«التعليم الأهلي» يترقب إيجاد حلول لفض نزاع زيادة رواتب المعلمين والمعلمات

«التربية والتعليم» تلوح بعصا العقوبات و«الملاك» يتحضرون للإغلاق

تشكل قضية زيادة رواتب المعلمين والمعلمات السعوديين بالمدارس الأهلية حالة شد وجذب بين وزارة التربية وملاك المدارس («الشرق الأوسط»)
TT

اعترض ملاك المدارس الأهلية على تعامل وزارة التربية والتعليم مع ملف زيادة الرسوم، وتدخلها في تحديد نسبة الزيادة، وإصرارها على استخدام عصي العقوبات ضد المدارس غير الملتزمة، على الرغم من وجود أسباب يصفونها بالمبررة.

ورأى ملاك مدارس القطاع الخاص أن قرار مجلس الوزراء قضى بتكليف الوزارة بمراجعة الرسوم والتدخل بالتعديل إذا اقتضى الأمر، وليس تخفيضها ورفضها، وأن اللجنة المختصة والمكونة من ستة أشخاص لمراجعة رسوم ثلاثة آلاف مدرسة أهلية لم تستعن ببيوت خبرة عالية الكفاءة لتعينها في تحديد الأسعار، مما جعل قراراتهم تجاه المدارس غير مبرر، إضافة إلى أن السياسة التجارية السعودية قائمة على مبدأ الاقتصاد الحر دون أي تقييد للمبادرات الفردية أو انتقاص لدور القطاع الخاص.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» خالد الحسينان مدير الإعلام التربوي المكلف بوزارة التربية والتعليم أن المدارس الأهلية التي تقدمت بطلبها لزيادة الرسوم تم مراجعتها من قبل اللجنة المختصة، وفقا للقواعد المنظمة للرسوم الدراسية، وأن أي زيادة لم يتم الموافقة عليها قبل أو بعد الفترة البينية المحددة لن تعتمد.

وأشار الحسينان إلى أن وزارته تعمل على إيقاف أي رسوم إضافية، ما لم يتم إصدار قرار من اللجنة المختصة، مشيرا إلى أن المدارس التي تم الموافقة على زيادة رسومها بإمكانها إخطار أولياء الأمور في أي وقت من السنة، ولا يقتصر التبليغ على وقت محدد.

ورفض الحسينان اعتراض الملاك على كفاءة اللجنة وعددها، ومطالبتهم بضرورة إلحاق خبراء في الاقتصاد لمراجعة أسباب الزيادة والوقوف على قيمة الخدمات التي تقدمها المدارس، مبينا أن عمل اللجنة المكونة من ستة أشخاص جاء وفق النظام الذي تم مراجعته من قبل اقتصاديين وخبراء.

وبين مدير الإعلام التربوي المكلف أن وزارة التربية والتعليم ليس من دورها رفض زيادة الرسوم أو تخفيضها، وأنها جهة تنفيذية لما تراه اللجنة المختصة التي كلفت رسميا، وتم الموافقة عليها من جهات عليا لمراجعة الرسوم الدراسية.

ولفت إلى أنه تم إتاحة فرصة للمدارس الأهلية لتقديم طلباتها للجنة الرئيسة المختصة باستقبال الطلبات الرئيسة، مشيرا إلى أن مدة استقبال الطلبات 45 يوما للبت في الطلب.

من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور خالد الشمري عضو اللجنة الوطنية للتعليم في مجلس الغرف السعودية أن وزارة التربية والتعليم قررت قبل بداية العام الدراسي الماضي إلزام المدارس بزيادة رواتب المعلمين والمعلمات السعوديين بنسبة 90 في المائة، وهو ما دفع المدارس إلى رفع رسومها بصورة مفاجئة، لتتمكن من تغطية زيادة مصاريف تشغيلها في العام التالي.

وبين أن مجلس الوزراء ألزم وزارة التربية والتعليم بمراجعة الرسوم في حينه، إلا أنه تبين للوزارة أن أغلب تلك الزيادات كانت زيادات طبيعية، وعلى الرغم من ذلك استمر الإعلام في تضخيم تلك الزيادات، مما ترتب عليه صدور قرار مجلس الوزراء بتكليف الوزارة بمراجعة الرسوم والتدخل بالتعديل إذا اقتضى الأمر.

