11 توصية لمنهجية قياس أداء الأجهزة الحكومية السعودية

مختصون لـ «الشرق الأوسط»: بعض الجهات لا تقتنع بالتقييم

قياس الأداء منهج علمي تطبقه السعودية على أجهزتها الحكومية لضمان جودة الخدمات والفاعلية («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت دراسة سعودية حديثة عن 11 توصية وضعت كمنهجية علمية لقياس أداء الأجهزة الحكومية وتحديد مدى فاعليتها، والعمل على بناء منظومة متكاملة مدعومة بالبرامج المتطورة لقياس أداء أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي في السعودية.

وأفصح الدكتور مشبب القحطاني مدير عام مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية لـ«الشرق الأوسط» بأن فكرة قياس الأداء الحكومي لا تزال غير واضحة، مشيرا إلى أن بعض الأجهزة الحكومية ليس لديها القناعة بعملية القياس أصلا، الأمر الذي دعا مركز قياس الأداء لعمل مسح يمثل جميع الأجهزة الحكومية التي تصدر لها ميزانية مستقلة ضمن قوائم وزارة المالية التي يبلغ عددها 175 جهازا حكوميا.

وقال مدير عام مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية: «تواصلنا مع تلك الجهات لتطبيق الأداة المسحية ومعرفة أساليب قياس الأداء الحالي في الأجهزة الحكومية، وتم توزيعها على عدد من الأجهزة الحكومية تشمل الوزارات والمؤسسات العامة والمصالح الحكومية والهيئات وإمارات المناطق بما يتفق وضمان توفير المناخ التجريبي السليم. ولم يتم اختيار أجهزة ومنظمات حكومية محددة لتمثل عينة الدراسة الميدانية ولكن تم اعتماد أسلوب الحصر الشامل بحيث يشمل جميع الأجهزة الحكومية التي استجابت مع الأداة المسحية قبل بدء هذه الدراسة وبلغ عددها 101 جهاز حكومي».

وأوضح الدكتور القحطاني، أن الدراسة احتوت مؤشرات محددة تصف مستوى الأداء المتوقع من أجهزة القطاع الحكومي من أنشطة ومهارات أدائية قابلة للقياس، والملاحظة التي يجب أن يصل إليها الجهاز الحكومي لتحقيق الخدمات المطلوبة، وبالتالي تحقيق المستوى المعياري المنشود.

بين القحطاني أن مؤشرات الأداء في القطاع الحكومي بمثابة استراتيجية لتحقيق لأهداف والنتائج، ومؤشر قوي للنجاح أو الإخفاق التنظيمي، مفيدا أن مؤشرات القياس تبين صحة الجهاز الحكومي، كما هو الحال في تشخيص وعلاج صحة الأفراد، لهذا تعتبر بمثابة الترمومتر الطبي للجهاز الحكومي حيث قياس التشخيصات المتنوعة لصحة الجهاز ونجاحه في أداء مهامه على الوجه المطلوب، مبينا أن مؤشرات قياس الأداء بمثابة مقاييس تستخدم للتأكد إلى أي مدى نجح الجهاز الحكومي في تحقيق أهدافه وأيضا للمساعدة في إحراز التقدم اللازم، ومن خلالها يتم التعرف على قدرة الجهاز الحكومي على تحقيق أهدافه المحددة وتحديد مؤشرات قياس الأداء بناء على معايير تحددها طبيعة مهام ونشاطات أجهزة القطاع الحكومي.

وأشارت الدراسة إلى أن 63 جهازا حكوميا قد استخدمت منهجية واحدة على الأقل من منهجيات قياس الأداء الرئيسة بخلاف تقارير الإنجاز السنوية، أي لم تعتمد فقط على تلك التقارير، وكان النصيب الأكبر في استخدام منهجية محددة بخلاف تقارير الإنجاز السنوية لمجموعة «المنظمات ذات الجاهزية المنخفضة»، حيث بلغت نسبتها 68 في المائة من إجمالي 62 جهازا حكوميا، وهي نسبة تزيد على ضعف معدل «المنظمات ذات الجاهزية العالية»، في حين بلغت نسبة «المنظمات ذات الجاهزية العالية» في استخدام منهجية محددة بخلاف تقارير الإنجاز السنوية 32 في المائة من إجمالي 62 جهازا، ومن بين المنظمات الـ62 التي أفاد التقرير استخدامها لمنهجية محددة كانت 63 في المائة، في حين استخدمت 26 في المائة بطاقات قياس الأداء، كذلك لوحظ ارتفاع نسبة استخدام منهجيات القياس المحددة داخل «المنظمات ذات الجاهزية المنخفضة»، بمعنى أن 76 في المائة من 42 جهازا استخدمت مؤشرات قياس الأداء مقارنة بـ36 في المائة من تلك المنظمات التي استخدمت بطاقات قياس الأداء.

