تضخم أسعار السلع الغذائية تحت عين الرقيب

مجلس الوزراء: وزارتا «التجارة» و«البلديات» و«أمانات المناطق» ترصد المخالفات

تغليظ العقوبات بحق كل من يرتكب مخالفة ويكررها بقصد استغلال المواسم («الشرق الأوسط»)
TT

فتحت السعودية بشكل رسمي وجاد ملف تضخم أسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية، عندما أعلن مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة يوم أول من أمس عن قراره القاضي بإنشاء قاعدة معلومات تتناول تطورات أسعار السلع الغذائية في السوق المحلية.

ويأتي قرار مجلس الوزراء المتضمن تشكيل لجان وفرق عمل تتولى ملف أسعار السلع الغذائية في الأسواق السعودية، في ظل ارتفاع ملحوظ لأسعار هذه السلع خلال الأشهر القليلة الماضية، خصوصا أن ارتفاع الأسعار طال معظم السلع الغذائية الأساسية التي يحتاجها المستهلك بصورة متكررة.

وبحسب معلومات توفرت لـ«الشرق الأوسط» أمس، فإن وزارة التجارة والصناعة ستكون هي الجهة المسؤولة عن تنظيم فرق العمل والمتابعة لملف أسعار السلع الغذائية، ومن المتوقع أن تبحث الوزارة مع الجهات الحكومية والتجارية ذات العلاقة في البلاد آلية سير العمل للفترة المقبلة.

وأوضحت مصادر مطلعة في السياق ذاته، أن وزارة «التجارة والصناعة» باتت تبدي اهتماما بالغا نحو زيادة عدد وكلاء السلع الغذائية في البلاد، ومن المتوقع أن تكون هنالك تسهيلات كبرى تقدمها الوزارة بهدف زيادة عدد الوكلاء في الكثير من السلع الغذائية الرئيسية التي يأتي في مقدمتها «الدجاج، والأرز، والسكر».

ولن يقتصر دور الرقابة ومتابعة أسواق السلع الغذائية على وزارة «التجارة والصناعة» فقط، حيث ستكون هنالك تحركات كبرى في الوقت ذاته من قبل وزارة «البلدية» و«أمانات المناطق»، في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يكون هنالك دور إيجابي من قبل جمعية حماية المستهلك للمساهمة في هذا الملف.

وبحسب التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي فإن 26.9 في المائة من واردات المملكة عبر الموانئ خلال عام 2011 ترتكز على السلع الغذائية، مقابل 35.4 في المائة لمواد البناء والحديد، و1.9 في المائة للمواد الصناعية، و1.8 في المائة للمعدات، و34 في المائة تتضمن سلعا أخرى.

وفي هذا السياق، رصدت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» أمس، في أسواق غذائية في الرياض وجدة، ارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية بنسب تتراوح بين 5 و75 في المائة، في الوقت الذي باتت فيه أسعار الخضراوات (الطماطم والخيار) من أكثر السلع الغذائية التي شهدت تضخما في الأسعار خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

ومقارنة بالأسعار التي كانت عليها السلع الغذائية في عام 2011، فإن جولة «الشرق الأوسط» أظهرت ارتفاعا ملحوظا لأسعار «الأرز»، و«السكر»، و«الدجاج»، و«الزيوت»، و«الشاي»، والمواد الغذائية المعلبة كالتونة، والقشطة، فيما طال ملف تزايد الأسعار مواد مهمة للسوق السعودية كالهيل والتمور.

وما يزيد ملف تضخم أسعار السلع الغذائية في السعودية تعقيدا، هو التضخم الكبير الذي شهدته أسعار اللحوم، حيث ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بنسب تصل إلى 100 في المائة خلال الأعوام السبعة الماضية، وسط ارتفاع مماثل وبنسبة تصل إلى 70 في المائة لأسعار اللحوم البيضاء (الدجاج والأسماك).

من جهته قال الدكتور واصف كابلي، نائب رئيس اللجنة التجارية في غرفة تجارة جدة لـ«الشرق الأوسط» إن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية في السوق السعودية لا مبرر له في أغلب الأحيان، لذلك يجب على المستهلك أن يكون صمام الأمان للأسعار، بحيث يجبر التاجر على خفض الأسعار بعد مقاطعتها والتشهير بالمحلات المغالية في الأسعار عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى يضطر التاجر للبيع بسعر منخفض، وفي بعض الأحيان دون سعر التكلفة ليعود في السوق مرة أخرى.