ورأى الشمري أن وزارة التربية والتعليم وُضعت في موقف لا تحسد عليه، فهي إن أقرت طلبات المدارس في رفع الرسوم، تعرضت لهجوم ساحق من الناس يدعمها فيه الإعلام التقليدي والجديد، وإن رفضت رفع الرسوم فسوف تعرض المستثمرين لمخاطر الخسائر الكبيرة التي قد تخرج كثيرا من المستثمرين من القطاع، وإن اختارت حلا وسطا فلن ترضي أحدا.

وقال الشمري إن «الوزارة في كل الحالات الثلاث لا يمكن أن تصدر قرار صحيحا لأنها لا تملك القدرة على ذلك، دون الاستعانة ببيوت خبرة عالية الكفاءة لتعينها في تحديد الأسعار، ففي المحاكم يستعين القضاة بهيئة النظر لإصدار تسعيرات للعقارات موضع الدعاوى، ويحيل رجال المرور المتضررين من الحوادث لشيخ المعارض لتحديد قيمة الأضرار الواقعة على الأطراف المختلفة، ومع ذلك لا يشعر القضاة أو رجال المرور بأي غضاضة عند استعانتهم بذوي الخبرة، فهذا هو الأمر الذي يتفق مع العقل والمنطق».

وفسر الشمري زيادة المدارس للرسوم من الناحية القانونية، مبينا أنه من منطلق أحكام الشريعة تطبق السعودية نظام النشاط الاقتصادي الحر من خلال ضمان الممتلكات الخاصة وقيام الحكومة بتنظيم النشاط الاقتصادي. والشريعة الإسلامية السمحة تحترم التعاقدات المبرمة بين الأفراد والشركات والحكومات، كما تعتمد السياسة التجارية السعودية على مبدأ الاقتصاد الحر دون أي تقييد للمبادرات الفردية أو انتقاص لدور القطاع الخاص، وعدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي العام للمجتمع، أو فرض قيود على تحركات رأس المال إلا في حدود المصلحة العامة، وأن هذا ما يؤكده أيضا النظام الأساسي للحكم في بابه الرابع المخصص للمبادئ الاقتصادية.

واتفق مالك طالب رئيس لجنة التعليم الأهلي في الغرفة التجارية الصناعية في جدة مع ما أوضحه الشمري في أن الأصل في التجارة الحرية الكاملة للفرد سواء كان صاحب مدرسة أو ولي أمر طالب, والأصل هو الإيجاب والقبول في العقد بينهما, وأن التسعير مناقض للكتاب والسنة في جميع كتب الفقه، كما يخالف السياسة الاقتصادية للسعودية، التي تعتمد على الاقتصاد الحر في جميع المجالات. وبين أن خدمة التعليم التي استهدفت بالتسعير ليست محتكرة من قبل المدارس الأهلية، وبإمكان أي طالب أن يبحث عن مدرسة أهلية أخرى ذات رسوم أقل أو أن يتجه للمدارس الحكومية التي تكفلت بها الدولة، وجعلتها حقا لكل مواطن.

وبالعودة إلى الدكتور خالد الشمري، أفاد بأن دعم الوزارة للمدارس الأهلية بما يقارب 40 ريالا سنويا للطالب لا يشكل مبررا لتدخلها في تحديد الرسوم.

وانتقد الشمري الممارسات التي وصفها بغير المشجعة من قبل لجنة مراجعة الرسوم، التي منها خلطها في نماذجها بين معايير الجودة المؤثرة في تكلفة التعليم، ومعايير تكلفة التعليم، فهي ركزت على الأولى وغيبت الثانية تماما، وعدم استعانتها بجهات متخصصة في الاستثمار بالتعليم العام، واكتفائها بمشرفيها التربويين في تحديد الرسوم.

