مكة المكرمة.. دور تاريخي في الصيرفة

خبراء: السعودية الثالثة عالميا في الأصول الاحتياطية

مطالب بمحورة دور مكة المكرمة الاقتصادي جراء مواسم العمرة والحج («الشرق الأوسط»)
TT

طالبت جهات اقتصادية بمحورة العاصمة المقدسة وإدراج دورها الاقتصادي كمركز وثقل للصيرفة العالمية بحكم سلة العملات التي تنضوي تحت مؤسساتها البنكية جراء صيرورة مواسم العمرة والحج على حد سواء.

وأكدت جهات معنية أن الاقتصاد السعودي يحتل المرتبة الثالثة عالمية من حيث إجمالي الأصول الاحتياطية بعد الاقتصاد الصيني والياباني، وهو ما يدفعها نحو سحب البساط من ماليزيا وسنغافورة اللتين باتتا اللاعب الرئيس الأبرز على مستوى مكننة عمليات الصيرفة، واحتضان المشهد الاقتصادي الموسوم بالصبغة الإسلامية.

وتعليقا على ذلك قال المستشار الاقتصادي فادي بن عبد الله العجاجي، إن «الريال السعودي المدعوم بقوة الاقتصاد الوطني مهيأة للعب دور رئيس في أسواق الصرف العالمية». مشيرا إلى أن الاقتصاد السعودي يحتل المرتبة الثالثة عالمية من حيث إجمالي الأصول الاحتياطية بعد الاقتصاد الصيني والياباني. وأن الأصول الاحتياطية للسعودية ارتفعت بنسبة 21,4 في المائة خلال عام 2012 لتصل إلى نحو 2,46 مليار ريال.

وموضحا أن إجمالي الأصول الاحتياطية للمملكة يزيد بنحو 170,7 في المائة عن إجمالي الأصول الاحتياطية لمنطقة اليورو، ويمثل نحو 62,3 في المائة من إجمالي الأصول الاحتياطية لدول الاتحاد الأوروبي.

وأكد العجاجي على ضخامة وتنوع عمليات الصيرفة في السعودية لا سيما في موسم الحج والعمرة. منوها بأن عدد الحجاج في عام 2012 ارتفع بنسبة 8 في المائة ليصل إلى نحو 3,2 مليون حاج معظمهم من خارج المملكة 1,8 مليون حاج. أما أعداد المعتمرين فقد تجاوز 2,2 مليون معتمر خلال الربع الأول من عام 2013.

وقال العجاجي إن الأداء المميز للاقتصاد السعودي خلال الأعوام الأخيرة يعزز من قوة الريال ويجعله عملة احتياطية للدول المجاورة لا سيما أن الاقتصاد السعودي حافظ على مكانته كثالث أكبر اقتصاد عالمي من حيث حجم فائض الحساب الحالي في ميزان المدفوعات خلال عام 2012.

حيث بلغ فائض الحساب الحالي للمملكة 664.6 مليار ريال مرتفعا بنسبة 11,8 في المائة عما كان عليه في عام 2011، وجاء الاقتصاد الألماني في المرتبة الأولى بفائض يقدر بنحو 238 مليار دولار، تلاه الاقتصاد الصيني بنحو 214 مليار دولار.

وأوضح العجاجي أن سوق الصرف في السعودية تنقسم إلى فئتين، الأولى هي الفئة (أ) التي تزاول نشاط تبديل العملات، وبيع وشراء العملات الأجنبية، وبيع وشراء الشيكات السياحية، وشراء الشيكات المصرفية، والقيام بعمليات تحويل الأموال لداخل وخارج المملكة. أما الفئة (ب) فتزاول نفس الأنشطة باستثناء عمليات تحويل الأموال، ويتركز نشاطها في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

بدوره قال فهد اليافعي، أحد الخبراء المصرفيين في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن المصرفية الإسلامية دخلت ما يقارب العقد الرابع، وسط التفاؤل بتنشيط تغذية عوامل استمرار انتشارها في أسواق جديدة خصوصا في بلدان الربيع العربي وعمان، وما برحت تحتل جزءا كبيرا من سوق الصكوك في عام 2012، التي تتمتع بمعايير خاصة عاما قياسيا مع الكثير من مثيلاتها الداخلة إلى السوق، مؤكدا أن هذه الصناعة رافقها زهو في نجاحها النسبي إلى حد كبير بسبب عدم وجود تقييم مستقل لأدائها وتطوير سياساتها المالية والمعمارية.

