السعودية تكسر الطبوغرافية والازدحام بمشاريع وخطط استثنائية في مكة المكرمة

مدير مرور العاصمة المقدسة لـ«الشرق الأوسط»: عدادات ترصد زمن وقوف السيارات

تشهد مكة المكرمة أيام رمضان ازدحاما واسعا جراء وفود المعتمرين (واس)
TT

كشف العميد سلمان الجميعي، قائد مرور العاصمة المقدسة، لـ«الشرق الأوسط»، عن شروع إدارته في إكمال دراسة متكاملة لمنطقة العزيزية سيتعين خلالها تغيير شكل العديد من المناطق المحورية في شوارع العاصمة المقدسة، من أهم بوادرها تركيب عدادات لمخالفة أي سيارة تقف أكثر من ساعتين في المناطق المركزية، وسحبها، فضلا عن تهيئة أماكن للحافلات لا يحق لأحد الوقوف عندها.

وأفاد الجميعي بأن بعض المناطق المركزية شهدت تعديلات واسعة تقتضي المنع الكامل قبيل الأذان للصلوات المفروضة، وبعده بساعة، لمنع دخول المركبات، وتحويل جميع الأماكن في المنطقة المركزية إلى مناطق خاصة فقط بالتحميل والتنزيل دون الوقوف في مكان معين، مدعومة بآليات ودراجات نارية مرورية تعمل على مدار الساعة للقبض على المخالفين الذين يقومون بتحميل المعتمرين والمصلين خاصة في الحفائر وأجياد والغزة.

وقال الجميعي «إن التحركات للمركبات والحافلات داخل المناطق المركزية تسير بسلاسة وبحسب المخطط لها سلفا»، مشيرا إلى أن تلك الخطط روعي فيها وضع استراتيجيات شاركت فيها عدة جهات حكومية بغية ضمان تنفيذ تلك الاحتياطات الأمنية والمرورية والوصول إلى درجة عالية من الكفاءة في العمل.

وحول مسارات النقل، كشف الجميعي عن وجود مسارات متخصصة للنقل الترددي في العاصمة المقدسة، تتضمن خمسة مداخل ومخارج لاستقبال المعتمرين، لافتا إلى أن مواقف النقل الترددي تمحورت في «المسخوطة» ومواقف «كدي» عبر نفق الملك عبد العزيز الكائن أسفل وقف الحرمين ومواقف طريق الملك عبد العزيز بمحبس الجن انتهاء بموقف «جرول»، وهو أحد المواقف الجديدة في العاصمة المقدسة، ويمر عبر طريق جبل الكعبة.

وحول خطة التعامل مع أهالي منطقة مكة المكرمة، لفت الجميعي إلى وجود ست مناطق لاستقبال مركبات المعتمرين والحجاج من داخل العاصمة المقدسة، وهي خطوة تهدف إلى عدم دخول المركبات إلى المناطق المحورية بغية إحكام الخطط المرورية الاستراتيجية المعمول بها في رمضان ومواسم الذروة.

وأفاد مدير مرور العاصمة المقدسة بالمنع الكامل للسيارات داخل المناطق المركزية، وتعزيز وجود حافلات مكيفة ومجهزة تجهيزا كاملا لاستقبال كل المعتمرين والمصلين، وإعطائهم بطاقات تعريفية لأماكن وجود سياراتهم، حتى نقطع الطريق أمام نسيان كثير من المعتمرين لأماكن سياراتهم، مصحوبة بتواريخ زمنية.

وعطفا على اتصال مكة المكرمة بمدينتي جدة والطائف، أشار الجميعي إلى تخصيص خمسة مواقف خارجية للقادمين من خارج مكة تتمثل في مواقف طريق جدة - مكة السريع، ومواقف الهدا - طريق الكر، ومواقف الشرائع، ومواقف طريق الليث، ومواقف طريق النوارية للقادمين من المدينة المنورة، مؤكدا وجود فرق خاصة موجودة على جميع المحاور الرئيسة المؤدية إلى المنطقة المركزية لمتابعة تطبيق الخطة المرورية.

بدوره، قال سعد الشريف، وهو خبير بشؤون المنطقة المركزية بمكة المكرمة «إن الازدحامات التي تمر بها العاصمة المقدسة لا تمر على أي مدينة في العالم، وذلك لعدة اعتبارات جوهرية أهمها الطبيعة الطبوغرافية التي تعيشها العاصمة المقدسة، فهي تقع على سفوح جبال السروات، وتمثل نقطة التقاء تهامة بالجبال التي تحيط بمكة من جميع الجهات، فمكة المكرمة مجموعة من الأودية المتخللة هذه الجبال، وهي أيضا منافذها خاصة كلما اتجهنا إلى الساحل من الناحية الغربية».

