المشاريع السعودية الحديثة.. تنوع في الدخل والمنافسة

دشنها خادم الحرمين الشريفين.. وتوفر الآلاف من الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة للمواطنين

يؤكد الخبراء توفير المشاريع المستحدثة لآلاف الوظائف للكوادر السعودية المؤهلة («الشرق الأوسط»)
TT

رفعت المشاريع التي دشنها خادم الحرمين الشريفين أول من أمس، من قدرة البلاد على تكوين قاعدة صناعية ضخمة، في ظل تجاوز حجم الاستثمارات 327 مليار ريال، وستكون شاهدا على مواصلة التنمية وتنويع مصادر الاقتصاد على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

وتضاف تلك المشاريع التي تتضمن مشروعات الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركتي ««أرامكو»» السعودية و«سابك» وشركات القطاع الخاص الأخرى في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، إلى مشاريع أخرى في مدن صناعية موزعة على مناطق البلاد، وهو ما يؤكد عزم القيادة السعودية على تعزيز مستوى الصناعة، وتحقيق الرؤية بتحول البلاد إلى مصاف الدول الصناعية.

وستعزز مشاريع «أرامكو» الثلاثة مشروع شركة «أرامكو»؛ السعودية توتال للتكرير والبتروكيماويات (ساتورب)، ومشروع شركة «صدارة للكيماويات»، ومشروع شركة ينبع «أرامكو» ساينوبك للتكرير المحدودة (ياسرف)، فرص الاستدامة والاستقرار الاقتصادي للمملكة، وستمثل نقطة تحول في البيئة الاقتصادية لها، بحيث لا يقتصر أثرها على تحقيق المزيد من القيمة من المواد الهيدروكربونية التي تنتجها «أرامكو» السعودية فحسب، وإنما يعزز كذلك من القدرة التنافسية للصناعة الوطنية في المملكة وفي السوق العالمية.

كما ستوفر هذه المشاريع الآلاف من الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة للمواطنين السعوديين، وستقدم المزيد من المنتجات المكررة والبتروكيماويات للقطاع الصناعي المحلي.

يقول الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، إن الطلب المتزايد على الاستثمار في المدينتين الصناعيتين الجبيل وينبع والنظرة الثاقبة للقيادة لمستقبل أكثر إشراقا لهذه البلاد، دعا إلى أن يصدر أمر كريم بالتوسع في المدينتين الصناعيتين.

وأضاف: «كما كلفت الهيئة بإدارة مدينة رأس الخير للصناعات التعدينية ليكتمل العقد الصناعي وتستمر هذه المدن العلاقة في السير نحو المزيد من النجاحات وتستحوذ على مساحة أكبر في المكانة العالمية».

وتابع الأمير سعود: «إن المشاريع المدشنة والمؤسسة اشتملت على مشاريع للبنية التحتية ستشكل إضافة للمدن التابعة للهيئة الملكية، فعلى الصعيد الهندسي استطاعت الهيئة أن تحدث نقلة نوعية في مدينة الجبيل الصناعية وفي منطقة الجبيل 2 على وجه التحديد، حيث تم تطوير المواقع والتجهيزات الأساسية القادرة على استيعاب متطلبات المجمعات الصناعية العملاقة لتشتمل على التبريد بمياه البحر والمياه المحلاة، وممرات أنابيب مناولة المنتجات، والصرف الصحي والصناعي، وشبكات الكهرباء، والطرق، والغاز، والمناطق الخاصة بالخدمات اللوجيستية والإمدادات، وقد تم الانتهاء من تطوير مواقع المراحل الثلاثة من الجبيل 2».

وزاد: «يجري العمل حاليا على استكمال ما تبقى من مشاريع للانتهاء منها خلال العام المقبل، أما في مدينة ينبع الصناعية وفي منطقة ينبع 2 على وجه التحديد فستستكمل مشاريع البنى التحتية والتجهيزات الأساسية، حيث تم إنشاء محطة تحويل الكهرباء، والمرحلة الأولى من شبكة الكهرباء، وإنشاء شبكة توزيع الغاز، وتم الانتهاء أيضا من المرحلة الأولى الخاصة بإعداد الموقع وإنشاء التجهيزات الأساسية لينبع 2، والمرحلة الثانية المتعلقة بإعادة تسوية الأراضي في المنطقة الصناعية الواقعة في ينبع 2».

وتابع الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان: «إضافة إلى إنشاء ورفع كفاءة نظام شبكة المنافع، وإنشاء الطرق والمنافع في منطقة توسعة الصناعات الخفيفة وممرات نقل المواد والمنطقة السكنية والجسور والتقاطعات لربط الخط الدائري السريع لينبع 2، وإنشاء وتوسعة قناة التحكم بالسيول».

