السعودية على موعد مع أول نظام يحمي الأطفال من الإيذاء

«الشورى» أكمل دراسة مشروع يراعي الصغار جسديا ونفسيا

زيادة الوعي لدى المجتمع تقلل من ظاهرة عنف الأطفال («الشرق الأوسط»)
TT

لم يكن تجاذب وسائط التواصل الاجتماعي، أمس، حيزا من النقاش حول تعنيف طفلة بثه التلفزيون السعودي سوى مؤشر على أن الطفولة في السعودية تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام. وأخذ الناشطون على موقع التدوين المصغر «تويتر» ينتقدون «المزاح الثقيل» الذي جابهته فتاة لم تتجاوز 13 ربيعا من عمرها. وبعيدا عن الآراء حول الطفلة والتلفزيون، يشق مشروع نظام لحماية الطفل مساره التنفيذي بعدما قطع شوطا تشريعيا عبر مجلس الشورى الذي قال في بيان إنه يهتم بكل الجوانب التي تؤذي الأطفال جسديا ونفسيا في البلاد.

ويرى مختصون ضرورة إنشاء لجان وطنية لمناهضة العنف ضد الأطفال، حيث تؤكد الإحصاءات ارتفاع حالات العنف على مستوى العالم من مختلف جوانبه، إذ تؤكد تقارير أن 50 في المائة من أطفال العالم يتعرضون للعنف بأشكال مختلفة مما يدفع بالعديد من الدول تخصص العديد من الندوات والمؤتمرات وإنشاء جمعيات متخصصة لمعالجة ظاهرة عنف الأطفال.

ورأى خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» ضرورة إنشاء لجان وطنية لمناهضة العنف ضد الأطفال، وقدروا نسبة العنف حيال الأطفال الذين لم يتجاوزوا خمسة أعوام بنحو 32 في المائة.

ودعا معتوق الشريف، الباحث في مجال تنمية حقوق الطفل، إلى تشجيع الدراسة لتضع أساسا لتناول مشكلة العنف ضد الأطفال، وتأكيد العمل باتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها، والتصريح للجمعيات المدنية التي تساعد الدولة في التزاماتها الدولية في مجال حماية الطفل مع متابعة هذه الجهود من أجل ضمان تنفيذ التشريعات لإنفاذ هذه الالتزامات على أرض الواقع.

وشدد الشريف المتخصص في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة في تنمية حقوق الطفل على اعتماد خطط عمل وطنية متكاملة، تقوم على أهداف قابلة للتحقيق، ذات إطار زمني وميزانيات محددة، بمؤشرات قياس لرصد التقدم المحرز، والصعوبات وسبل تجاوزها، على أن تكون منسجمة مع تعاليم ديننا الحنيف والمبادئ العامة المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، وبخاصة مصلحة الطفل الفضلى، وعدم التمييز بين الأطفال، وحق الطفل في البقاء والنماء، والحق في الحياة واحترام آراء الطفل، بما يعنيه ذلك من ضرورة تمتع الطفل بحقه في التعبير عن رأيه داخل الأسرة والمدرسة وكل المؤسسات، واحترام هذا الرأي في صياغة البرامج والقرارات الخاصة بوضعه وتنفيذها بمتابعة الجهات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني.

وأكد الشريف على ما تضمنته تقارير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان من ضرورة الالتزام بالعمل على مواءمة مختلف القوانين والتشريعات مع مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات والمعايير الدولية الأخرى ذات الصلة، وبالإسراع في إعداد البحوث والإحصاءات والدراسات المتخصصة في قضايا ممارسة العنف ضد الأطفال، مع التركيز على ضرورة توفير قاعدة بيانات مفصلة عن واقع العنف ضد الأطفال.

وطالب الشريف، الذي ينتسب لعضوية الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والرئيس التأسيسي للجمعية السعودية لرعاية الطفولة، بالعمل على ضمان حماية الأطفال من العقوبات البدنية في كل المواقع والأطر المؤسسية، بما في ذلك الأسرة والمدرسة وكل المؤسسات، وتعزيز القيم الإسلامية الداعية إلى الرحمة والتسامح والرعاية والحنان وقال «هناك بعض الممارسات دخيلة على ثقافاتنا وتمثل عنفا صارخا ضد أبنائنا وبناتنا، ولا بد من نبذ هذه الممارسات، تمسكا بالقيم والتقاليد الإيجابية الأصيلة التي يتمتع بها مجتمعنا». وأضاف «الحل يكمن في الأسرة، فهي محور الاهتمام في التصدي لحل المشكلة، لذلك علينا أن نوفر لها الحماية من داخلها ومن خلال رفع الوعي لديها بسبل تقويم السلوك دون اللجوء للعنف، ومن خلال نشر ثقافة مجتمعية بديلة لثقافة العنف والتربية والتعليم لحقوق الإنسان كما التزمت بذلك المملكة».