وأشار إلى أن مكة أولى وأحق بالصدارة والريادة المصرفية عالميا، لتعيد هذه الصناعة إلى المنظور، خصوصا أن الأصول المصرفية الإسلامية تمثل أقل من واحد في المائة من الأصول المصرفية العالمية، وبالتالي أي تصور أو تعبير أنها تمثل تهديدا أو تبديلا للصناعة المالية العالمية، أمر غير دقيق، حتى في أعقاب فضيحة الرهن العقاري عام 2008 وأزمة الائتمان اللاحقة، والأزمات المالية وأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو.

وأفاد العوفي أنه من وجهة نظر إقليمية، فإن هذه الصناعة سوف تستمر وتتطور خاصة إذا أعيدت مسألة مأسستها، كما حدث في العقود الثلاثة الماضية، استنادا إلى تطورات السياسة، والنظر إلى الأساسيات الاقتصادية وآليات التعاون السياسي والاقتصادي الإقليمي في المكان، وهو ما يحدث حاليا في دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا في السعودية وقطر، وجنوب شرق آسيا خاصة ماليزيا وسنغافورة في دفع السوق المصرفية الإسلامية، وهذا قد يكون خفف من آثار الأساسيات الاقتصادية الرئيسة وخصوصا معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، واستقرار السلع الرئيسة في الأسعار بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي وزيت النخيل، ومستوى الاستثمار (الاستثمار الأجنبي المباشر) والتدفقات المالية الأجنبية المباشرة.

وأكد الخبير المالي أن هذا التأثير قد يستمر في تأثيره على تطوير العمل المصرفي الإسلامي في أماكن أخرى لا سيما إذا كان يعتمد جزئيا على حقوق المساهمين، في حين ستواصل العقود غير تقاسم المخاطر على المساهمة في النمو المستقبلي للتمويل الإسلامي، معتبرا أن التوسع في استخدام المعاملات والتعهدات بموجب نماذج التمويل التشاركي لتقاسم المخاطر لديها مجال كبير فيما يتعلق بالتوصل إلى تمثيل أوسع من المنتجات المالية الإسلامية في أن يحفز المرحلة المقبلة من نمو الصناعة والتنمية، وهذا يشمل العقود المشاركة أو المستندة إلى حقوق المساهمين وهو ما يتجلى أكثر وضوحا في قطاع الصكوك، مع الهياكل الشرعية المتطورة.

من جانبه قال عبد الحميد المالكي، موظف بنكي إن المصرفية الإسلامية هي أكبر القطاعات نموا في الصناعة المصرفية السعودية، ومكة هي المدينة الإسلامية الأولى التي تستطيع قلب الموازين المصرفية، بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية بحظر الربا، وجمع ودفع الفوائد والمتاجرة في المخاطر المالية، مؤكدا أن السعودية هي أكبر لاعب من حيث تجمع الأموال في سوق التمويل الإسلامي العالمية، وبرزت السعودية كأكبر سوق للخدمات المصرفية الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي، مع إجمالي أصول المصارف الإسلامية كاملة وهو ما يمثل نحو 27.4 في المائة من إجمالي الخدمات المصرفية الإسلامية في المنطقة.

وأشار المالكي إلى أن السندات الإسلامي تكتسب شعبية في السعودية نظرا لطبيعتها الخالية من المخاطر، متوقعا مزيدا من الازدهار في السنوات القادمة، حتى في أوقات الركود، شريطة أن تحظى الصكوك بالاستقرار في القطاع المصرفي السعودي، تزامنا مع بعض العوامل الرئيسة التي هي وراء نمو الخدمات المصرفية الإسلامية في المنطقة والمشاركة الحكومية القوية، وزيادة الطلب على المنتجات الإسلامية، ودخول الكثير من اللاعبين الجدد في السوق، مشيرا إلى أن السياسة المصرفية العالمية ليست شيئا تقليديا يرتبط ارتباطا وثيقا مع المواقف الثقافية، وقد تم السماح لها بالتجول بحرية في السعي لتحقيق النمو والأرباح، وكان أداء بعض هذه البنوك في السنوات الأخيرة قويا نسبيا، حيث تلتزم المصارف الإسلامية بمبادئ الشريعة الإسلامية، مع خصائص أهمها منع تطبيق الفائدة على القروض، والحد من المضاربات المالية المفرطة.

