الأزمات تنشر «ثقافة التطوع» بين الشبان والفتيات في السعودية

جهات حكومية وأهلية تحتضن الأعمال الميدانية

تحرص مجموعات التطوع على الاستجابة للحالات الطارئة بمعايير عالمية («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت السعودية في الخمس سنوات الأخيرة مبادرات تطوعية شبابية متنوعة تعمل بشكل فردي أو جماعي دون أن تكون تحت مظلة جهة معينة، وأثبتت عدد من الكوارث المناخية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، نمو العمل التطوعي بين الشباب والفتيات من خلال مشاركة الكثير منهم في أعمال تطوعية وإغاثية قدمت للمتضررين بالتعاون مع الجهات الحكومية والخيرية محليا.

وتجاوبا مع هذه المطالبات أطلقت إمارة منطقة مكة المكرمة في جدة منتدى «شبابنا» والذي يستمر طيلة العام، للتركيز على توعية وتثقيف الشباب بالأعمال التطوعية في المنطقة، وشغل أوقاتهم بالمفيد وما يعود بالنفع على المجتمع.

وأكد الدكتور عبد العزيز الخضيري وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة أن إمارة مكة تبنت تأسيس مشروعات ومبادرات لصالح شباب المنطقة، وأسست لمشاركتهم في إعداد الخطة الاستراتيجية التي أشرفت عليها ونفذتها الإمارة، وحرصت على ضمهم في مجلس المنطقة من خلال اللجنة الشبابية التي انضوت تحت مظلتها عدد من الأنشطة التي تكون حاضنة لمشاركات الشباب ومن بين هذه المبادرات مجلس شباب مكة للتنمية، ولجنة شباب الأعمال، وملتقى شباب منطقة مكة، ولجنة رواد الأعمال، ولجنة شباب مكة للإعلام المجتمعي الجديد، وأخيرا جمعية شباب مكة للعمل التطوعي لتكون أول عمل مؤسسي رسمي يستوعب آلاف الشباب من الجنسين في أعمال التطوع.

وأوضح أن شباب المنطقة يشارك في مجلس شهري في منزل أمير منطقة مكة المكرمة بجدة ضمن أسبوعيات المجلس، ليلتقي بهم ويستمع إلى آرائهم وأفكارهم، ويشاركهم قضاياهم لإيجاد الحلول المناسبة والفاعلة لكل المعوقات التي تعترض نجاحهم والوقوف معهم لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم.

ويستهدف المجلس الشهري الشباب والفتيات من سن 16 عاما إلى 25 عاما ممثلين من شباب محافظات منطقة مكة المكرمة، ويتضمن الكثير من ورش العمل والدورات والمحاضرات والمسابقات الثقافية، والسياحية، والرحلات التثقيفية والترفيهية، والعلمية، من أجل اكتشاف واستثمار كفاءات وطاقات الشباب في الأنشطة المتنوعة سعيا إلى تمكين الشباب وتوعيتهم.

ويظهر أن العمل التطوعي في الخليج عامة والسعودية خاصة ضمن العناوين الاجتماعية البارزة، إذ أطلقت فرق متطوعو إدارة الكوارث في محافظة جدة مركزا خاصا يعنى بتوحيد جهود المتطوعين ممن يتمتعون بحس المسؤولية الاجتماعية والمدنية في مختلف أنحاء السعودية وإعدادهم ليكونوا مؤهلين للتعامل مع الحالات الطارئة على المستويين المحلي والوطني، ما يسهم في رفع جاهزية الدولة وقدرتها على إدارة مواقف الأزمة.

وتمخضت فكرة المركز بعد نهاية دورة خاصة لإعداد قادة فرق العمل التطوعي على الأعمال الإغاثية بمحافظة جدة، حيث خلص عدد من المتدربين بعد نهاية الدورة بمشروع تخرج أوصت بتنفيذ مركز يعنى بتوحيد جهود المتطوعين.

ويهدف المركز الذي يخضع لرعاية مؤسسة الملك خالد الخيرية إلى تعزيز الاستجابة للحالات الطارئة في الدولة، والتخفيف من آثارها في حال وقوع أزمات أو حدوث كوارث على نطاق واسع، وتوفير الدعم والمساندة للمؤسسات والهيئات القائمة المعنية بالاستجابة للطوارئ، إضافة إلى تزويد المواطنين والمقيمين بالمعرفة والمهارات اللازمة ليصبحوا قادرين على التعامل مع الأزمات، كما سيعمل المركز على الإسهام في تأمين السلامة للغير عبر التطوع ضمن فرق عمل مخصصة.

ويعد المركز بمثابة مشروع تطوع فاعل ونشط للاستجابة للطوارئ خاص بمحافظة جدة، حيث يأمل القائمون عليه بأن يصبح شاهد عيان على العمل والجهد الذي يبذل في سبيل تطوير وتدعيم جهود المتطوعين.

وسيشمل المركز كافة محافظات السعودية والذي يحاول أن يحاكي مجموعة من أرقى النماذج التطوعية للاستجابة للحالات الطارئة المعروفة على الصعيد العالمي، والتي كان من أبرزها هيئة الدفاع المدني السويدية، وفرق الاستجابة المجتمعية للطوارئ في أميركا.

