هيئة حقوق الإنسان تصدر 50 توصية وتتعهد بمتابعة تنفيذها

صنفت الشكاوى والتظلمات التي وردت إلى الهيئة إلى 20 نوعا

جانب من النشاط الاجتماعي الذي تقدمه مراكز الشرطة للموقوفين لديها خلال المناسبات العامة («الشرق الأوسط»)
TT

أصدرت هيئة حقوق الإنسان السعودية أمس تقريرا عن حالة حقوق الإنسان بالبلاد، رفعته إلى خادم الحرمين الشريفين، استنادا إلى الفقرة العاشرة من المادة الخامسة من تنظيم الهيئة. وتناولت الهيئة في تقريرها عرضا لأبرز ما تحقق في عهد خادم الحرمين الشريفين، عبر تتبع للقرارات الإصلاحية والتطورات النوعية، في إطار صدور العديد من الأوامر والتوجيهات الملكية، التي تهدف إلى ضمان أمن واستقرار الوطن ونمائه وازدهاره، وتوفير أفضل السبل من أجل حياة كريمة لأبنائه ومن يعيش على أرضه، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في جهود البناء والتنمية.

وأكد التقرير هيئة حقوق الإنسان السعودية، الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، على أهمية تطبيق الأنظمة المنبثقة عن النظام الأساسي للحكم مثل نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات، ونظام المحاماة، ونظام العمل، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، وغيرها من الأنظمة واللوائح المتعلقة بحقوق الإنسان، والعمل على توافق الأنظمة واللوائح والإجراءات والسلوك التنفيذي للعاملين في خدمة الجمهور مع مبادئ ومفاهيم وقيم حقوق الإنسان.

وشدد تقرير الهيئة على ما تحظى به حقوق الإنسان من دعم واهتمام من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مؤكدا على ما تضمنته خطة التنمية (التاسعة) الأخيرة، التي نصت في مقدمتها على أهمية ضمان حقوق الإنسان وتعزيزها من خلال برامجها التنموية المتعددة.

كما اشتمل التقرير على أبرز ما رصدته الهيئة من ملاحظات تتعلق بحقوق الإنسان في الأجهزة الحكومية وغيرها، وما تلقته من شكاوى، وما رصدته خلال زياراتها التفقدية إلى مختلف مناطق المملكة، وما لاحظته جراء متابعة تنفيذ الجهات الحكومية للأنظمة واللوائح السارية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وبعض ما تداولته وسائل الإعلام، إضافة إلى نتائج الورش والملتقيات التي نظمتها الهيئة أو شاركت فيها. وقدم التقرير استعراضا للجهود التي تبذلها الجهات الحكومية في اتخاذ الترتيبات والتدابير اللازمة لضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان في المملكة، مع تضمينه بعض المؤشرات الإيجابية.

وكشفت الهيئة في تقريرها عن طبيعة الشكاوى والتظلمات التي وردت إليها وصنفتها إلى 20 نوعا، من أبرزها ما يتعلق بالسجناء والموقوفين، والحق في اللجوء إلى القضاء والمساواة أمامه، وفي الحماية من التعسف والتعذيب، وضمان السلامة الجسدية، وحق السمعة والكرامة، والحق في حرية الحركة والتنقل، وقضايا الجنسية والإقامة، وغيرها من الحقوق الأساسية، إضافة إلى ما يتعلق بالحق في العمل، والرعاية الاجتماعية، والرعاية الصحية، والحماية من العنف الأسري، وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما يتعلق بحقوق الفئات الخاصة بما فيها المرأة والطفل وذوو الإعاقة وكبار السن، لافتة إلى أن كثيرا من القضايا تتم معالجتها من خلال الإجراءات النظامية التي تقوم بها الهيئة وفقا لتنظيمها، بما في ذلك إحالتها إلى لجان الصلح في الهيئة أو بالكتابة إلى الجهات المختصة، وقد قدم التقرير ملحقا إحصائيا عن الشكاوى التي عالجتها الهيئة، وأهم الاستنتاجات.

ورصد التقرير جوانب القصور في عدد من الأجهزة الحكومية، والتي أدت إلى بعض التجاوزات في حقوق الإنسان، أو عدم تفعيل بعض الأنظمة والقرارات من قبل بعض الجهات الحكومية، ودعت الهيئة من خلال تقريرها إلى معالجة تلك الانتهاكات وتطبيق الأنظمة واللوائح والتعليمات حيالها.

وتطرق التقرير إلى برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها، وما تقوم به الهيئة في سبيل ذلك بتطبيق خطة وطنية لنشر ثقافة حقوق الإنسان بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى وغيرها، تهدف إلى تنمية وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان بين أفراد المجتمع والسعي إلى تمكينهم من ممارسة هذه الحقوق، والتنبيه والتحذير من خطورة انتهاكها، مشددا على أهمية تفعيل الأنظمة واللوائح والتعليمات التي تحمي حقوق الإنسان وتعززها.

