«السعودية» تقرر تمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة حتى نهاية العام

مليونا عامل مخالف تم تصحيح أوضاعهم منذ بدء الحملة

أحد مواقع مديرية الجوازات في العاصمة الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

أعطت السعودية العمالة المخالفة لنظام العمل والإقامة في البلاد فرصة جديدة لتصحيح أوضاعهم، حيث مددت المهلة الممنوحة لهم في هذا السياق إلى نهاية العام الهجري الحالي، في خطوة جاءت نتيجة لارتفاع معدلات استجابة المواطنين والمقيمين وقطاع الأعمال لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة خلال الـ90 يوما الماضية.

وعطفا على هذه التطورات، أعلنت وزارة «العمل» في البلاد يوم أمس أنها لن تتوانى بدءا من العام المقبل من ضبط العمالة المخالفة وترحيلها، في خطوة من شأنها إعادة الانضباط إلى سوق العمل مجددا، وهو الأمر الذي أكدته الوزارة على لسان نائب الوزير الدكتور مفرج الحقباني خلال مؤتمر صحافي عقد في الرياض أمس.

وكشفت الوزارة عن أن المهلة التصحيحية لأوضاع العمالة المخالفة خلال الـ90 يوما الماضية قادت إلى تصحيح أوضاع نحو 3.2 مليون عامل، مشيرة إلى أن المهلة الجديدة للتصحيح كفيلة بتصحيح جميع أوضاع العمالة المخالفة، في إشارة واضحة إلى عدم التوصية بإطلاق مهلة جديدة (ثالثة).

وفي هذا السياق، قالت وزارة «الداخلية» في بيان صحافي أمس: «عطفا على التوجيه السامي الكريم القاضي بإعطاء مهلة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ 25 / 5 / 1434هـ لتصحيح أوضاعهم، وبناء على ما رفعته وزارات الخارجية، والداخلية، والعمل بشأن التعاون التام»، مضيفة «وبناء على الاستجابة السريعة من المواطنين والمقيمين، وقطاع الأعمال، الأمر الذي نتج عنه تصحيح أوضاع أعداد كبيرة من المخالفين، وعلى ضوء التعاون التام من السفارات والقنصليات المعنية لاستيفاء الوثائق المطلوبة ورغبتهم نتيجة معاناتهم من الضغط الشديد من المراجعين في إتاحة المزيد من الوقت أمام تصحيح أوضاع من تنطبق عليهم الشروط النظامية، وتسهيلا على المواطنين والمقيمين الذين تعاملوا بجدية تامة في ذلك، فقد وجه خادم الحرمين الشريفين بتمديد مهلة التصحيح حتى نهاية العام الهجري الحالي 1434هـ كحد أقصى».

وأشارت وزارة «الداخلية» إلى أنه عقب انتهاء مهلة التصحيح الجديدة ستباشر الحملات الأمنية والجهات المختصة مهامها النظامية في ضبط المخالفين في مناطق المملكة ككل، اعتبارا من الأول من شهر محرم عام 1435هـ، موضحة إلى أنه سيتم تطبيق كل الإجراءات النظامية بحق المخالفين.

ولفت البيان إلى أنه تهيب كلا من وزارتي «الداخلية»، و«العمل»، الجميع على العمل في استيفاء المتطلبات النظامية كافة وتصحيح أوضاعهم بأسرع وقت ممكن وخلال المدة المشار إليها، وقالت: «من لم يستجب لذلك سيكون عرضة لاتخاذ أقصى العقوبات بحقه وفقا لأحكام النظام».

من جهة أخرى، أعلن الدكتور مفرج الحقباني نائب وزير «العمل» خلال مؤتمر صحافي عقد في الرياض أمس عن إطلاق تنظيمات جديدة تكفل زيادة فرص عمل المرافقين والمرافقات من العمالة الوافدة، وقال: «الوزارة رأت أهمية تخفيف حدة الاستقدام من الخارج، فكان القرار هو السماح للمرافقين والمرافقات بالعمل رسميا في المنشآت الراغبة في خدماتهم، ولا يتم ذلك إلا وفق ضوابط محددة».

وبين الحقباني أن تمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة إلى نهاية العام الهجري الحالي ستقود إلى تنظيم سوق العمل في البلاد، وإعادة الانضباط إليه مجددا، وقال: «هذا التمديد جاء نتيجة للتجاوب الكبير الذي حدث في الـ90 يوما الماضية، حيث صحح نحو 3.2 مليون عامل مخالف أوضاعهم، وهنالك كثير ممن يعملون حاليا على تصحيح أوضاعهم أيضا».