وفيما يتعلق بالفاعلية الشاملة للمنهجية المعتمدة لقياس الأداء، فقد تم تحليل آراء المشاركين من حيث الاستجابات التي ترد منهم حيث تعتقد نسبة ضئيلة تبلغ 6 في المائة من المشاركين أن الأجهزة الحكومية التي يعملون بها تعتمد منهجية «ممتازة» لقياس الأداء، بينما يرى الغالبية العظمى وهم أقل قليلا من ثلثي الأجهزة الحكومية المشاركة، أن المنهجية التي تعتمدها منظماتهم لقياس الأداء إما أن تكون كافية 35 في المائة أو جيدة 31 في المائة، في حين يرى أقل من ثلث المشاركين 25 في المائة تقريبا أن منظماتهم تعتمد منهجية محدودة وأخيرا يرى فقط 3 في المائة أن المنهجية المستخدمة «منعدمة القيمة».

واعتبر الدكتور القحطاني أن هذه الدراسة تهدف بصورة أساسية إلى التعرف على واقع ممارسة قياس الأداء في القطاع الحكومي في السعودية، من خلال البحث عن مدى جاهزية الأجهزة الحكومية في قياس الأداء وعن منهجيات القياس المستخدمة في أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي محل الدراسة. إضافة إلى الكشف عن دور الجهات الحكومية في تصميم منهجية قياس الأداء، وتحديد العوامل المؤثرة في التصميم، وكذلك أسباب تبني القياس في القطاع الحكومي، ومعدل تكرار القياس والمراجعة، وتحديد مدى فاعلية المنهجية المعتمدة لدى الجهاز الحكومي، وكل ذلك للمساهمة في تحديد المنهجية الأفضل والملائمة للتطبيق لتبنيها والعمل على بناء منظومة متكاملة مدعومة بالبرامج المتطورة لقياس أداء أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي.

وأفاد القحطاني أن عملية قياس الأداء في القطاع الحكومي على مستوى الإدارات العليا والتابعة لها، ويتم النظر إلى الأداء على مستوى الجهاز الحكومي من خلال تشخيص مدى تحقق الرؤية والرسالة والأهداف الاستراتيجية للجهاز الحكومي، وكذلك على المستوى التشغيلي وهو المستوى الذي تتم فيه العمليات، وينظر للأداء على مستوى العمليات والأنشطة في بيئة عمل الجهاز الحكومي الداخلية ومدى ملاءمتها لتحقيق الأهداف المرجوة، وأيضا مستوى الموارد البشرية.

وزاد، «لم يعد قياس الأداء وممارسته في القطاع الحكومي ترفا، بل أصبح ضرورة ملحة لتحسين وتجويد الخدمات المقدمة، وبالاطلاع على أفضل التجارب والممارسات العالمية، نجد أن النجاحات التي تحققت في القطاع الحكومي خلفها قياس أداء مؤسسي فاعل، وإذا كانت قضايا التنمية الإدارية بحاجة إلى التركيز على تشخيص أهم تحديات التغيير وقضايا التنمية الإدارية وبناء رؤية تتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبل، وإذا كنا نهدف إلى تعزيز الاهتمام بقضايا التنمية الإدارية المتعددة في ظل المتغيرات المؤثرة على تطورها، من خلال مناقشة قضايا ومشكلات التنمية الإدارية وسبل معالجتها في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الحاجة لتفعيل دور الشفافية والرقابة والمساءلة في الأجهزة الحكومية وتعزيز مشاركة المواطن ومؤسسات المجتمع المدني في تطوير أداء أجهزة ومنظمات القطاع العام، وجب علينا تسليط الضوء على قضية من أهم قضايا التنمية الإدارية في مجتمعاتنا وهي قضية قياس الأداء في القطاع الحكومي من حيث ماهية القياس، أهميته، تاريخه، أدواته ومنهجياته، بالإضافة إلى دراسة الواقع الفعلي لقياس الأداء في القطاع الحكومي.

وتعرض هذه الدراسة النتائج الأولية للدراسة المسحية لقياس وإدارة الأداء التي تُجرى حاليا على أجهزة القطاع الحكومي في السعودية، إذ تمثل جزءا من دراسة تجريبية أشمل تحاول اختبار أحد مناهج القياس المقترحة والتحقق من مدى مصداقيتها في قياس عدد من جوانب الأداء في القطاع الحكومي، حيث يتمثل الهدف من هذه الدراسة في وضع أساس منهجي لقياس إنتاجية وفاعلية الجهاز الحكومي، بغية الوقوف على مستوى التطور في معدل الإنتاجية والفاعلية ومن ثم تشجيعها على تحقيق مستويات أفضل.

وترتبط الدراسة التجريبية الموسعة هذه بالجهود التي تُبذل حاليا من خلال مركز قياس الأداء في الأجهزة الحكومية ليتولى مهمة إعداد التقارير حول مستوى الأداء في منظمات القطاع الحكومي في الدولة، ومن ثم استخدام هذه المعلومات حيثما أمكن لتقديم المشورة حول سبل تحسين أداء تلك المنظمات. ويتم دعم مركز قياس الأداء في الوقت الحالي من قبل معهد الإدارة العامة وهو مؤسسة عامة تتولى مسؤولية تقديم التدريب المتخصص والمشورة في مجال الإدارة العامة للقطاعات الحكومية داخل البلاد.

