أعمال التوسعة تنجز من دون التأثير على شعائر زوار المسجد الحرام في مكة المكرمة

أمين رابطة العالم الإسلامي: مشروع خادم الحرمين يراعي ارتفاع عدد الحجاج مستقبلا

جموع المصلين يغادرون المسجد الحرام بعد تأدية صلاة الجمعة الماضية (تصوير: أحمد حشاد)
TT

تشهد مكة المكرمة عددا واسعا من الزوار والمعتمرين خلال رمضان. القصة لا تقف عند هنا وحسب، فهذا ما يتكرر كل عام. بل تأتي توسعة خادم الحرمين الشريفين التي انطلقت منذ العام الماضي علامة فارقة لموسم العام الجاري، وما سيعقبه من أعوام متبقية على توسعة المسجد الحرام الواسعة التي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بها، إذ يوفر المشروع فسحة تزيد بشكل واسع عن ذي قبل.

وفي الوقت نفسه، بني مطاف مؤقت على شكل دورين ليساهم في تخفيف الازدحام، ويجد الزائر لمكة المكرمة أن منطقة المسجد الحرام تحولت إلى ورشة عمل ضخمة، تعمل أربعا وعشرين ساعة.

ويلحظ المترددون على مكة المكرمة اختلاف المداخل والمخارج القريبة من أعمال التوسعة، في حين اتخذت الجهات الرسمية البدائل المرورية ومداخل ومواقيت دخول وخروج الحافلات وسيارات الأجرة، بما يتناسب مع التغييرات الطارئة، التي يبنى على أساسها، تحقيق الهدف الأكبر من، وهو إنجاز أعمال التوسعة، وتوفير الراحة لضيوف الرحمن حتى تنجز التوسعة أيضا.

يقول الحاج محمد الغالي الذي قدم من الجزائر «أعجب من المعدات الضخمة التي لا تقف أبدا، حتى أنه يتراءى لي أن العاملين لا ينامون، لولا أني أمر في مختلف أوقات اليوم لأرى وجوه العمال تتغير، في حين تظل الآليات والمعدات تعمل بلا كلل».

وأوضح وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة المساعد للتطوير والتقنية الدكتور إبراهيم الحربي أن الشعور بالأمان والأمن وتحقيق التقدم مرتبط بمفهوم تعظيم المقدسات الذي يعد رسالة أمن عالمية يقدمها إنسان العاصمة المقدسة للعالم، واصفا مشروع تعظيم البلد الحرام بأنه ثمرة من ثمرات الوفاء لأطهر وأقدس البقاع.

وأفاد الدكتور الحربي أن دائرة التأثير لتعظيم البلد الحرام تتجاوز مفهوم المكان إلى دائرة الإنسان بمختلف الانتماءات، مبينا أن مكانة مكة المكرمة فاعلة ومؤثرة ومتحركة بسبب حركة الإنسان مما يستوجب إصلاح حركته وعدم التهاون في ذلك، مؤكدا أن العناية بإنسان مكة المكرمة من خلال تأصيل قيم تعظيم البلد الحرام والتي على أساسها ستخرج قادة مهرة يتجهون نحو البناء والمشاركة الفاعلة في التنمية.

وأكد وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة المساعد للتطوير والتقنية أن عناية البلد الحرام بيد حكومة رشيدة تستشعر مكانة البيت الحرام وعظمته وتحرص دوما على العناية بالمقدسات، مثمنا الدعم المباشر والمتابعة المستمرة من الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة للمسجد الحرام، بمشاركة الأجهزة الحكومية التي تسعى لتحقيق الغاية من مشروع تعظيم البلد الحرام.

وأضاف أن المشروع الذي أصبح يسابق الزمن لتحقيق معاني التعظيم في نفوس سكان مكة المكرمة وقاصديها يعد اجتماعيا بالدرجة الأولى وغايته الأسمى تصحيح السلوك ومعالجة السلبيات بالطرق العلمية المنهجية، منوها أن المشروع يسعى ليكون إنسان المكان أنموذجا حضاريا في المحافظة على الأمن وطهارة البيئة وحسن التعامل وتمييز الخدمة وتأصيل طهر المكان وقدسيته، وكذلك العمل ليصبح مجتمعها مثالا يحتذى به في الحفاظ على الأرواح والممتلكات ويعزز مبدأ حسن التعامل مع الآخرين والاهتمام ببيئتهم وتطهيرها وإعمارها.

