العاملات المنزليات «كابوس» الأسر السعودية

«يبكون منهن.. ويبكون عليهن»

إحدى العاملات الآسيويات في أحد المنازل («الشرق الأوسط»)
TT

«يبكون منها.. ويبكون عليها»، هكذا هو حال آلاف العائلات السعودية مع العاملات المنزليات.

فمع التضييق الذي تمارسه دول تصدير العمالة لفرض قيود إضافية لصالح العاملات، أصبح وجودهن عملة صعبة، ويشكل الطلب عليهن «أزمة» حقيقية، في المقابل، وبسبب عدد من المخالفات الجنائية التي يصنف بعضها بالجرائم، قامت عاملات بارتكابها من بينها التعدي على الأطفال، أصبح القلق يساور كل بيت.

ويبلغ عدد العمالة المنزلية في السعودية نحو مليون، في حين يقدر حجم الإنفاق عليها بنحو 20 مليار ريال سنويا. وقد باتت العاملات المنزليات يمثلن كابوسا حقيقيا لدى الأسر السعودية. غيابهن أزمة، وحضورهن قلق. خاصة بعد أن لجأت مكاتب الاستقدام لجلب عمالة بشكل عشوائي غير مدربة وغير مهيأة للتعامل مع عائلات لديها أطفال.

ووافق مجلس الوزراء في جلسه الأسبوع الماضي على لائحة عمال الخدمة المنزلية لتكون بذلك إطارا تنظيميا للعلاقة بين صاحب العمل من جهة، وعامل الخدمة المنزلية، من جهة أخرى. وتتضمن اللائحة بيان واجبات وحقوق كل منهما في علاقاتهما التعاقدية، وتستحدث آلية للتسوية والفصل في المطالبات المالية الناشئة بين عمال الخدمة المنزلية وأصحاب العمل ومخالفات اللائحة ذات الطابع غير الجنائي.

وشهدت البلاد في الفترة الماضية ارتفاعا في عدد الجرائم التي كان أغلبها موجها ضد الأطفال قامت بها عاملات منزليات لم يجر اختيارهن بعناية. فقد هزت المجتمع خلال الشهر الأخيرة الجرائم التي ارتكبتها عاملات من جنسيات مختلفة وخصوصا من القارة الأفريقية، بعضها كانت فظيعة بينها جرائم نحر للأطفال أو ضرب حتى الموت بآلات حادة أو حتى الشنق بطرق مختلفة، بعد أن كانت الجرائم حتى قبل سنوات قليلة تتوقف عند وضع السم في المأكولات أو المشروبات للأطفال. وكانت من أبرز الجرائم التي حصلت من قبل عاملات أفريقيات وتحديدا من الجنسية الإثيوبية، بينها حالات نحر لثلاث طفلات إحداهن من الجنسية السورية، خلال فترة زمنية قصيرة. حيث قتلن بدم بارد وبطرق شنيعة تقشعر منها الأبدان.

* رعب في البيت..!

* «الشرق الأوسط» فتحت ملف جرائم العاملات المنزليات حيث بحثنا عن المسببات والحلول الممكنة..

تقول الدكتورة نهاد الجشي، عضو مجلس الشورى السعودي أن هذه الظاهرة باتت تمثل قلقا حقيقيا وخطرا جديا يهدد المجتمع السعودي، وخصوصا في الفترة الأخيرة، حيث إن الجرائم التي حصلت يندى لها الجبين ولكن لا يمكن القيام بحلول متسرعة في هذا الجانب وخصوصا من حيث منع جلب الخادمات أو العاملات أو حتى المربيات كون هناك حاجة حقيقية لهن من قبل بعض الأسر وخصوصا الأسر التي تعمل فيها المرأة، وبالتالي تحتاج إلى من يرعى أطفالها ويحفظ بيتها أثناء وجودها بمقر عملها.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» من المهم أن تحصل علاقة تنظيمية واضحة في هذا الموضوع من حيث إن تواجد العاملة أو المربية لعدد ساعات محددة في اليوم بالمنزل ثم تغادره، بحيث لا تنام في منزل الأسرة، وفي الفترة الأخرى هناك تحركات تتعلق بتأجير العاملات بنظام الساعات تقوم به شركات الاستقدام والتي يمكن أن توفر سكنا للعاملات بعد أن تغادر منزل مستأجرها من البيوت السعودية وتعود في اليوم التالي حسب الاتفاق.