وأضاف كابلي: «إن ظاهرة ارتفاع السلع في السوق السعودية متكررة، حيث نلاحظ هذه الأيام الارتفاع المصاحب لموسم رمضان نتيجة للطلب الكبير على المواد الغذائية والملابس والأثاث أيضا، فالمستهلكون عرفوا خلال هذا الموسم بالشراء إلى حين قرب عيد الفطر، مما يدفع ببعض التجار لرفع سلعته لمعرفته بحجم الإقبال الكبير عليها، في حين توفر السوق العديد من البدائل من السلع ذاتها بأسماء تجارية أخرى لكي يسهل على المواطن خيارات أخرى تحد من جشع بعض ضعفاء النفوس من رفع أسعار السلع».

وبين نائب رئيس اللجنة التجارية في الغرفة التجارية بجدة أن التاجر كلما خفض السعر زاد هامش الربح لديه، وذلك من خلال توثيق التواصل بينه وبين المستهلك الذي يقود إلى كسب أكبر عدد من العملاء طوال العام، مشيرا إلى أن وزارة «التجارة والصناعة» تلعب دورا كبيرا في مراقبة ارتفاع الأسعار من خلال مراقبة الدول المجاورة مع الأسعار المستوردة.

وزاد كابلي: «لا بد أن يعلم الجميع أن هناك استغلالا واضحا من قبل بعض المستثمرين للظروف والمواسم، ولم يكن هناك أي شح أو نقص في السوق السعودية، ولكن هذه الأعذار تسمع دائما لخلق مبررات ارتفاع السلع، مع العلم بأنه في حالة النقص أو توقف الميناء لمدة شهر فإن غالبية التجار لديهم مخزون يكفي لأكثر من ذلك لمد السوق، وبالتالي عدم شعور المستهلك بأي تأثير»، مطالبا بضرورة تغليظ العقوبات بحق كل من يرتكب مخالفة ويكررها بقصد استغلال المواطنين، سواء برفع الأسعار أو تجاوز هامش الربح المحدد من قبل الجهات المختصة أو بعملية الامتناع عن البيع، مما يلحق الضرر بالمستهلك.

وتأتي هذه المستجدات عقب مناقشة مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة مساء أول من أمس توصية اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي في شأن ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المملكة مقارنة بالدول المجاورة رغم تعدد أوجه الدعم والإعانات التي تقدمها الدولة، متخذا توجيهات لتعزيز جهود الأجهزة الحكومية في مجال الرقابة والإشراف على أسعار السلع والخدمات وتوفير بيئة المنافسة السليمة ومنع أي مغالاة في الأسعار تؤدي إلى ارتفاع الهوامش الربحية للتجار والمنتجين، إضافة إلى منع أي ممارسة احتكارية في سوق السلع والخدمات، ومراجعة الأنظمة واللوائح التي تعنى بموضوع أسعار السلع والخدمات أو تؤثر فيها، ومنع الممارسات الاحتكارية للتعاطي مع أي ارتفاع مبالغ فيه في الأسعار.

وقرر مجلس الوزراء أول من أمس توفير قاعدة معلومات متكاملة حول تطورات أسعار السلع والخدمات في المملكة والدول المجاورة، والرصد المستمر لمدى مناسبة هذه الأسعار والتغيرات التي تطرأ عليها، ومدى استجابتها للتغييرات في الأسعار العالمية، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمواطنين للاطلاع على هذه المعلومات.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن السعودية تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية لتلبية متطلباتها، ومن المتوقع أن تضاعف استيرادها للمواد الغذائية إلى 132 مليار ريال مع حلول 2020. ومن المتوقع أن يستمر الاعتماد على الواردات نظرا لمحدودية الإنتاج المحلي للمحاصيل بسبب شح المياه وعدم ملاءمة الظروف المناخية.

من جهة أخرى، قال أحمد معبر وهو المشرف على مراقبي فرع وزارة التجارة في محافظة جدة، لـ«الشرق الأوسط» أمس: «يلاحظ أحيانا أن هناك تلاعبا من قبل الأفراد في بعض السلع، خاصة من غير السعوديين، بتحويل كميات كبيرة خارج نطاق أماكن البيع المحدد للسلعة، مما يقلل الكميات الموجودة داخل السوق، وبذلك تصعد الأسعار، ومنعا لذلك فقد قامت الوزارة كما حصل في الإسمنت على سبيل المثال بتنبيه أصحاب المصانع إلى عدم البيع إلا بمراقبة وإشراف الوزارة للحد من التلاعب في توزيعه وتحديد منطقة معلومة لدى الأفراد بالبيع فيها فقط».