ولفت الشريف إلى أن مظاهر العنف سواء كانت انتهاكا أو مخالفة أصبحت أمرا ملحوظا في مجتمعنا تتحدث عنها الإحصائيات الحقوقية والإعلامية، وقال «ندرك التحولات التي طرأت على تكوين الأسرة، ولكن لا بد من حماية الطفل لكونه إنسانا وهبه الله لإسعاد الأسر من خلال تحقيق التكامل اللازم بين آليات الوقاية الاجتماعية وتدابير الحماية القانونية، ومراجعة القوانين والتشريعات بما يكفل إلزامية الإبلاغ عن حالات العنف وتجريم التقاعس عن كشفها، ومعاقبة مرتكبي العنف وأنه لا يترك من دون مساءلة، بما يضمن رصد العنف في الوقت المناسب وتوفير آليات الحماية الاجتماعية والقضائية الملائمة، وذلك من خلال التأكيد على المسؤولية الاجتماعية للبالغين، والمؤسسات الحكومية والمدنية».

وبين أن «القضاء على العنف ضد الأطفال يتطلب بناء القدرات للأطفال والوالدين وكل الكوادر المتعاملة مع الأطفال بما في ذلك المدرسون والمرشدون الطلابيون والعاملون في مجال التعليم والصحة والقضاء وتنفيذ القانون، مع الأخذ بمبدأ تبادل الخبرات وقصص النجاح من أجل رفع الوعي وحماية الأطفال باعتبارهم الأكثر عرضة للعنف لا سيما الذين يعانون من الإعاقة والحرمان من الأبوين».

وطالب الشريف مؤسسات المجتمع المدني المعنية ووسائط الإعلام والأسر ومراكز الخبرة والتدريب، وغيرها من الجهات القائمة على المؤسسات، بوضع وتنفيذ برامج وأنشطة غير رسمية، وذلك من أجل إدخال جانب التثقيف في مجال حقوق الطفل لمكافحة جميع أشكال العنف ضد الأطفال. وشدد الشريف على أهمية تغيير الثقافة المجتمعية التي تشجع العنف ضد الأطفال ومحاربة كل وسائل نشرها، وهو ما انتشر مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، بسن القوانين التي تجرم ذلك وفقا للالتزامات الدينية والأخلاقية والدولية. وقال «نحتاج إلى أن نعي أن هذه الممارسات ترصد كتقارير ظل تحرج تقارير الدولة أمام لجنة حقوق الطفل الأممية التي تناقش تقارير الدول حول اتفاقية حقوق الطفل». وأضاف «علينا جميعا أن نكون نشطاء من أجل حقوق الطفل، وعلى الجهات الحكومية أن تعي تغير الحياة اليومية، وأن تصرح للجمعيات المدنية التي يريد مؤسسوها خدمة الطفولة وحمايتها جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية المعنية، وتقديم الدورات والبرامج التثقيفية التي تنشر الوعي وترسخ ثقافة حقوق الطفل».

ولم تكن السعودية ببعيدة عن هذه الجهود، حيث صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في سبتمبر (أيلول) 1995، وهي طرف في العديد من الصكوك الإقليمية والعربية والإسلامية، منها عهد حقوق الطفل في الإسلام، الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي وعلى الصعيد الداخلي.

وتناولت السياسة الوطنية حقوق الطفل بالرعاية من حيث العناية الصحية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والترفيهية، ومن ذلك الخطة الوطنية الشاملة للطفولة لعشر سنوات والتي تقترب من بلوغ أهدافها.

وأوضح الدكتور خالد العوفي، استشاري الطب النفسي ومساعد المشرف العام للخدمات الطبية في مستشفى الأمل في جدة ورئيس وحدة الطب النفسي في صحة جدة، أن «العوامل المسببة للإيذاء والإهمال بالنسبة للطفل تكمن في صعوبة بعض الأطفال أو المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه أو الأطفال المصابين بالتخلف العقلي أو المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة»، لافتا إلى أن هناك عوامل تتعلق بالوالدين كالاضطرابات النفسية أو استخدام المخدرات، أو تعرض أحد الوالدين للإيذاء في طفولته.