وأضافت الجشي: «حين تبقى العاملة في منزل السعودي على مدار الساعة ومطلوب منها أن تصحو مع ظهور الشمس والنوم في ساعة متأخرة من الليل بحيث توكل لها كثيرا من المهام خارج طاقتها، فهذا من الأسباب الرئيسية لجعل العاملة تحس بنوع من الظلم كونها تعمل أكثر من ضعف الساعات التي يتوجب أن تعمل فيها ولا تنال الإجازة الكافية وخصوصا أن هناك من يقوم باستئجار العاملات المنزليات بشكل غير نظامي للعمل مع أسر لمدة 16 ساعة يوميا بحيث تنتقل من بيت لآخر للاستفادة منها، فهذا بالتأكيد يجعل العاملة تشعر بالظلم، وقد يجعلها ترتكب جريمة بشعة وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يبرر من قبل العاملة، ولكن هي في النهاية ردة فعل انتقامية، خصوصا في حال تعرضها لسوء تعامل من قبل الأسرة التي تعمل لها أو من قبل مكفولها وتحديدا الشركة التي جاءت من خلالها للعمل بالسعودية».

وشددت الدكتورة الجشي على ضرورة أن لا تبقى العاملة المنزلية في بيت العائلة طوال اليوم لتعرف كل صغيرة وكبيرة في هذا المنزل، بل يتوجب أن يتم تفعيل نظام العمل بالساعات بحيث تذهب العاملة لعملها في المنزل كما تذهب الطبيبة أو الممرضة أو غيرها إلى جهة عملها في المستشفيات لمدة عدد ساعات محددة تعود بعدها لمقر سكنها.

واعتبرت الجشي أن هناك من الأسر من يجعل العاملة المنزلية تقوم بكل شيء من تنظيف وحضانة وغيرها وتكون هناك قسوة وجفاء في التعامل معها، وهذا بالتأكيد من العوامل السلبية التي تسهم في الجرائم المرتكبة مطالبة بأن يتعزز وجود دور الحضانة والرعاية النهائية مثلا لأبناء الموظفات وأن يتقلص قدر الإمكان الاعتماد على العاملات المنزليات اللاتي تبقين في المنزل طوال اليوم لأن ذلك يمثل خطرا داهما بل دائما.

* التأهيل أولا

* من جانبه قال الدكتور محمد النعيمي، المحاضر الدولي المعتمد في مجال التنمية البشرية وعلم النفس أن الأسباب التي جعلت من العاملات المنزليات يمثلن كابوسا في منازل الأسر في السعودية يعود إلى عدة أسباب أبرزها ضعف الوازع الديني لدى العاملات، خصوصا أن هناك عاملات تأتين للسعودية من دول ينتشر فيها القتل والسحر وغير ذلك مما يجرد الرحمة الإنسانية من العاملات ويجعلهن يرتكبن جرائم فظيعة كما حصل عدة مرات في الفترة الأخيرة.

والأمر الآخر، هو سوء معاملة بعض الأسر للعاملة وجعلها دائما في موقف تحتاج فيه لرد الاعتبار المعنوي على الأقل نتيجة الإهانات التي تلقاها وهناك كثير من قضايا القتل التي قامت بها عاملات كانت مبرراتها أن الأسرة أو أحد أفرادها يعاملونها بطريقة غير لائقة ولذا يتوجب أن يكون هناك تعامل إنساني مع العاملة مع وضع حدود وضوابط للتعامل معها، بحيث لا تكون العاملة وكأنها أحد أفراد الأسرة وهناك فرق شاسع من أن يتم التعامل معها بطيبة وبأخلاق إسلامية حميدة وما بين أن يتم اعتبارها أحد أفراد الأسرة مع أن هناك عاملات وصلن إلى هذا الحد من تعامل الأسر، خصوصا ممن قضت سنوات طويلة وكان مشهود لها دائما بالسلوك الحسن.

واستبعد النعيمي أن تكون نسبة من يحضرون من العاملات ويرتكبون جرائم ممن يعانون من أمراض نفسية، مؤكدا أن هناك نسبة كبيرة من الجرائم تبرر من قبل العاملات بأنها بهدف الانتقام نتيجة سوء المعاملة.

* حقوق الإنسان: التأهيل النفسي!

* من جانبه عبر رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، عن صدمته من زيادة نسبة العنف عند العاملات المنزليات، متعجبا من الوحشية الشديدة التي تعاملت بها خادمات ضد أطفال بدواع مختلفة.

وشدد القحطاني على ضرورة وجود نوع من التنظيمات التي لا تسمح بوجود أي عمالة منزلية إلا بعد فحصهن نفسيا، بحيث لا تبدأ العمل قبل تجاوز ذلك كما يشترط أن تتجاوز الفحص الطبي للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية حتى تمكن من الاستفادة منها. وقال: «لا بد أن نرفض بشدة استقدام أي أحد من ذوي الأمراض والسوابق».