وأضاف معبر خلال حديثه: «وزارة التجارة تعمل دائما على حصر المتاجر التي تخالف النظام وتتهاون في رفع الأسعار ويتم وضع العقوبات، وبعد استنفاد لائحة العقوبات المالية يتم إنذار صاحب المنشأة برسالة على هاتفه بتكرار المخالفة ومن ثم يتم بعدها إغلاق المنشأة».

وتابع المعبر: «يتم تسجيل المخالفات بأسماء أصحاب المحال والمراكز التجارية ومواقعها وعدد المخالفات على أجهزة لوحية حديثة مبرمجة يحملها كل مندوب في الميدان، ويثبت في الجهاز أسعار السلع ويتم تحديدها وفق القيمة الشرائية لها، ولا تتدخل اللجان في تحديد السعر لأي من السلع المعروضة، إلا في حالة السلع المدعومة من الدولة، كما تحرص لجان المتابعة على ملاحظة عدم تجاوز الأسعار التي حددتها تسعيرة وكالة شؤون المستهلك بوزارة التجارة».

أمام ذلك، يواجه أصحاب المنشآت الكبيرة في أسواق المواد الغذائية تخوفات من تذبذب الأسعار، التي يرجعونها إلى بلد المنشأ والمنافسة المحمومة في السوق المحلية بين الموردين ومنافذ البيع الداخلية.

وأشار فهد السدحان وهو مسؤول في إحدى أسواق المواد الغذائية في السعودية، إلى خشية أصحاب الأسواق الكبيرة على سمعتهم حول تمسكهم بالأسعار والبعد عن التلاعب بها أكثر من المتاجر الصغيرة، مبينا أن أصحاب المتاجر الصغيرة يجلبون سلعهم من المتاجر الكبيرة (الهايبر) في مواسم العروض لكي يبيعوا تلك السلع التي تسري عليها العروض بأسعارها الطبيعية وذلك لغرض التكسب.

وكانت مصلحة الإحصاءات العامة السعودية نشرت في أحدث تقاريرها حول التغير النسبي الشهري للمواد الغذائية والحيوانات الحية تسجيل ارتفاع بلغت نسبته 0.6 في المائة متأثرا بالارتفاعات التي سجلتها خمسة من الفصول العشرة المكونة له، كان من أبرزها فصل الخضراوات والفواكه بنسبة 2.7 في المائة متأثرا بالارتفاعات التي سجلتها بعض البنود المكونة له، ومنها الطماطم بنسبة 13.5 في المائة، والبصل بنسبة 10.4 في المائة، والتمر بنسبة 2.9 في المائة.

كما سجل الرقم القياسي العام لأسعار الجملة لشهر يونيو (حزيران) 2013 ارتفاعا بلغت نسبته 1.2 في المائة مقارنة بما كان عليه خلال شهر يونيو من العام السابق 2012، وكان ذلك محصلة للتغيرات التي طرأت على مكونات الرقم القياسي لأسعار الجملة.

وتسعى وزارة التجارة السعودية من خلال حملات توعوية إلى حماية حقوق المستهلكين، وتعريفهم بها، ومخالفة أي تلاعب أو احتيال يمارس من قبل المحال التجارية عليهم، وتطبيق الأنظمة بحقهم، حيث نفذت حملات توعوية للمستهلكين خلال الفترة الماضية، ومنها حملة «لا تسأل بكم» والمتعلقة بإلزام المحال التجارية بوضع بطاقة السعر على السلع المعروضة، و«نعتز بلغتنا» التي تلزم المحال أيضا بكتابة فواتير البيع باللغة العربية، ومنع عبارة «البضاعة المبيعة لا ترد ولا تستبدل» التي تفرض على المنشآت التجارية رد القيمة للسلع المعيبة، أو إصلاحها، أو استبدالها.

وكان الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة قد أكد في وقت سابق أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين لوزارته تقضي بمتابعة شؤون المستهلك ومراعاة توفير السلع والخدمات بأسعار متاحة للجميع، مؤكدا على عدم التهاون مع من يحاول احتكار السلع أو المبالغة في أسعارها، أو يلجأ إلى أي صورة من صور الغش التجاري، والمبادرة بكل حزم إلى إيقاع الجزاءات الرادعة على كل من يخالف الأنظمة واللوائح والتعليمات.

ويشار إلى أن الأسواق السعودية تشهد تزاحما سنويا في مثل هذا الوقت نظرا لتوفير المستلزمات الرئيسة من المواد الغذائية خلال شهر رمضان، في حين يعمد فيه بعض التجار إلى رفع أسعار بعض المواد الغذائية، التي يكثر عليها الطلب بحجة قلة المعروض وكثرة الطلب، وارتفاع الأسعار من قبل الموزع أو الوكيل، الذي يجبرهم على رفع السعر لتعويض قيمة شرائهم.