وسيقوم المركز في الوقت نفسه بالاستفادة من تجارب المؤسستين وتكييف أساليب عملها لتتواءم بشكل أفضل مع عادات وثقافة السعودية، والظروف التي تميزها.

وحول آليات عمل المركز سيكون هناك غرفة عمليات القيادة الميدانية والإنذار الأولي حيث تحتوي على برامج الاستشعار والمتابعة لمسببات الكوارث من «أحوال جوية - جيولوجية - صناعية».

ويحتوي المركز على برنامج إدارة بيانات الكوارث، وشبكة إنترنت لاسلكية خاصة بالمركز تغطي 80 في المائة من مساحه جدة، وشبكة اتصال لاسلكي على تردد 150.150 ميغا هيرتز.

وسيخصص المركز فرق متخصصة ومعدات ميدانية متنوعة بما يتناسب مع مهام عمل الفرق في الإسعاف، والإطفاء، والإنقاذ البري والبحري، والإخلاء والإيواء والإغاثة والتموين، والدعم النفسي، وغير ذلك.

ويسعى المركز إلى إعداد وإمداد متطوعين على مستوى عال من التدريب للاستجابة للطوارئ، والقدرة على مساعدة السلطات المحلية والوطنية في الأزمات والحالات الطارئة، سواء كانوا أفرادا لحماية أنفسهم، أو أعضاء ضمن منظومة فرق لحماية الآخرين.

وسيشترك المركز في الميدان جنبا إلى جنب مع وحدة التطوع بهيئة الهلال الأحمر السعودي، والمديرية العامة للدفاع المدني، وحرس الحدود السعودي ممثلة بوحدة البحث والإنقاذ المائي، إضافة إلى جمعية الكشافة السعودية، وجمعية مراكز الأحياء بمحافظة جدة، ورابطة غواصي جدة، وعدد من الجهات التطوعية الأخرى.

وفي السياق ذاته، تعمل وزارة التربية والتعليم منذ زمن بعيد على تبني الكثير من النشاطات الكشفية ومشاركتها في الحج من خلال النشاط الكشفي التابع لها، كما تتبنى أعمال تطوعية بالمشاركة مع مؤسسات المجتمع والمؤسسات الخيرية من خلال النشاط الاجتماعي.

وفي إطار استعداداتها كشف المصدر عن إطلاق الوزارة لمشروع ينظم العمل التطوعي يعمل عليه قيادات في وزارة التربية والتعليم، وتمت إقامة الكثير من ورش العمل على مستوى الوزارة ومناطق التعليم لإطلاق هذا المشروع الخاص بالعمل التطوعي في المدارس.

من جهة أخرى باشر عدد من المتطوعات والمتطوعين من أبناء دول مجلس التعاون الخليجي إطلاق مشروع يحمل اسم «جودة الحياة»، وهو مشروع تطوعي يحمل قيما إسلامية، يعمل الفريق التطوعي على تفعيلها وتعزيز قيمها بين أفراد المجتمعات.

وأكدت رنا المداح وهي عضو الفريق الخليجي التطوعي أن الفريق اعتاد تنفيذ حملة سنوية لتفعيل قيمة من القيم، مشيرة إلى أن قيمة هذه السنة 2013 هي «لنتسامح» التي تم البدء في نشرها اعتبارا من الخميس الماضي، ضمن حملات مشروع «جودة الحياة».

ويعمل الفريق التطوعي الخليجي في السعودية تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في لجنة التنمية الأهلية التابعة للوزارة كونها جهة حكومية داعمة لخدمة المجتمع، فيما يبلغ عدد أفراد الفريق 50 عضوا من السعودية، الإمارات، قطر، والكويت.

وتستهدف الحملة إحياء سنة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، تعميم ثقافة وخلق التسامح على جميع المستويات لتصبح ثقافة عامة يعمل بها الصغير والكبير، الرجل والمرأة، المسلم وغير المسلم، تفعيل دور الإعلام والتأكيد على أهمية التسامح والحوار وأثره على تماسك ووحدة مجتمعاتنا، وإعداد الكتب والملصقات والأفلام ونشرها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ونشر ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر.

وتستهدف الحملة أيضا تعزيز قيمة التسامح والتصالح بين المتنازعين لنشر الإسلام، نبذ صور الكراهية والغضب والعنف والتعصب المنتشرة في مجتمعاتنا وخصوصا تلك التي تغلف تحت قناع الدين، تعليم الحقوق والقيم حتى لا تتضارب قيمة التسامح مع مبدأ الكرامة الإنسانية، تزويد الأشخاص بالمهارات للتعامل مع الآخرين وتعليم مهارات حل المشكلات الاجتماعية للوصول للتوافق النفسي والاجتماعي، والرقي بالمجتمع وأفراده ونشر مبدأ «الدين المعاملة».