وشدد الدكتور الحقباني على صرامة أنظمة وزارة العمل في البلاد، وقال: «أود التأكيد على أن أنظمة وزارة العمل ومكاتبها، غير مخترقة، فلن يكون هنالك عمليات توظيف وهمي، فالأنظمة التقنية الآن أتاحت للمسؤولين في الوزارة الاطلاع على كل عملية يتم إدخالها بصورة غير نظامية».

وكشف الحقباني عن اجتماع جديد سيعقد اليوم بين كل من وزارة «العمل»، و«الجوازات»، وقال: «هذا الاجتماع سيكون الهدف منه هو تقليل الإجراءات المتبعة في سوق العمل، ومن المتوقع أن يحقق هذا الاجتماع نتائج إيجابية».

وأكد نائب وزير العمل خلال حديثة على عدم وجود نظام «الكفيل»، مضيفا: «ما هو موجود الآن هو صاحب عمل وعامل»، مؤكدا خلال حديثة أن الحملة الحالية لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة جاءت لتصحيح الأخطاء الموجودة، وهو الأمر الذي يعني الاعتراف بهذه الأخطاء.

وأشار الدكتور الحقباني إلى أن وزارة «العمل» تسعى إلى تخفيض عدد العمالة الوافدة في البلاد، مبينا أن إتمام هذه الخطوة يأتي من خلال الاعتماد على العنصر الوطني.

من جانب آخر، أكد سفراء واقتصاديون من الرياض، على إيجابيات انعكاسات توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بتمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة إلى نهاية العام الهجري الحالي، على سوق العمل ومستقبل كل القطاعات التجارية والصناعية والخدمية.

وفي هذا السياق، أوضح عبد الحافظ إبراهيم سفير السودان بالمملكة العربية السعودية لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا القرار يدل على عبقرية وحكمة خادم الحرمين الشريفين التي تراعي عدة عناصر مهمة في الأمر برمته.

وأضاف أن هذا القرار يدلل على الجوانب الإنسانية في خادم الحرمين الشريفين، بجانب حكمته المعهودة في مثل هذه الأمور، مبينا أن هناك أبعادا اقتصادية تعود على كل الأطراف التي تعنيهم مسألة تصحيح الأوضاع.

ولفت إلى أن هذا القرار يعطي السفارات الأجنبية في الرياض، والتي تعاني من تكدس رقم غفير من جالياتها العاملة في المملكة متنفسا، يعينها على المساهمة في تصحيح أوضاع أفراد جالياتها من ناحية الجهة المعنية بها السفارة، سواء على الجانب القنصلي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي، مشيرا إلى أن السفارات عانت خلال الفترة الماضية من مضاعفة عملها اليومي ودراسة الحالات المستعجلة وغيرها من الحالات المرتبطة بهذا القرار.

ونوه السفير السوداني بأن كثيرا من السفارات ومن بينها السفارة السودانية، كانت على مدى الأيام الماضية تستقبل يوما بعد يوم أعدادا كبيرة من أفراد جاليتها التي تنشد المساهمة في تصحيح أوضاعها سواء من خلال تجديد الجوازات أو تعديل المهنة أو الترحيل وفق الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات.

من جهته شدد فهد الحمادي عضو مجلس الإدارة رئيس لجنة المقاولين بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، على أهمية هذا القرار الاقتصادي على السوق السعودية من خلال إعطاء الفرصة الكافية للقطاعات التجارية بتصحيح أوضاعها وأوضاع عمالتها، حتى يتمكن الطرفان من الإسهام إيجابا على مخرجات العمل في القطاع الخاص.

وشدد بضرورة استغلال هذا القرار على أكمل وجه وبما يحقق الفائدة لقطاع الأعمال ولسوق العمل، مناشدا كل العاملين في سوق العمل الأخذ بأسباب الاستفادة من هذا القرار لضمان مستقبل مزدهر في كل القطاعات، مشيرا إلى أن تمديد المهلة يعد فرصة ذهبية لمن يعيها ويستغلها استغلالا رشيدا.

ودعا رئيس لجنة المقاولين، جميع الشركات والمؤسسات بضرورة التسريع إلى انتهاز هذه الفرصة، لتعديل أوضاع عمالتها وتحقيق أعلى درجات الاستفادة لما لذلك من إيجابيات على قطاعات العمل الخاص والسوق السعودية بكافة مكوناتها.