وبين أن نماذج طلب زيادة الرسوم خلت من خانات تخص البيانات المالية الخاصة بالمدرسة، حتى تبين مقدار تكلفة الطالب وتوضح أسباب الزيادة ومبرراتها بناء على تبعات القرارات الحكومية الأخيرة، وما استجد في السوق من تغيرات كبيرة، وعدم التزام اللجنة بالموعد المحدد للموافقة على الرسوم وهو 1/ 7/ 1434، حيث بدأ مسؤولو تلك اللجان الفرعية التوقيع على القرارات في 22/ 7/ 1434، أي بعد انتهاء العام الدراسي.

وأوضح أن تسلم كثير من المدارس خطابات الموافقة خلال الأشهر الثلاثة التي تمنع فيها لائحة تنظيم المدارس الأهلية تغيير الرسوم، جعل قرار اللجنة مخالفا لقرار مجلس الوزراء، وعرض المدارس التي تستجيب له لمغبة مخالفة نظامية واضحة، إضافة إلى أن القواعد المنظمة لفترة التظلم حددت بـ15 يوما، ولم تحدد موعدا أقصى للرد، مما تسبب في شل قدرة المدارس على إعداد موازنتها المالية للعام المقبل.

ورأى أن تشكيل الوزارة للجنة تضم أعضاء ممثلين من كل من الوزارة، واللجنة الوطنية للتعليم الأهلي، ومن أحد بيوت الخبرة الاقتصادية، تتولى من خلالها اللجنة النظر فقط في شكاوى أولياء الأمور من الرسوم المبالغ في زياداتها، أفضل خيار للإبقاء على سياسة العرض والطلب بحسب مبادئ الاقتصاد السعودي، إضافة لمعالجة الحالات الشاذة التي تحتاج إلى تقويم.

وبالعودة إلى مالك طالب أوضح أن ملاك المدارس الأهلية عندما عمدوا إلى زيادة أسعار الرسوم كان بسبب نزول القرار على المدارس الأهلية فقط دون غيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، كالعقارات والمواد الغذائية والمستشفيات وغيرها، التي تضاعفت فيها الأسعار بشكل كبير وملحوظ، وأن هذه المدارس تريد أن تعامل كبقية الأنشطة الأخرى.

ولفت إلى أن المدارس تختلف عن بعضها في تكاليف الخدمة المقدمة، فبعض المدارس لديها مبانيها الخاصة التي كلفتها الكثير، وبعضها مستأجر، إضافة إلى الاختلاف في رواتب معلميها بناء على خبرتهم والدول المستقدمين منها، بمعنى أنه يصعب على أي شخص أن يضع مسطرة ويقيس بها المدارس ومن ثم يحدد رسومها.

ورأى طالب أن يترك أمر تحديد الرسوم لمالك المدرسة، فهو أجدر بتحديد رسومها بناء على الخدمة التي يقدمها، ويترك الأمر بعد ذلك بين المالك وولي أمر الطالب لقبول هذه الرسوم أو رفضها، فالمدارس المبالغ في رسومها ستواجه عزوفا، وولي أمر الطالب أو الطالبة هو من يحدد الموافقة أم لا، ويعود ذلك من لمسهم للأثر العلمي والتربوي على أبنائهم.

وعن المستجدات التي دخلت على المدارس الأهلية ودفعتها لرفع رسومها، أوضح طالب أن هناك عدة أمور دفعت لذلك منها إيجارات المباني المدرسية التي ترتفع سنويا، وزيادة رواتب المعلمين، التي كانت خطوة مهمة نظرا لأن متطلبات الحياة وتكلفة المعيشة أصبحت كبيرة وباهظة، وتكلفة التأمين الطبي لكل العاملين، التي هي مسؤولية المدارس، وإلزام المدارس بتعيين مسؤول أمن وسلامة داخل كل مرحلة، إضافة إلى التكلفة الجديدة لاستخراج بطاقة العمل.