وفي زاوية موارية لباب الملك عبد العزيز، تتناول سلمى الموري وهي معتمرة مصرية تعمل طبيبة في السعودية وجبة إفطارها المكونة من تمرات وماء زمزم وحسب. وتقول: «دأبت على الاعتكاف طيلة شهر رمضان، لعل الله يعوضني خيرا في الجنة، ولذلك لا أتمتع بإجازة سنوية طويلة كشهر رمضان، وألحظ التغير هذا يصنع فارقا في كل شيء، بداية في الازدحام المروري وانتهاء بالطواف أمام الكعبة المشرفة؛ نرجو أن تتيسر أعمال البناء ليكون المكان أكثر فسحة واتساعا لضيوف الرحمن».

من جهته أوضح الدكتور طلال أبو النور وهو المشرف العام على مشروع تعظيم البلد الحرام أن المشروع يرمي إلى تفعيل دور المجتمع في إشاعة التراحم والتواصل والإحسان فيما بين الناس لينعم الجميع بالأمن ورغد العيش، مبينا أن المشروع يتبنى عدة برامج منها برنامج «شباب مكة في خدمتك» وهو برنامج يشارك فيه عدد من الشباب في شهر رمضان المبارك وموسم الحج بهدف خدمة الزوار والمعتمرين والحجاج، حيث يعنى هذا البرنامج بخدمة الزوار والحجاج التائهين وإرشادهم لمقار سكناهم وكذلك العناية بالحجاج المرضى والمتوفين في المستشفيات إلى جانب تقديم الخدمات الإسعافية داخل محيط الحرم المكي الشريف والتوعية بحق الطريق والعمل على توعية الحجاج بالتعاون مع هيئة المسجد الحرام التابعة لشؤون الحرمين.

وزاد الدكتور أبو النور أن مجموعة من الشباب تتولى توزيع حقيبة مجانية على ضيوف الرحمن تحمل مسمى «حقيبة التعظيم»، وتحتوي على مجموعة من المنتجات العلمية والإعلامية التي تشرح وتبين ثقافة التعظيم وترفع من مستوى الوعي في آداب البلد الحرام، مبينا أن أنشطة وبرامج المشروع تهدف إلى تحقيق التعاون مع مختلف القطاعات الحكومية والأهلية المشاركة في فعاليات خدمة الزوار والمعتمرين والحجاج إضافة إلى إبراز الصورة المشرقة لأهل البلد الحرام عند الزائرين والوافدين وتهيئة الأجواء الملائمة للمعتمرين والحجاج لأداء مناسكهم بسهولة ويسر.

وبين المشرف العام على المشروع أن نحو 3 ملايين شاب استفادوا من برنامج شباب مكة في خدمتك الذي قدم مليوني ساعة خدمية لقاصدي وسكان مكة المكرمة، واستهدف شريحة الشباب السعودي لبناء قدراتهم وتحسين هيئتهم أمام قاصدي بيت الله الحرام وتوظيفهم لخدمة المعتمرين والحجاج ليصبحوا نماذج مضيئة، كما استفاد منه أكثر من 41 ألف رجل أمن حصلوا على دورات التعظيم، كما أن عدد المستفيدين من حملة الطهر والنظافة تجاوز 88 ألف مستفيد، كذلك قدم المشروع خدمات وفادة لأكثر من 13 ألف حاج ومعتمر وأشرك 10 آلاف طالبة جامعية في حملة جامعتي قطعة من أرض الحرم.

من جانبها، أعربت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي عن تقديرها وتقدير المراكز والهيئات والمؤسسات الإسلامية التابعة لها في العالم لرعاية المملكة العربية السعودية وعنايتها بالحرمين الشريفين وحرصها على تطوير الخدمات فيهما وفي المشاعر المقدسة عاما بعد عام وفق خطط ودراسات تلبي طموح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تحقيق الراحة واليسر والسهولة والسلامة للحجاج والمعتمرين.

جاء ذلك في بيان أصدره الدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أشاد فيه بالمشروعات التي تم تنفيذها لتحقيق راحة الحجاج وأمنهم وسلامتهم ومنها جسر الجمرات وتوسعة المسعى والساحات حول الحرم والطرق المؤدية إليه.