وتناول التقرير أوجه التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان، وما تحظى به جهود المملكة العربية السعودية من تقدير دولي في هذا المجال، وتناول علاقة المملكة بهيئات الأمم المتحدة وآلياتها واتفاقياتها التي انضمت إليها. وقد أوضح التقرير ما تقوم به الهيئة من متابعة لقضايا الموقوفين والسجناء السعوديين خارج المملكة.

وذهب التقرير إلى تقديم ما يقرب من 50 توصية بناء على ما تم رصده من ملاحظات وما لمسته الهيئة من تحديات تتطلب تكاتف الجهات الحكومية وغير الحكومية، لتحقيق طموحات وتطلعات خادم الحرمين الشريفين، لضمان الممارسة الفعلية لقيم حقوق الإنسان ومبادئها.. حيث أوصت هيئة حقوق الإنسان في مجال القضاء بإعداد مشروع نظام جزائي لتدوين أحكام الحدود والقصاص والديات، وتقنين الجرائم والعقوبات التعزيرية، مع الأخذ بمبدأ العقوبات البديلة متى كان ذلك ممكنا، إضافة إلى تدوين أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بالأحوال الشخصية، والإسراع بإنشاء المحاكم المتخصصة، ونقل الاختصاصات إليها وفقا لما نص عليه نظاما القضاء وديوان المظالم الجديدان، وآلية العمل التنفيذية لهما، داعية إلى زيادة عدد القضاة بما يتلاءم مع تزايد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم، وبما يضمن سرعة الفصل في هذه القضايا وضمان حقوق المتقاضين.

كما دعت هيئة حقوق الإنسان إلى إيراد نص في نظام الإجراءات الجزائية أو لائحته التنفيذية، يوجب العمل على تبصير المتهم بحقوقه، والضمانات المتاحة له عند القبض عليه، وتسهيل إجراءات الاستعانة بمحام أو وكيل أثناء مرحلة جمع الاستدلالات، والتحقيق والمحاكمة، وضمان حضوره كل الإجراءات، طبقا لما نص عليه نظام الإجراءات الجزائية، مشددة على أهمية تفعيل دور الأجهزة المعنية في تطبيق نظام الإجراءات الجزائية في كل المراحل الإجرائية، وكذلك دعم هيئة التحقيق والادعاء العام بما يكفل مباشرة اختصاصاتها المتعلقة بالتحقيق نوعا ومكانا.

وشددت الهيئة في توصياتها على أهمية سرعة البت في قضايا السجناء والموقوفين واعتبارها من القضايا العاجلة، ومحاسبة كل من يتسبب في تجاوز مدة التوقيف المنصوص عليها نظاما.

وبشأن المشاركة في صنع القرار، أوصت هيئة حقوق الإنسان بالاستمرار في وضع البرامج والآليات الهادفة إلى تعزيز مشاركة المواطنين والمواطنات في عملية صنع القرار، ومواصلة الخطط الرامية إلى منح صلاحيات أوسع للجهات التي تتولى دورا تشريعيا أو رقابيا، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني على المشاركة في آليات صنع القرار.

وفي مجال حرية التنقل، أوصت الهيئة بقصر منع السفر على الحالات التي صدر بحقها حكم قضائي أو التي تكون مقررة بموجب نص نظامي، مشددة على ضرورة سرعة البت في قضايا التجنس، ومعالجة قضايا المقيمين غير النظاميين.

وفي إطار مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، دعت هيئة حقوق الإنسان في توصياتها إلى الإسراع بإصدار نظام لمكافحة جرائم الاعتداء على المال العام، وإساءة استعمال السلطة، وتضمينه أحكاما تتعلق بتقديم إقرارات الذمة المالية، ودراسة تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية، وإيجاد الحلول المناسبة لها، وإلزام الجهات الحكومية والمؤسسات العامة بإنشاء وحدات للمراجعة الداخلية وفقا لما نص عليه قرار مجلس الوزراء السعودي.

وفي مجال التربية والتعليم، أوصت هيئة حقوق الإنسان بتطوير برامج إعداد المعلمين والمعلمات وتأهيلهم وتطوير المناهج الدراسية والوسائل التعليمية، بما يكفل بناء قدرات مواطنين أكفاء قادرين على المشاركة في جهود التنمية الوطنية، وتضمين المناهج الدراسية في التعليم العام والعالي مفاهيم واضحة تعزز الحوار والتسامح ونبذ العنف وتقبّل الآخر، وتربية النشء على قيم ومبادئ حقوق الإنسان، مع التأكيد على أن تكون المباني المدرسية مطابقة للمعايير الدولية، ومراعية للظروف المناخية لمختلف مناطق المملكة.