ورأى رئيس لجنة التعليم الأهلي في غرفة جدة أن الوزارة لم تتعامل مع الطلبات بشكل علمي ولا عملي، مبينا أن الوزارة وضعت مدة معينة لاستقبال الطلبات والتزمت المدارس بذلك الموعد, ولكن الوزارة تأخرت في إيصال الرد للمدارس في الفترة التي حددتها هي بنفسها, مما أوقع ملاك المدارس في حرج كبير أمام أولياء الأمور، نظرا لأن اشتراطات الوزارة تلزم المدارس بإخبار ولي الأمر برسومها الجديدة للعام المقبل مبكرا، وتترك حرية الاختيار لولي الأمر بالاستمرار أم لا، ومن توابع هذا الأمر أن تحدد المدارس ميزانيتها من المدرسين والطاقات المادية والبشرية، وهذه مرتبطة بأعداد الطلاب للعام المقبل.

ولفت طالب إلى أن من تابع طريقة التعامل مع تلك الرسوم لاحظ عدم وجود قاعدة علمية ولا منطقية في ذلك التحديد، موضحا أنه تم حسم 50 في المائة من قيمة زيادة الرسوم التي قررتها المدارس ورفعت بها إلى الوزارة، وبعضها ربط بعدم تحقيق المدارس لمتطلبات معينة كالتوظيف الوطني، على الرغم من أن الرسوم ليس لها علاقة بذلك، فهي متعلقة بقدرة المدرسة على الاستمرار أم لا.

وأقر بوجود مدارس بالغت إلى حد ما في رفع رسومها، في ظل غالبية رفعوا بشكل منطقي يغطي الالتزامات الجديدة التي دخلت عليهم، متوقعا إغلاق أبواب بعض المدارس على مستوى السعودية، خاصة مدارس البنات، وأن أحد الأسباب المؤدية إلى ذلك عدم التناسب بين دخل ومصروفات المدارس ومن ثم تحقيق خسائر مادية، ومن غير المنطقي أن تستمر مدرسة في أداء رسالتها على الرغم من تحقيقها خسائر مادية.

من جهة أخرى، أوضح لـ«الشرق الأوسط» عثمان القصبي رئيس لجنة التعليم الأهلي في الرياض أن المدارس الأهلية في الرياض تشكل نسبة 40 في المائة من التعليم الأهلي في السعودية، و25 في المائة من التعليم العام في الرياض، وأن التعليم الأهلي يوفر 11 مليار ريال سنويا على الدولة.

ولفت القصبي إلى أن وزارة التربية والتعليم رفعت في وقت سابق لمجلس الوزراء بضرورة اعتماد دعم التعليم الأهلي، من خلال دعم كل طالب بمبلغ ألفي ريال كحد أدنى، واصفا هذا المبلغ بالبسيط، وأنه لا يشكل شيئا بالنسبة للرسوم، سواء كانت الرسوم التي تتحملها الدولة، والتي يبلغ متوسطها 20 ألف ريال على الطالب، أو الرسوم التي يتحملها أولياء الأمور، التي يبلغ متوسطها 12 ألف ريال على الطالب.

وبين القصبي أن هذه الرسوم جميعها قليلة مقارنة بمتوسطات الرسوم في الدول المجاورة، التي تقارب 37 ألف ريال.

وعن زيادة الرسوم التي فرضتها المدارس، أبان القصبي أن الزيادة ضرورية وفقا للمتطلبات الجديدة التي فرضت على هذا القطاع، وأن عدم الزيادة فيه إضرار بالطالب، لأن المدرسة ستلجأ إلى تخفيض البرامج الإضافية والأنشطة لتفادي الخسائر.

وأوضح القصبي أن القرار الوزاري الذي صدر لمراجعة الرسوم، وليس لتخفيض الرسوم، مبينا أنه تم وضع معايير كثيرة، لكن الوقت لم يسعف اللجنة لاعتماد هذه المعايير، مما جعلهم يعتمدون استمارات بسيطة مكونة من ثلاث ورقات، محذرا من أثر هذه التدخلات على جودة التعليم.

وأكد أن التدخل في التكاليف والإيرادات في قطاع التعليم الأهلي سيؤثر على جودته ونوعيته، وبالتالي ينبغي إعادة دراسة طريقة مراجعة زيادة الرسوم، وأن الطريقة الحالية غير عملية، فاللجنة المكونة من أربعة أشخاص، لا يوجد معهم موظفون ولا لجنة استشارية، من المؤكد أنها غير قادرة على مراجعة رسوم ثلاثة آلاف مدرسة.