واعتبر أن مكاتب وشركات الاستقدام المعتمدة تتحمل كثيرا من المسؤولية في هذا الجانب كما أن اتحادات العمالة المصدرة في بلادها تتحمل جزءا كبيرا من المشكلة.

وبين أن هيئة حقوق الإنسان قامت بعمل رصد لبعض الحالات وتم التأكد من أن هناك كثيرا لا يتمتعن بالقدرة العقلية للتعامل مع الأطفال. وهذا سبب التعامل معهم بطريق الانتقام في الغالب مع أنهم أبرياء من تصرفات أسرهم أو حتى ما يقوم به الأطفال من تصرفات يقع في خانة البراءة.

واستغرب من خلق مبررات لوحشية بعض الخادمات من سوء وجفاء الأسرة، حيث لا يمكن الربط بين العاملين بشكل مباشر، فالجرائم التي ارتكبت من قطع للرأس أو نحر أو ضرب بآلات حادة حتى الموت لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.

وشدد القحطاني على أن حقوق الإنسان دائما ما تقف مع العاملات وتطالب بعدم التعدي على حقوقهن، ولكن ما يحصل من قبل بعض العاملات من جرائم يجعل البوصلة تتجه نحو الوقوف بجانب الأسر التي تتعرض إلى جرائم من قبل العاملات، وهذا أمر طبيعي ولكن في نهاية الأمر يتوجب أن يتم وضع حلول ناجعة لنهاية هذه المشكلات المفجعة.

من جانبها قالت عالية الفريد، الناشطة في حقوق الطفل والعضو السابق في جمعية حقوق الإنسان واللجنة النسائية في غرفة الشرقية أن العنف الذي يتعرض له الأطفال من قبل العاملات المنزليات قد يكون نتيجة الانتقام من قبل العاملات ضد أسرة هذا الطفل والذي يكون عادة هو الحلقة الأضعف التي يمكن للعاملات أو غيرهم يقومون بتعنيفه في ظل عدم المقدرة على مجابهة أفراد الأسرة الكبار أو البالغين الذين يصعب الانتقام منهم، ولذا من المهم أن يلقى الطفل عناية مباشرة من الأهل ولا يعتمد على العاملات المنزليات أو حتى المربيات أن يكونوا مكان الأم بالنسبة للطفل، لأن ذلك من الأسباب الأساسية ليكون الطفل لقمة سائغة للانتقام من قبل العاملات في حال تعرضن لسوء معاملة من أحد أفراد الأسرة.

وعاد رئيس هيئة حقوق الإنسان ليؤكد أن مشكلة عنف الخادمات غير المبرر لن تنتهي إلا إذا قامت شركات الاستقدام بدورها في انتقاء العمالة المتزنة نفسيا وعقليا ويتم التوسع في إنشاء الحضانات حتى تكون منفذا للأسرة لوضع الأبناء حال غياب الأم العاملة عن المنزلية.

وأخيرا قال المهندس هاني العفالق رئيس مجلس أحد كبرى شركات الاستقدام الحديثة في المنطقة الشرقية إن جلب عاملات يؤدي لمزيد من الصداع لأصحاب المكاتب، خصوصا أن الدول المتاح الاستقدام منها ليست مريحة كثيرا بالنسبة لشركات ومكاتب الاستقدام التي ترى ضرورة أن يتم تفعيل اتفاقيات مع دول في شرق آسيا خصوصا أن هناك تجاربا ناجحة لأسر سعودية مع عاملات من شرق آسيا فيما يتأكد يوما بعد يوم أن خيار جلب العاملات من بعض الدول الأفريقية ليس خيارا مناسبا، وبكل تأكيد فتح المجال بشكل أوسع لجلب عاملات من شرق آسيا من خلال تفعيل الجهات الحكومية السعودية ذات العلاقة الاتفاقيات مع الدول سيكون لها دور فعال في التخلص من نسبة كبيرة من الجرائم التي ترتكب وكانت أحد الجنسيات الأفريقية للأسف هي العنوان الأبرز لها.

وشدد العفالق على أن شركات الاستقدام تسعى لتنظيم بيئة عمل مناسبة، بحيث يكون هناك دوام محدد للعاملات وتتوافر لهم حقوق من بينها التأمين الطبي وساعات العمل المحددة يوميا والإجازات الأسبوعية وغير ذلك ولكن لم تحن البيئة المناسبة لبدء تنفيذ هذا الأمر حتى الآن بالنسبة لهم كشركة عمالية كبرى فهم يفكرون بالعواقب قبل الإيجابيات والمكاسب.