ونوه التركي بمشروع خادم الحرمين الشريفين لزيادة الطاقة الاستيعابية للمطاف، وما سيحققه من تيسير في أداء مناسك الحج والعمرة، وعده نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين والزوار.

وقال: إن الزحام الشديد في المطاف أوجب العمل على توسعته لحل مشكلة الزحام والتدافع فيه وما ينتج عن ذلك من ضرر، ولتيسير الطواف للحجاج والمعتمرين، وأشار إلى أن مشروع خادم الحرمين الشريفين سيحقق زيادة مساحة في الحرم وتوسعة مطافه، مما يحتاج إلى وقت كاف لإنجازه، مؤكدا أن من يشاهد أعمال التوسعة وورشها العملية المتعددة يدرك ضخامة هذا العمل الذي ينفذ على مدار الساعة دون توقف.

وأوضح الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن هذا المشروع ينطلق من رؤية بعيدة النظر لقادة المملكة التي تراعي ازدياد عدد الحجاج في المستقبل تبعا لارتفاع عدد المسلمين.

وأضاف أن إنجاز هذا المشروع الطموح يتطلب خفض أعداد الحجاج والمعتمرين حتى يتم الانتهاء من أعمال التوسعة والتطوير داخل المسجد الحرام، وفي ذلك مصلحة ضرورية للمسلمين كافة، ورابطة العالم الإسلامي والمكاتب والمراكز والمنظمات الإسلامية ترى أن المصلحة تستدعي اتخاذ هذا الإجراء وهو تخفيض نسبة حجاج الخارج إلى 20% وحجاج الداخل إلى 50% وأن هذا الإجراء المؤقت سينتهي مع اكتمال أعمال التوسعة بمشيئة الله تعالى.

ومضى الدكتور التركي يقول إنه ينبغي على كل مسلم داخل المملكة وخارجها أن يدرك حجم هذه التوسعة والهدف منها وضرورة إنجازها وأهميتها في المستقبل، وأن يسهم في فسح المجال لغيره ممن لم يحج من قبل، حتى تتحقق الأهداف التي تسعى إليها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في رعاية الحجاج والمعتمرين والحرص على أمنهم وسلامتهم وأداء مناسكهم في يسر وسهولة.

ومن المقرر أن يبلغ استيعاب المسعى في توسعة خادم الحرمين الشريفين في الساعة الواحدة 118 ألفا في الوقت الذي كان يستوعب فيه سابقا 48 ألف ساع بحسب الأرقام المتوفرة من الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين.

ويتكون مشروع التوسعة من أربعة طوابق، فهناك قبو مخصص للعربات، وطابق أرضي، وطابق أول وثان، طولهما 350 مترا، وعرضهما 21 مترا.

وأنجز المشروع على مرحلتين من ثلاثة طوابق بالإضافة إلى الميزانين، للسعي، متصلة مباشرة بأدوار التوسعة السعودية الأولى للحرم.

ويرتفع دور السطح للسعي الجديد عن الأدوار الحالية للحرم، ويتصل عبر سلالم كهربائية متحركة ومصاعد، فضلا عن جسور علوية بديلة عن المزالة سابقا.

كما يشمل المشروع على توسعة منطقتي الصفا والمروة بشكل يتناسب مع التوسعة العرضية والرأسية، وركبت أربعة سلالم كهربائية جديدة ناحية المروة، تستخدم لتفريغ المسعى من الزائرين، بديلة عن مباني السلالم الكهربائية جهة الصفا والمروة؛ مما يؤدي إلى زيادة في المساحة الكلية للمسعى من 29.4 ألف متر مربع للوضع الحالي؛ لتصبح 72 ألف متر مربع بعد التوسعة. ويؤمن ممرات سعي كل مستوى علوي في الدورين الأول والثاني لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة، مع توافر مناطق للتجمع عند منطقتي الصفا والمروة، وتبلغ مسطحات البناء الإجمالية بكافة الأدوار لمناطق السعي والخدمات نحو 125 ألف متر مربع.. كما تم تركيب وإنشاء عدة أجهزة لترطيب الهواء في الساحات الخارجية على الساحة الغربية، بالإضافة إلى زيادة عدد اللوحات الإرشادية الخاصة بمداخل ومخارج المسجد الحرام، وبذلك تصبح الطاقة الاستيعابية للمسعى الجديد 118 ألف ساع في الساعة.