كما أكدت الهيئة في توصياتها في مجال الرعاية الصحية أهمية تفعيل وثيقة حقوق المرضى، وأن تكون ملزمة لجميع مقدمي الرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص. وأوصت بزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات العامة والتخصصية ومستشفيات التأهيل الطبي والنفسي والعلاج من الإدمان، وتوفير عدد كاف من الأطباء بما يتناسب مع المعدلات العالمية مقارنة بعدد السكان.

وأوصت هيئة حقوق الإنسان بتوفير «مؤشر وطني إحصائي دقيق» يوضح نسب البطالة بشكل دوري، وإعطاء أولوية قصوى للتوظيف والتأهيل، وإيجاد فرص العمل للشباب والشابات، وتوسيع مجالات عمل المرأة في الوظائف التي تناسب طبيعتها وفقا للضوابط الشرعية.

بينما ذهبت الهيئة إلى التوصية بضرورة تعزيز الاهتمام بشؤون ذوي الإعاقة، وإصدار اللوائح التفسيرية والتنفيذية لنظام رعاية المعاقين، بما يحقق تطوير ورعاية حقوقهم في الصحة والتعليم والعمل والتنقل والتقاعد وغيرها.

وأوصت الهيئة بالحماية من العنف والتعسف، عبر الإسراع في إصدار نظام الحماية من الإيذاء، وتضمينه أحكاما لمواجهة حالات العنف الأسري، وقضايا العضل، والتحرش الجنسي، وعقوبات محددة لتلك الجرائم، وتهيئة مراكز الشرطة لتلقي واستقبال حالات وبلاغات العنف الأسري.

وخصصت الهيئة للمرأة والطفل عددا من التوصيات، طالبت فيها بتسهيل حصولهما على حقوقهما في الأجهزة الحكومية، ومن ذلك توفير موظفات يتعاملن مباشرة مع المرأة، وسن قواعد وإجراءات تقضي بضبط وتوثيق السجلات المدنية (الولادة، الزواج، الطلاق، الوفاة) آليا وتلقائيا، وإصدار وثائق الإثبات في حينها وفق آلية ربط إلكترونية بين إدارات الأحوال المدنية ووزارتي العدل والصحة والجهات التابعة لهما.

وفي إطار مكافحة الاتجار بالأشخاص، أوصت هيئة حقوق الإنسان بأهمية تنسيق كل الجهود الوطنية، وتعزيز أوجه التعاون والمشاركة الفاعلة بين مختلف قطاعات الدولة والقطاع الأهلي والأفراد، من أجل مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، والتأكد من متابعة تنفيذها بما يحقق رفع الوعي بخطورة هذه الجريمة والتحذير منها ومعاقبة المتاجرين بالأشخاص، وضمان الحماية والرعاية للضحية بما في ذلك الحق في التعويض، وتوفير دور الإيواء المناسبة لهم.

بينما أوصت الهيئة بالتوسع في افتتاح دور الإيواء الحماية الاجتماعية والضيافة، في مدن المملكة ومحافظاتها، ودعمها بالموارد البشرية المؤهلة، وتطوير أدائها لتكون بيئة مناسبة تحقق الحماية والحياة المعيشية الكريمة لنزلائها، وتطوير دور رعاية الفتيات والملاحظة الاجتماعية وفق معايير عالية الجودة بما يحقق تأهيل نزلائها نفسيا واجتماعيا، وتوفير الحماية والحياة الكريمة لهم، وتصنيفهم وفقا للفئة العمرية وطبيعة القضية.

وأوصت هيئة حقوق الإنسان بتفعيل استراتيجية مكافحة الفقر، وما تضمنته من برامج تنموية، ورفع مخصصات الضمان الاجتماعي، داعية إلى تفعيل أنظمة التمويل العقاري لتمكين المواطن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب بضمان دخله والأصول العقارية المرهونة، وتطوير آليات صندوق التنمية العقارية لتشتمل على آلية ضمان اقتراض المواطنين من البنوك المحلية.

وأشارت هيئة حقوق الإنسان السعودية إلى أنها قد أعدت هذا التقرير وفقا لتنظيمها الذي كلفها برصد حالة حقوق الإنسان في المملكة، والتأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية للأنظمة واللوائح السارية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة والتي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن.

وأكدت الهيئة على أنها ستعمل على متابعة التوصيات التي تضمنها التقرير مع الجهات المعنية، من خلال التواصل المستمر وعقد اللقاءات وورش العمل مع كل جهة وفق ما يخصها من هذه التوصيات.