وعند مقارنة أداء بعض أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي في السعودية أو بعض من الوحدات الإدارية المكونة لها مع الجهات المماثلة لها في النشاط سواء على المستوى الدولي أو مع القطاع الخاص المحلي، نلحظ بشكل عام ضعفا نسبيا في أداء ذلك القطاع الحيوي، فتولدت الحاجة الشديدة لوجود معلومات متنوعة عن عمليات قياس الأداء في القطاع الحكومي وأهمية الوقوف على الواقع الفعلي لقياس الأداء فيه بغرض تطوير وتحسين برامج ومنهجيات القياس أولا، التي تساعد في محاولات الارتقاء بالأداء ذاته وذلك للعمل على تحسين مستوى الخدمات المقدمة والمساهمة في منظومة التنمية المستدامة بكافة أشكالها الاقتصادية والاجتماعية، فكان من الضروري التركيز على معرفة وحصر المنهجيات المستخدمة في قياس الأداء في القطاع الحكومي ومعرفة المجموعات والعوامل المؤثرة في تصميم المنهجية المستخدمة داخل كل جهاز، وإلزامية البحث عن دور الأجهزة والمنظمات في القطاع الحكومي في تصميم منهجية قياس الأداء لديها، والكشف عن مدى تلقي المستفيدين من الخدمات لبيانات القياس بعد إجرائه، وأهمية تلك البيانات لهم، وكان من الضروري تحديد الأسباب التي دفعت أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي لتبني منهجيات محددة لقياس الأداء، ومدى الاعتقاد بفاعلية تلك المنهجيات في تحقيق الأهداف الخاصة بالجهاز الحكومي، وتحديد عدد المرات التي استطاعت فيها منهجية قياس الأداء التي تعتمدها الأجهزة الحكومية أن تُعد تقارير قياس لأغراض مختلفة، وعن كل غرض من الأغراض التي ترصد، كان من الضروري معرفة عدد المرات التي قام فيها مديرو الأجهزة بمراجعة تقارير القياس المعدة، وأخيرا البحث عن مدى مساهمة منهجيات قياس الأداء الحالية في الأجهزة الحكومية في رصد ومراقبة ومتابعة التطورات والتغيرات على نحو فعال في البيئة الداخلية والخارجية للأجهزة الحكومية وكذلك تحديد مدى الفاعلية الشاملة لمنهجية قياس الأداء المعتمدة.

وسرد القحطاني 11 توصية، جاءت كنتائج طبيعية توصلت إليها الدراسة وتتمثل في التركيز على منهجية واحدة لقياس الأداء في القطاع الحكومي وعدم التشتت بين عدد منها. الأمر الذي يضمن تقليل تكلفة القياس مع تعظيم إمكانية توظيف مخرجات القياس في إدارة الأداء، وعدم الاعتماد على تقارير الإنجاز السنوية لقياس الأداء في أجهزة ومنظمات القطاع الحكومي وضرورة الاعتماد على منهجيات تربط بين مستويات الأداء الاستراتيجي والتشغيلي وإدارة الأفراد، وأهمية مشاركة القيادات العليا في عملية تصميم منهجية القياس في الجهاز الحكومي لضمان وضوح الأولويات والأهداف، مع إشراك المديرين في الإدارة الوسطى في عملية تصميم منهجية القياس وتحديد المؤشرات الأساسية والقيم المستهدفة من عملية القياس.

وشدد على أهمية توحيد منهجية القياس على مستوى الجهاز الحكومي الواحد وبين الأجهزة الحكومية، وضمان اعتماد قياس الأداء في القطاع الحكومي على بيانات دقيقة وصادقة ومحددة المصادر داخل الجهاز الحكومي، وتوظيف مخرجات القياس وعكسها على أسلوب إدارة الأداء وعدم الفصل بين عمليتي القياس والإدارة في أجهزة القطاع الحكومي، وتعميم الدافعية لتبني القياس لتشمل أهدافا أعم وأشمل من المحافظة على سمعة الجهاز الحكومي إلى أغراض متعلقة بتحديد مجالات التحسين والتخطيط الاستراتيجي والرقابة والتحكم ونوعية الاتصال داخل الجهاز وتقييم المبادرات وتدعيم ثقافة المنظمة وتعزيز التعلم التنظيمي. وتوحيد فترات القياس والتركيز على القياس الربع والنصف سنوي أو السنوي، والتأكيد على أهمية المراجعة لنتائج القياس وربطها بفترات القياس، ومشاركة الجهاز الحكومي في تصميم منهجية القياس المستخدمة وعدم إسناد هذه المهمة إلى مستشار خارجي بالكلية، وأن يقتصر دور المستشار الخارجي على تيسير عملية التصميم.