن الصورة البانورامية لطريق الملك فهد الذي يربط الشمال بالغرب سوى تشبيه بليغ لطريق سفر سعيد، وليس ذلك الطريق الذي تتلف فيه أعصاب أبرد أهالي العاصمة، أو زوارها.

وحتى محطات البنزين باتت زينة أكثر من كونها مزودة للوقود، وحتى سائقو التاكسي فضلوا التوجه إلى المقاهي المجاورة والمطاعم لبل الريق والابتعاد عن الشمس الحارقة التي تعلو شوارع خالية.

ولعل أسعد الفرحين بالتغيير هم الطلبة المبتعثون الذين يتابعون أوراقهم ومعاملاتهم الحكومية، خصوصا مع وزارة التعليم العالي، إذ لا يتمكن الطلبة من استغلال الأيام الرسمية للدوام أكثر استغلال، بيد أن اليوم الإضافي يعد طوق نجاة لتيسير أوضاعهم.

ولأول مرة استطاع الشاب محمد السفياني، وهو طالب يدرس اللغة الإنجليزية في ماليزيا، يوم السبت في النهار، أن يحادث والديه عبر برنامج «سكايب»، إذ يعمل والداه المعلمان كل سبت وأحد، في حين لا يستطيع العودة إلى منزله يومي الخميس والجمعة قبل مغيب الشمس.

ويقول: «من الناحية الاجتماعية والرسمية ابتهجنا بهذا القرار، على الأقل أستطيع حضور جلسة للعائلة وأحادثهم أوقاتا طويلة تجسر هوة الغربة التي نشعر بها»، مضيفا: «كما يتيح لنا زيادة يوم نتشارك فيه مع السعودية الدوام لمتابعة أوراقنا ومعاملاتنا الحكومية لدى وزارة التعليم العالي، فهناك العديد من الطلبة الذين يقعون بين ناري ضغط الدراسة وعدم مواءمة أيام العمل بين السعودية والبلدان التي يعملون فيها».

وتظهر المؤشرات النابعة عن التغزل والهجاء عن تغير آخر سيطرأ إثر تغير الإجازة. ويبقى السؤال: هل ستتغير ملامح الحياة الاجتماعية في السعودية؟ والجواب لا تكفيه قصة بقدر ما يكفيه حياة كاملة، ترسخت على مدار سنين بنظام دائم تحكمه الطبيعة البسيطة للإنسان الذي يشبهها. وهل ستغير الجدات أوقات تجمع الأحفاد لديهن؟ وهل سيقطع أبناء العائلات البعيدة أوقاتا أكثر ليتأقلموا مع التغيير؟ هل سيغير المعلمون أيام اجتماعاتهم التي يسمونها «الربوعية»، وهي اجتماع مجموعة أصدقاء دوريا كل أربعاء.