وأشار العوفي إلى أن «الاعتداء الجسدي على الطفل يكون عادة بالضرب أو بالحرق أو بالكسر والخلع أو الخنق بحيث لا يمكن تفسيره، وغالبا يكون غير متطابق مع تاريخ الإصابة حسب ادعاء الوالدين. وتابع «العنف الجسدي غالبا ما يكون ظاهرا على جهتين متقابلتين مثل الوجه والظهر والبطن، وغالبا ما يأخذ شكل الأداة المستخدمة في الإيذاء مثل السلك أو حرقة سيجارة أو المكواة»، مبينا أن الأعراض التي تظهر على الأطفال بعد العنف هي الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة وضعف الثقة بالنفس وعدم الثقة في الكبار، والشعور بالتحطيم الدائم والعدوانية والسلوك الإيذائي أو الانتحاري تجاه الذات».

وقال العوفي «إنه أثناء فحص الطفل المعنف في قسم الطوارئ قد يظهر عليه ما يلي: الخوف، الرعب، الانسحاب، تقلب المزاج، العدوانية، الحزن والاكتئاب أو القلق، قلة الثقة بالنفس، التأخر في النمو، السلوك الإيذائي أو الانتحاري تجاه الذات، الصعوبة في بناء العلاقات مع الآخرين، المحاولة لتغطية الجروح، والخوف من الاعتراف بسبب الإيذاء».

من جهته، بيّن عبد الله آل طاوي، مدير عام الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة، أن العنف الأسري ضد الأطفال لا يتحدد بمكان أو زمان أو بطبقة معينة في المجتمع، وأن أكثر أنواع العنف التي تصل إلى الشؤون هي العنف على النساء والأطفال.

في المقابل، أوصت هيئة حقوق الإنسان في تقريرها الصادر حديثا، بتصحيح أوضاع الأطفال السعوديين من أمهات غير سعوديات المقيمين خارج المملكة، خاصة الذين لا يحملون وثائق سعودية رسمية، وتصحيح أوضاع أطفال السعوديات من الآباء غير السعوديين، بما يضمن لهم حياة آمنة كريمة ومستقرة.

من جهته، أوضح الدكتور إبراهيم الشدي، عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان في السعودية المتحدث الرسمي باسم الهيئة، أن «التقرير تضمن العديد من الجوانب التي تهتم بالطفل، فالهيئة تعنى بالعنف بكل صوره لا سيما بالجهات الأضعف المتمثلة في المرأة والطفل، ومتابعة الحالات مع الجهات المعنية كاللجنة الوطنية للطفولة والشؤون الاجتماعية». وأضاف الشدي «تسعى الهيئة لرفع الوعي بمسألة العنف ضد الأطفال من خلال المنابر الإعلامية ودراسة حالات الشكاوى بحيث يكون للهيئة دور كبير من خلال الدراسات التي تخول للجهات المعنية العمل الأفضل تجاه الطفل، حيث إن هناك دراستين في أروقة مجلس الشورى تم رفعهما مؤخرا، الأولى بشأن نظام الحماية العامة وهي الآن في طور الدراسة لدى المجلس، والأخرى دراسة لحماية الطفل من الإيذاء وحفظ هذه القضايا وزيادة الوعي فيها، حيث إنها في خطوات متقدمة في المجلس الذي سيرفعها عن قريب إلى مجلس الوزراء لاعتمادها».

وحول نوعية الشكاوى المقدمة للهيئة في ما يتعلق بعنف الأطفال أشار عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان في السعودية والمتحدث الرسمي إلى أنه «للأسف فإن حالات العنف النفسي هي الغالبية التي تعم على قضايا عنف الأطفال، وللأسف هذا ينتج لتدني الوعي». وحول الإحصاءات بين الشدي أن «أحد الإشكالات يتمثل في الإحصاءات والأرقام في هذا الجانب في ما يخص العنف، وللأسف هي ليست دقيقة، خصوصا في مجتمع محافظ، ولذلك يصعب الاعتماد على بعض الحالات، ولكن وبحسب تقرير الأمم المتحدة فإن 50 في المائة من الأطفال في العالم يتعرضون للعنف».

الدكتور محمد مسفر القرني، أستاذ العلاج الأسري في جامعة أم القرى، يقول «تشير الإحصاءات الرسمية في المجتمعات الغربية إلى تنامي حوادث العنف الأسري الموجه تجاه الأبناء والزوجات، ففي سويسرا ارتفعت نسبة العنف الأسري 45 في المائة في 2003 مقارنة بالعام الذي قبله، وفي الولايات المتحدة الأميركية تشير التقديرات الاحصائية إلى أن نسبة النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري بلغت 22 في المائة، وأن نسبة العنف الأسري 11 في المائة من نسبة العنف، وفي المملكة المتحدة بلغت النسبة 30 في المائة، وكل هذه التقارير الإحصائية التي تصدر من دول العالم تشير إلى تنامي هذه الظاهرة وخطورة آثارها على الأسرة. فهناك الكثير من الآثار البدنية والنفسية والاجتماعية التي يتعرض لها أفراد الأسرة المعتدى عليهم».