وقال الشريف إن مسألة الازدحام الذي تمر به العاصمة المقدسة تنبئ بأهمية تجديد الاستراتيجية المرورية لكسر الطبيعة المعقدة في المدينة التي تزخر بأكبر وأضخم الأنفاق في العالم، والتي تشق مجموعة جبال وكتل جبلية السوداء من مادة الغرانيت التي تشكلت ضمن تشكيلات الدرع العربية المكونة من صخور القاعدة القديمة خلال الأزمنة الجيولوجية القديمة، وتتخلل هذه الجبال مجموعة من الأودية من أهمها وادي إبراهيم الذي يقع فيه البيت الحرام.

وحول الحلول المثلى لرسم خارطة طريق لتنفيس المناطق المركزية والتي تتعرض لضغوط كبيرة من المركبات والحافلات، قال سعد الجودي، خبير المنطقة المركزية بمكة المكرمة «من خلال العديد من مواسم الحج والعمرة، التي مرت على العاصمة المقدسة، أثبتت الجهات الأمنية في وزارة الداخلية السعودية نجاحات باهرة في وضع خطط استراتيجية استثنائية، عمدت من خلالها إلى التعامل مع أحداث الذروة وفق منظومات للنقل متكاملة، استشرفت فيها التنبؤات المستقبلية لما ستكون عليه العاصمة المقدسة في العقدين القادمين، والتعامل مع حالات الاكتظاظ بأساليب علمية وتقنية ممنهجة».

وتم إعداد المخطط الهيكلي لمدينة مكة المكرمة بناء على مجموعة من السياسات التي حددتها استراتيجية التنمية العمرانية الوطنية واستراتيجية تنمية منطقة مكة المكرمة للمدينة باعتبارها مركز نمو رئيس على المستوى الوطني، وقد تأثرت فكرة الامتداد العمراني لمكة المكرمة بالمخطط الهيكلي بالمحددات الطبيعية والطبوغرافية والخصوصية الدينية المميزة لها، وتتحدد أهم ملامح التشكيل والامتداد العمراني للمدينة بإنشاء تجمعات أو أنوية سكنية كبرى (ضواح) على أطراف مكة المكرمة بهدف خلخلة التكدس السكاني بالمدينة القديمة حول الحرم الشريف، وبحيث تكون هذه الامتدادات على الأراضي ذات الطبوغرافيا الملائمة للتنمية العمرانية وتكون نواتها مخططات قائمة، بحيث تستقطب من المنطقة المركزية بمكة المكرمة إلى تلك الضواحي. وفي هذا السياق تم اقتراح أربع ضواح في أطراف المدينة على المحاور الرئيسة التي تشكل مداخل مكة المكرمة.

ويهدف المخطط المستقبلي للعاصمة المقدسة نحو تقوية محاور الحركة الرابطة بين الضواحي والمنطقة المركزية بحيث تصب جميعها في الطريقين الدائريين الثاني والثالث بكثافة حركة عالية تقلل من زمن الرحلة بحيث يمكن الوصول سريعا من أي نقطة على الأطراف إلى الحرم المكي الشريف، وتوفير مقومات الجذب السكاني بمناطق الضواحي المقترحة من خلال اقتراح مراكز للخدمات والقرب من أماكن العمل، والعمل على إيجاد كثافات سكانية منخفضة تساعد على توفير مساحات أكبر وخصوصية أعلى للسكان والعائلات عن تلك المتوافرة بقلب مكة مع سرعة وسهولة الوصول لمكة القديمة والمسجد الحرام.

ويقترح المخطط أيضا إنشاء أربعة مراكز حضرية توزع على الضواحي المقترحة وتوجد بها مناطق لمراكز الأعمال والمراكز التجارية والخدمات الحكومية والإقليمية والتي يفضل نقلها على أطراف المدينة حيث تتوافر مسطحات كافية من الأراضي تتطلبها تلك الاستعمالات، واقتراح منطقتين صناعيتين جديدتين في جنوب وشرق المدينة خارج حد الحرم على مسطحات شبه منبسطة تسمح بإقامة المنشآت الصناعية وطبقا لاحتياجات مكة المكرمة المستقبلية، على أن تحدد أنواع الصناعات المسموح بها بحيث تكون صناعات خفيفة وغير ملوثة، كما روعيت سهولة الوصول إليها بوضعها على محاور الحركة الرئيسة الرابطة بباقي أجزاء مكة المكرمة (الطريق الدائري الخامس).

