ارتفاع أسعار التمور في السعودية.. وتجار المدينة المنورة يستأثرون بالأسواق

قلة المعروض وتأخر الموسم وراء زيادة الطلب والقيمة

منذ بداية رمضان والتمور القادمة من المدينة المنورة تتسيد المعروض من التمور وقليل من إنتاج محافظة الأحساء («الشرق الأوسط»)
TT

سافر مختار الحربي وهو تاجر تمور سعودي، من المدينة المنورة إلى الرياض حاملا كميات واسعة من التمور. وعلى غير العادة جلب كمية أكبر من أي وقت مضى، ويعود ذلك إلى انفراد تجار المدينة المنورة هذه الفترة ببيع التمور، إذ يحتاج بقية المنتجين في المناطق الأخرى إلى الانتظار نحو أسبوعين آخرين حتى يلحقوا بالسوق.

يقول الحربي إن هذه الأيام هي «وجه السعد على تجار تمور المدينة المنورة الذين ينفردون بالسوق هذه الفترة». مما يعني أن السوق تعتمد بشكل كلي على إنتاج المدينة المنورة التي يمتلك فيها الحربي مزرعة كبيرة. وستكون «الكلمة الأولى لهم في تحديد الأسعار، أو عبر متعهدي شراء المنتجات»، بحسب الحربي.

وتعد التمور ضمن أكثر الثمار التي تحرص الحكومة السعودية على الاهتمام بها وتطويرها، وتنظيم المهرجانات الخاصة لها، بوصفها إرثا غذائيا وموروثا ذا قيمة تاريخية.

وتشتهر عدة مدن سعودية بإنتاج التمور أهمها القصيم والمدينة المنورة والأحساء وحوطة بني تميم، وتتخصص كل مدينة في إنتاج نوع من التمور يختلف عن إنتاج المدينة الأخرى، مما يجعل تنويع المعروض سمة رئيسة يتميز بها قطاع التمر السعودي.

وفي رمضان، تصاعدت أسعار التمور التي تتربع على صدر الموائد الرمضانية في السعودية، بالتزامن مع دخول الشهر الذي تعد فيه التمرة باكورة الإفطار.

وتأخر موسم جني التمور بشكل كامل في السعودية، في حين تعج الأسواق بإنتاج المدينة المنورة وقليل من إنتاج محافظة الأحساء، أما الإنتاج الأكبر من التمور الذي تصدره القصيم وبعض محافظات الرياض، فإنه لم ينضج بعد، وهو ما خلق تذبذبا في إمداد السوق بالكميات اللازمة، فضلا عن وجود كميات محدودة من التمور المكنوزة التي جنيت وحفظت بشكل جيد من إنتاج الموسم الماضي.

وقدر مهتمون الارتفاع الحاصل في الأسعار بنسبة 200 في المائة، على ما كانت عليه قبيل دخول رمضان، وهو الموسم الأول في تحقيق الأرباح عن باقي السنة، نتيجة الإقبال الكبير الذي تقاطع مع عدم إمداد المنتجين الأسواق بالتمور.

ويلعب ضعف الرقابة دورا مهما في تزايد الأسعار، نظرا إلى وجود عدد بسيط من كبار التجار الذين يتعهدون بشراء إنتاج المزارع ومن ثم عرضها للمستهلكين بعد تحديد السعر الذي يتفقون عليه، لافتين إلى أن الأسعار ستعود إلى طبيعتها فور حلول موسم طباخ التمر الذي سيوفر كميات أكبر من المعروض.

ويقول مختار الحربي إن العيب الوحيد الذي تشهده السوق حاليا هو وجود كميات بسيطة من التمور، لا تكفي لموسم كبير مثل موسم رمضان.. «من المؤسف أن الأسعار وصلت إلى مستويات كبيرة تبعا لقلة المعروض. الأسعار حددها ارتفاع الطلب وتناقص المنتج في المقام الأول».

وزادت الأسعار بشكل فعلي على جميع أصناف التمور من دون استثناء، بينما يختلف معدل الارتفاع من نوع إلى آخر، ويرى تجار تمور تحدثوا مع «الشرق الأوسط» أن ارتفاع التكاليف على التجار أو المصدرين، دفعهم إلى زيادة الأسعار لتقليص التكاليف الزائدة، التي اضطروا على أثرها إلى تغيير التسعيرة تماشيا مع الظروف الجديدة.