وأفاد المتعامل البنكي أن المصارف الإسلامية تتميز بالامتثال بالقوانين والممارسات، وأهمها حظر الفائدة وتداول القروض الإسلامية بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أنه خلال الأزمة المالية 2008 - 2009، عندما أعلن عدد كبير من البنوك التقليدية الإفلاس، لم يفشل في هذا الإطار أي بنك إسلامي واحد. ومع ذلك، ليس هناك إجماع واضح فيما كتب حول مسألة ما إذا كانت البنوك الإسلامية هي أكثر أو أقل استقرارا من البنوك التقليدية، مفيدا أن المصارف الإسلامية هي أكثر انتشارا بكثير في الشرق الأوسط والدول الإسلامية مثل السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، كما توفر هذه البنوك الأخرى الفرص الاستثمارية الإسلامية والتي تشمل الاستثمار في الأسهم الإسلامية والتجارة الإسلامية، وقد بدأت عدد من البنوك ومقرها الولايات المتحدة الأميركية تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية، خصوصا لعملائها في الشرق الأوسط والدول الإسلامية.

من جهته قال ناصر باخير، صاحب أحد محال الصيارفة في العاصمة المقدسة، إن مكة المكرمة هو البلد الذي يحتضن سلة العملات العالمية، وبه تتم معظم العمليات البنكية للصيرفة، وهي حرية بتصدر المشهد الاقتصادي دون غيره من البنوك العالمية، مشيرا إلى أن بلدا مثل ماليزيا احتل المركز الثاني برصيد إجمالي الأصول من 106 مليارات دولار، واحتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الثالث برصيد إجمالي الأصول من 75 مليار دولار، مفيدا أن أفضل 20 بنكا إسلاميا في الأسواق للخدمات المصرفية الإسلامية تشمل كلا من المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، قطر، ماليزيا وتركيا، وهناك أسواق جديدة بما في ذلك إندونيسيا ومصر والعراق وليبيا والآن تبحث بنشاط في إنشاء الأطر المصرفية الإسلامية.

وأشار باخير إلى أنه على الرغم من نمو الأصول المتوقعة وإدخال مبادرات إسلامية جديدة، وربحية المصارف الإسلامية لا تزال هناك عوائق كبيرة تتعلق بعقبات تلك المصارف تزامنا مع الأعمال المصرفية التقليدية في نفس الأسواق، حيث تواجه المصارف الإسلامية عددا من التحديات بما في ذلك عمليات واسعة في تشجير فروعها، وثقافة المخاطر الأساسية، وتجزئة السوق غير المكتملة، وغياب المقترحات القيمة الموجهة من الناحية التكنولوجية، في حين يجري اتخاذ خطوات لمعالجة هذه القضايا، هناك المزيد الذي يتعين القيام به.

واستنادا على تلك التحولات، فإن مجالس المصارف الإسلامية الرائدة تشير إلى أن تحولا كبيرا يحدث حول اللوائح والمخاطر والخدمات المصرفية للأفراد ويهدف هذا التحول التخطيط لرفع كفاءة رأس المال، وتخفيف المخاطر الشريعة والمنظمات المرتكزة على العملاء، بالإضافة إلى وجود تطورات ذات مغزى على الجبهة التنظيمية على الرغم من أن هناك المزيد والكثير يتعين القيام به لخلق بيئة مواتية لإصلاح البنية الهيكلية لتلك المصارف.

وكان الدكتور أسامة البار، أمين عام العاصمة المقدسة، قد أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن مكة في طريقها لسحب البساط من تحت أقدام كوالالمبور لتكون عاصمة المصرفية الإسلامية، بحكم أن مكة هي التي تتوسط العالم وبمقدورها أن تكون البيئة المناسبة التي جعلت منها محط أنظار العالم، مشيرا إلى أن وسطية مكة المكرمة الجغرافية تعد ميزة لأن تكون مركزا وعاصمة المصرفية الإسلامية، بدلا من كوالالمبور عاصمة ماليزيا التي خلقت لنفسها البيئة المناسبة التي جعلت منها محط أنظار العالم، مشددا على أن المصرفية الإسلامية لم تعد مقصورة على الدول الإسلامية بل تجاوزت أكثر من ذلك بتعمقها داخل أنظمة المصارف الغربية.

وذكرت تقارير اقتصادية أن قيمة الأصول المصرفية الإسلامية بلغت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 416 مليار دولار أميركي في عام 2010 وهي نسبة قريبة من 40 في المائة من الحجم الإجمالي لهذه الصناعة على الصعيد العالمي التي وصلت إلى واحد تريليون دولار بنهاية 2011، وأنها ستصل إلى 990 مليار دولار أميركي بحلول عام 2015 يقول أشعر ناظم، مسؤول الخدمات المالية الإسلامية في شركة «إرنست آند يونغ» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.