من جانبه، قال خالد المالكي، وهو مالك شركة نقل في منطقة «العوالي» في العاصمة المقدسة، إن مكة المكرمة عرفت منذ زمن بعيد بأنها المدينة السعودية الأولى التي تتعرض إلى ضغط كبير على بنيتها التحتية خاصة في ما يتعلق بمشاريع النقل الكفيلة بالتخفيف على المناطق المركزية والجوهرية التي تفرض حلولا علمية ناجعة لمجابهة حالات التكدس الكبير لعشرات الألوف من الحافلات التي تأتي من جميع أقطار الأرض حتى من روسيا الشرقية، وجميعها تصب في منطقة مركزية واحدة، وهو ما يعني تحديا كبيرا تتعرض له هذه المدينة الذي يربو عدد سكانها في الأصل على أكثر من مليون ونصف المليون.

وأفاد المالكي بافتقار تقديرات محددة لعدد القادمين من الداخل السعودي، مشيرا إلى أن مكة المكرمة تكون على اتصال مع مدينتين هما جدة والطائف، وقال إن «المدينتين تقعان على تماس مباشر مع العاصمة المقدسة وتنساب وتتقاطر إليهما الحافلات بشكل متصل ومباشر، لتنصهر المدن الثلاث في مدينة واحدة في مواسم العمرة المتصلة وموسم الحج، وهو ما يطرح الحاجة نحو إيجاد قطارات تحيل فيها جميع المركبات والحافلات إلى المعاش، وهو ما بدأت فيه فعليا العاصمة المقدسة»، مستطردا بالقول «إن المناطق المحورية في العاصمة المقدسة ليس لها حل جوهري وجذري عدا وجود قطارات فاعلة تصب جميعها في الحرم المكي الشريف.. ومن المؤشرات الإيجابية التي ستحملها مثل تلك الخطوة تسهيل عمليات التنقل والانخفاض العام للتلوث، جراء توافد مركبات كبيرة جدا وشاحنات تقل ملايين من المعتمرين والحجاج، وسيسهم ذلك النزوح التجاري في إراحة البنية التحتية، وتغيير كثير من المفاهيم الاقتصادية في العاصمة المقدسة، التي تحتاج إلى إنشاء خدمات واسعة، تستوعب جميع المناشط التجارية، وتزيد من المساحات الاستيعابية، التي ينبغي أن تكون عليها العاصمة المقدسة، مبينا أن بقاء جغرافية مكة على ما هي عليه الآن يضر بالعملية التجارية، ويوهن من القوة الاقتصادية الفاعلة في مكة المكرمة».

وأضاف المالكي أن الهدف المنشود في العقد القادم وفي المخطط الاستراتيجي في العاصمة المقدسة هو عدم استخدام الحافلات نهائيا داخل العاصمة المقدسة، وأن الحاج والمعتمر يتعين عليه منذ الوصول إلى مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة استخدام القطارات عبر قطار الحرمين الذي يربط عدة مدن سعودية ويمر عبر المدينة المنورة وجدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية وصولا إلى العاصمة المقدسة، واتصال قطار الحرمين بمترو مكة، واتصال مترو مكة بقطارات المشاعر المقدسة، وهو ما يعني شل كامل سير الحافلات والمراكب الصغيرة وانصهار منظومة النقل في العاصمة المقدسة.

وكان الدكتور أسامة البار، أمين العاصمة المقدسة، رئيس اللجنة التنفيذية المشرفة على المشروع، أوضح أن مشروع النقل العام بمكة ينقسم إلى قسمين؛ الأول شبكة نقل القطارات (المترو) لخدمة الحجاج والمعتمرين، وهو المشروع الذي أجرت الدراسة الفنية له شركة «البلد الأمين» المملوكة للأمانة، وتنفذه شركة «قطارات مكة للنقل العام»، وأيضا لخدمة قاطني المدينة مستعينة فيها باستشاريين عالميين لإعداد هذه الدراسة (شركة «سيسترا» الفرنسية) لتوفير شبكة كافية للنقل العام بالقطارات لمكة المكرمة على مدار العام، أما المرحلة الثانية فبدأت بدراسة نفذتها هيئة تطوير مكة المكرمة تختص بالمخطط الشامل لشبكة النقل بالحافلات في مكة بالتعاون مع الاستشاري العالمي «بي دبليو إنجنير» الألماني لإعداد المخطط الشامل للنقل بمكة.