ويرجع راشد القعود الذي يمتلك كثيرا من مزارع التمور في محافظة حوطة بني تميم التابعة لمدينة الرياض، زيادة الأسعار في رمضان إلى مشاريع إفطار الصائم المحلية الكبرى، خصوصا أن بعض الجمعيات الخيرية العملاقة سحبت أطنانا منها ومن ثم وزعتها على كثير من المشاريع المتفرعة التابعة لها، الأمر الذي أربك سوق التمور، خصوصا أنهم يشترونها قبل فترة بسيطة من دخول رمضان، مما يزيد حدة توترات النقص المعروض، كما تسبب في فقد السوق كميات واسعة من التمور، التي من المفترض أنها تتوجه إلى موائد المواطنين بشكل مباشر.

وقال القعود: «إن ارتفاع الإقبال على المنتجين من قبل صغار التجار، الذين يزايدون على شراء المحصول بشكل مباشر، في وضع سعر البيع»، موضحا أنهم كمنتجين يرون أن لسوق التمور مستقبلا جديدا، في ظل الإقبال المتزايد عليه، لا سيما من قبل التجار الذين بدأوا يتهافتون و«يزايدون» في بيع محاصيلهم قبل الحصاد بأشهر كثيرة.

وأضاف: «نستشعر تنافسا واسعا بين المستثمرين على شراء المحصول، وهو ما ينعكس فورا على أسعار السوق».

ويوفر موسم التمور في السعودية آلاف الوظائف الوقتية لكثير من الراغبين في العمل في القطاع، وهي فترة لا تُعوض للالتحاق بالعمل في تجارة التمور. وتعرض كثير من المصانع الكبرى فرص عمل مؤقتة للراغبين، نظير الأرباح الجيدة بالنسبة للسكان المحليين.

ويقدّر يزيد الحجي، وهو مستثمر في قطاع التمور، الارتفاع الحاصل على الأسعار بأنه يلامس الـ200 في المائة على أقل الأحوال، إذا ما قورنت بالفترة التي استبقت حلول موسم رمضان، معتبرا الارتفاع غير عفوي، ويقول: «إنه مرتب وبشكل كبير، نظرا إلى اضطرار المستهلكين إلى التمور باعتبارها صنفا رئيسا على مائدة الإفطار الرمضاني مهما بلغ سعرها.. والسوق تعتمد في معروضها على أعداد لا بأس بها من المكنوز الذي يعرض طوال العام ومنذ الموسم الماضي، مما يعني أنه لا مبرر لرفع الأسعار».

وحول الأنواع المحلية المعروضة هذه الأيام، قال الحجي إن تمر الروثان يعد الأكثر مبيعا بنحو 80 ريالا للصندوق الواحد، يليه «الشيش» الذي يلامس الـ45 ريالا، ثم «اللونه» الذي يلامس الـ40 ريالا، ويأتي «الربيعة» في المرحلة الأخيرة وهو الأرخص ثمنا إذا يتراوح سعره بين 25 و30 ريالا، وجميعها من إنتاج المدينة المنورة، ويبلغ حجم صندوقها كيلوغرامين»، مضيفا أن هناك نوعا واحدا فقط من الأحساء وهو «الغر» الذي يتراوح سعره ما بين 20 إلى 23 ريالا للصندوق الواحد.

وبحسب دراسة أكاديمية، تقدر أعداد النخيل في السعودية بأكثر من 23 مليون نخلة تنتج أكثر من 950 ألف طن من التمور سنويا، وتشكل عشرة أضعاف استهلاك المملكة من التمور، وتوقعت الدراسة أن يصل عدد النخيل في المملكة إلى 30 مليون نخلة خلال السنوات المقبلة، بعد أن شهد القطاع اهتماما من الدولة، وأن مستقبل التمور في المملكة واعد مع الطلب المتزايد وتطور الصناعات التحويلية.