وأوضح أن الثلاثة أشهر الماضية، شهدت تدفق أعداد هائلة من العمالة الراغبة في تصحيح أوضاعها، فيما لم يسعف الوقت أعدادا أخرى مماثلة، وهي التي سوف تستفيد من تمديد المهلة التي تأتي استجابة للتجاوب الكبير الذي أبداه قطاع الأعمال للتفاعل مع حملة تصحيح الأوضاع.

وعن مدى استفادة قطاع المقاولات من هذا التمديد، أكد الحمادي أن هذا القطاع، يعد من أكبر القطاعات المشغلة للعمالة، نظرا لطبيعة أعماله، مشيرا إلى أن هذه الفرصة، مهمة لكل القطاعات بما فيها قطاع المقاولات.

وأشاد الحمادي بجهود كل القطاعات، بما في ذلك وزارة الداخلية ممثلة بالجوازات ووزارة العمل والغرف التجارية، معتبرا أن تمديد المهلة يعد فرصة قد لا تتكرر، مما يتطلب مضاعفة الجهد من كل الجهات لتحقيق الفائدة المرجوة من هذه المهلة الاستثنائية.

وفي السياق ذاته، أكد خبراء اقتصاديون أن قرار تمديد تصحيح أوضاع العمالة في السعودية يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي، إذ إن كثيرا من العمالة كانوا على وشك مغادرة البلاد بسبب عدم قدرتهم على تصحيح أوضاعهم بسبب الازدحام الكبير على إدارة الجوازات ومكاتب وزارة العمل والسفارات مشيرين إلى مغادرة كثير من العمالة سيكون له انعكاسات غير إيجابية على أجور العمالة بسبب النقص مع ارتفاع المغادرين.

وقال بارع عجاج الخبير الاقتصادي إن قرار تمديد فترة التصحيح سيخدم قطاع الأعمال ويخفف عليهم التكاليف التي يمكن أن يدفعوها مقابل استقدام عمالة جديدة، مشيرا إلى أن كثيرا من المقيمين الراغبين في تصحيح أوضاعهم لم يتمكنوا من ذلك نظرا لقصر المدة وارتفاع عدد الطلبات على الجهات الحكومية، حيث شهدت تلك الفترة مغادرة أكثر من نصف مليون عامل لم يستطيعوا البقاء وكان لذلك أثر في ارتفاع أسعار الأجور مع النقص الحاد في الأيدي العاملة.

من جانبه قال يحيى مقبول رئيس لجنة الاستقدام في غرفة جدة إن الفترة الأولى أدت إلى ازدحام كثير لأعداد العمالة الراغبة في تصحيح أوضاعها وهذا الأمر أصبح ملحوظا في كثير من مناطق السعودية إلا أن الحكومة تجاوبت مع مطالب قطاع الأعمال الذي كان أكبر المتضررين من عدم تصحيح أوضاع العمالة خاصة المرتبطة بمشاريع قائمة، مشيرا إلى أن فترة السماح الجديدة سوف تساعد الشركات من إنهاء إجراءات العمالة وتصحيح أوضاعهم بالشكل القانوني مما يسهم في خلق بيئة عمل تكفل الحقوق لجميع الأطراف سواء المستهلك أو العامل، مبينا أن كثيرا من المشاريع التنموية تشارك فيها عمالة ليست على الشركة التي تعمل في المشروع مما دفع بكثير من الشركات إلى التخلي عن العمالة والتوجه إلى تصحيح أوضاعهم وهذا بدوره يؤثر على نسب الإنجاز في المشاريع.

وأشار إلى أن كثيرا من السفارات والقنصليات واجهت مصاعب في التعامل مع رعاياها خاصة الذين ينتمون إليها دون أي مستندات مما دفع بتلك الجهات إلى تنفيذ كثير من الإجراءات التي تضمن انتماء العمالة للدولة ومن ثم العمل على استخراج الجواز لاستكمال إجراءات تصحيح أوضاعهم. مبينا في الوقت نفسه أن القرار سوف يسهم في خلق فرص كبيرة للعمالة الوطنية ويفتح المجال أمام المؤسسات والشركات أن تعمل وفق ضوابط وقوانين إلى جانب القضاء على ظاهرة التستر التي خلفت بعض الآثار السلبية على الاقتصاد المحلي.