وفيما يطمح الفريق التطوعي الخليجي إلى تعزيز قيمة ومبدأ التسامح في المجتمع والاستمرار بالحملات السنوية نفع الله بنا مجتمعاتنا كلها، يستهدف الفريق جميع الفئات الأسرية وخصوصا الشباب والأطفال.

يشارك أكثر من 600 متطوع في البرنامج الرمضاني «سفراء الحب» الذي يقدمه الشاب عبد الله السليمان إمام وخطيب جامع النقاء بجدة بهدف نشر مفاهيم الحب في المجتمع من خلال مشاركته في أول مسابقة تلفزيونية في العمل التطوعي بالعالم العربي رصدت لها جوائز بقيمة تفوق 100 ألف ريال لأفضل الأعمال التطوعية التي تقدم في بناء المجتمع المدني.

يعرض البرنامج هذا العام عبر خمس قنوات فضائية، ويتميز البرنامج بمشاركة ألمع نجوم الشاشة في العالم العربي من الدعاة ومجموعة من رجال المال والأعمال.

وباشر السليمان جولة هذا العام لتقديم أفضل المبادرات التطوعية في الكثير من البلدان مثل تركيا واليمن ومصر، استعرض خلالها ثقافة التطوع هناك.

وأوضح السليمان أن فكرة البرنامج قائمة على تفعيل طاقات الشباب لخدمة المجتمع المدني والمساهمة في بناء المجتمع عموما، مشيرا إلى أن عدد الفرق التطوعية المشاركة 25 فريقا بعدد 600 متطوع ظهروا في البرنامج قدموا خدماتهم في حلقات البرنامج الثلاثون لما يزيد على 30 ألف مستفيد، وأضاف: أن «هدفي من البرنامج إحداث نهضة في العالم العربي في فلسفة العمل التطوعي، وتحفيز الشباب بالمشاركة فيه».

إلى جانب هذه الأعمال يظهر الشاب أحمد النابلسي الذي يبلغ من العمر 22 عاما بحملته التي بدأت من ثلاث سنوات منطلقا من حارته في جدة، بمساعدة مجموعة من أصدقائه في الجامعة والمسجد، لتوزيع وجبة الإفطار بين الإشارات وداخل المساجد.

وبين أن المجهود الذي يقوم به مع أصدقائه شخصي بحت دون رعاية أي جهة معينة، وأن المال يتم جمعه من المقربين في الأسرة أو أهل الحي، لشراء التمر واللبن والماء، بهدف كسب الأجر والثواب وابتغاء مرضاة الله.

وعن الأسباب التي أدت إلى زيادة الأعمال التطوعية في الأربع سنوات الأخيرة رأى النابلسي أن التوعية بأهمية العمل التطوعي زادت بعد أحداث سيول جدة، والكوارث الطبيعية والسياسية التي حدثت وما زالت تحدث في العالم، إضافة إلى حب الشباب في شغل أوقات فراغهم بعمل مناسب فيه الأجر.

ومع تقلب الأجواء وتغير الظروف المناخية في منطقة الخليج عموما والسعودية تحديدا وتزامن ذلك مع حدوث عدة هزات أرضية انطلق فريق «المسار الأمن»، المكون من سبع لجان من مجموعة من شابات وشباب المنطقة الشرقية لتوعية المجتمع بأخطار الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها منطقة الخليج مثل الارتدادات الزلزالية.

وبحسب أعضاء الفريق فإن إنشاء المجموعة تم بسبب قلة الوعي وينحصر دورها على النشاط التوعوي والإغاثي وتأخذ المجموعة معلوماتها من مراكز وهيئات ومنظمات عالمية احترافية ومعروفة.

وتقول رحاب الدوسري رئيسة الفريق إن لديهم رسالة إنسانية تعنى بتوعية الأفراد بأهمية وجود بيئة آمنة من خلال نشر ثقافة الوعي بكيفية الوقاية من الكوارث الطبيعية وإعداد فرق مدربة للمساعدة والإنقاذ وترسيخ الاحتياطات والإجراءات الوقائية الفنية والطبية للمساهمة في إدارة الكوارث الطبيعية، مع العلم أن الفريق يعمل تحت مظلة الجمعية السعودية لعلوم الأرض التابعة لجامعة الملك سعود.

وأضافت رحاب الدوسري أن أهداف الفريق تندرج حول التوعية بأخطار الكوارث وكيفية التعامل معها خصوصا في ظل عدم الالتزام بكود المباني المفترض تطبيقه، ومن هذا المنطلق يدعو الفريق الجهات المعنية من القطاعات الحكومية والأهلية التعاون مع الفريق لتأدية الرسالة على أكمل وجه فمسؤولية الخدمة الاجتماعية مسؤولية جماعية لم تقنن ولم تحدد على قطاع معين أو هيئة معينة. وأوضح طلال التيسان مسؤول العلاقات العامة في الفريق أن الهدف من وجود لجنة العلاقات العامة في الفريق يتمثل في التواصل مع الجهات الحكومية والأهلية التي تعنى بمجال إدارة الكوارث، والاطلاع على كل ما هو مستحدث وهي من أهم الدعائم التي يقف عليها فريقه.