ولا يمكن بأي حال إحصاء أنواع التمور وتسمياتها؛ إذ إن أرقامها كثيرة، وتزيد عن الـ400 صنف، بيد أن أبرز أنواعها يكمن في «البرحي، والخلاص، والخنيزي، والذاوي، والربيعة، والرزيز، والحلوة، والخصاب، والخضري، والبيض، وبرني المدينة، والرشودية، وروثانة، وسباكة، وسري، والسكري، والسلج، والشبيبي، والشهل، والشيشي، والصفاوي، والصفري، والصقعي، والعجوة، والغر، والمبروم، والمجهول، ونبتة سلطان، ونبة علي، ونبتة سيف، والهلالية، والونانة، والمكتوم، والعنبره، والقطارة، ودقلة نور».

وبحسب مختصين في التمور، فإن لكل نوع مكانا، إذ لا تثمر كل التمور في منطقة ما، بل تجدها تتنشر في منطقة عن غيرها، فتمر «الصقعي» يشتهر في الأحساء وجنوب الرياض الممتد من محافظة الخرج إلى حوطة بني تميم إلى وداي الدواسر والأفلاج، كما هو الحال بالنسبة لـ«الخضري» الذي يعرف موطنه في وادي الدواسر، والحال نفسه للخرج والأفلاج، ويعد من التمور الرائجة جدا في السعودية.

أما تمرة المقفزي، فتنتشر بشكل أكثر جنوب الرياض، أما نبتة «سيف» فتوجد في الخرج وحوطة بني تميم، وتتملك المدينة المنورة «الروثان»، بينما ينتشر «السلج» في الرياض والخرج وحوطة بني تميم.

ويتحين السعوديون حاليا في المنطقة الوسطى والشرقية والشمالية إلى نتاج مزارعهم الذي سيكون مثمرا بشكل كامل بعد أسبوعين من الآن، ويمتد لأكثر من شهر ونصف الشهر.

وتزدهر المتاجر المخصصة للتمور ببيع إنتاج مزارع القصيم والرياض والخرج والأحساء ووادي الدواسر، ويحرصون على أن تقدم أجود أنواع التمور على موائد الإفطار.

ويشتهر كبار السن في السعودية بقدرة تفوق الشبان على تمييز كل نوع من أنواع التمور على الرغم من وصول عدد أصنافها لنحو 400 صنف.

وبحسب موقع وزارة الزراعة السعودية، فإن إنتاج التمور حتى عام 2011 يقارب المليون طن، بينما تصل المساحة المزروعة إلى 160 ألف هكتار. ويبلغ عدد أشجار النخيل بحسب إحصائية صادرة عام 2011 بنحو 23.7 مليون نخلة، وتتميز كل منطقة في البلاد بأصناف تختلف عن الأخرى وتتنافس فيما بينها على إنتاج أجود وأرقى أنواع التمور والعمل على أن تكون نظيفة وخالية من أي شوائب قد تقلل من قيمتها وجودتها النوعية.

وترجع وزارة الزراعة مشكلات المساحات المزروعة المخصصة للنخيل إلى تدني الإنتاج في السنوات الأخيرة، على الرغم من ازدياد المساحات المزروعة حاليا، وتظهر دراسة أجرتها الوزارة أن ذلك «يعزى إلى أن كثيرا من النخيل المزروع حديثا لم تدخل طور الإنتاج ومن المتوقع بدخول كثير من المزارع الحديثة طور الإنتاج أن يزداد الإنتاج بصورة كبيرة بحيث يتعدى المليون طن سنويا، خاصة أن كثيرا من المزارع الحديثة تبنت التقنيات الحديثة في خدمة ووسائل الإنتاج المختلفة بما في ذلك التلقيح والتكريب والري».

واستخدمت المزارع السعودية في السنوات الأخيرة الزراعة العضوية، التي تقول وزارة الزراعة إنها تحد من استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية إذ يعد المنتج منها خاليا من الكيماويات، ويسوق بأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية التي أصبحت بدورها راغبة في مثل هذه المنتجات.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تساعد كثيرا من الدول المتأثرة بالكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات التي تؤدي إلى نقص الغذاء والمجاعات، وذلك بإرسال معونات غذائية وبشكل خاص التمور، بشكل مباشر أو من خلال المعونات التي تقدمها لبرنامج الغذاء العالمي المقدرة بـ14 ألف طن من التمور في بعض الأحيان.