وبين رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع أن الهيئة الملكية استقطبت لمشروع الجبيل 2 استثمارات يقدر حجمها بـ142 مليار ريال، وقد بلغ عدد الصناعات المتخصصة في المنطقة الجديدة ما يقارب 16 صناعة، منها مجمعات صناعية عملاقة لإنتاج البتروكيماويات ومشتقاتها مثل شركة «أرامكو» السعودية وشركة «توتال» الفرنسية للتكرير والبتروكيماويات (ساتورب) وهي أول مصفاة للتحويل الكامل في المملكة تستهدف إنتاج 400 ألف برميل يوميا، وشركة «صدارة للكيماويات»، وهي تحالف بين شركتي «أرامكو» السعودية و«داو كيميكال» سينتج عنه الكثير من المواد الكيمائية كالأمينات والإيثر الغلايكول، والأيزوسيانات، ومركبات البولي إيثر بوليول، والبولي إيثيلين، وإيلاستومرات البولي أوليفين (المطاط الصناعي)، والغلايكول البروبيلين، وستحتضن الجبيل 2 كذلك شركة غاز وشركة البتروكيماويات التحويلية المتحدة، ويجري العمل حاليا على استقطاب مجمعات صناعية تحويلية كبرى بالتنسيق مع الشركاء ومخرجات ونتائج الدراسات القائمة.

وتعد المشاريع الصناعية المشتركة الثلاثة لشركة «أرامكو» السعودية في قطاع التكرير والبتروكيماويات التي دشنها خادم الحرمين الشريفين ضمن جملة مشاريع أخرى تشكل فتح آفاق اقتصادية جديدة للمملكة العربية السعودية ومواطنيها مما سيسهم في تحقيق مستوى أعلى للقيمة المضافة للثروات الهيدروكربونية التي حبا الله تعالى بها المملكة.

من جانبه، قال الدكتور إحسان بوحليقة، عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاقتصادي، إن المشاريع العملاقة التي أعلنت عنها الحكومة السعودية تدعم القاعدة الصناعية للبلاد في القطاع النفطي إلى جانب القطاع غير النفطي الذي سجل نموا خلال العشرين عاما الماضية بأكثر من 10 في المائة، وهذا الرقم جيد قياسا بالنمو في العالم، مشيرا إلى توقعات بنمو القطاع الصناعي المرتبط بالوقود بشكل أفضل بعد استكمال هذه المشاريع العملاقة، إلى جانب فتح الكثير من هذه الصناعات المجال للنمو الاقتصادي وتوفر فرصا وظيفية لمساعدة الدول في التخفيف من حجم البطالة.

وستتيح تلك المنتجات فرص التنويع في مصادر الدخل للمملكة عبر تحفيزها قيام صناعات وطنية جديدة لاحقة تستفيد من تلك المنتجات الأساسية وتحولها إلى منتجات نهائية للمستهلكين، وتوجد كذلك الآلاف من فرص العمل للشباب السعوديين، بالإضافة إلى تحفيزها قيام نشاطات خدمات مساندة جديدة تسهم في زيادة تلك الفرص الوظيفية وتطور قطاع الخدمات الصناعية المساندة في المملكة.

وقد بدأ التشغيل الفعلي لمصفاة «ساتورب»، وهي مشروع مشترك بين «أرامكو» السعودية وشركة «توتال»، باستثمار إجمالي بلغ 52 مليارا و875 مليون ريال، حيث تعد واحدة من أكثر مصافي العالم تطورا، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 400 ألف برميل في اليوم من المنتجات المكررة بما فيها الديزل والبنزين ووقود الطائرات والبارازيلين، والبروبيلين من درجة البوليمر، وهي جميعا تخدم الصناعات البتروكيماوية في السوق المحلية والأسواق العالمية.

وستكون المنتجات المكررة مستوفية لأكثر المواصفات صرامة بهدف تلبية الطلب المتصاعد على أنواع الوقود الصديقة للبيئة في السوق المحلية والأسواق العالمية.

أما مجمع شركة «صدارة للكيماويات»، وهو مشروع مشترك بين «أرامكو» السعودية وشركة «داو كيميكال»، باستثمار إجمالي بلغ 72.5 مليار ريال، فسيضم 26 وحدة تصنيع يعد الكثير منها «مشاريع عملاقة» في حد ذاتها. وتعتمد الكثير من وحدات التصنيع هذه تقنيات تستخدم لأول مرة في المملكة. كما سيكون مجمع «صدارة» أول مجمع كيماويات في السعودية يستخدم تقنية التكسير الكيميائي لمنتجات التكرير السائلة (النفثا). وسيصبح مجمع شركة «صدارة» عند إنجازه، واحدا من أكبر مرافق الكيماويات المتكاملة في العالم وأكبر مرفق من نوعه يتم بناؤه في مرحلة واحدة.

وستكون لـ«صدارة» ومجمعات الصناعات التحويلية المتاخمة لها - التي تديرها الهيئة الملكية للجبيل وينبع - بصمة عالمية في مجال التصنيع من خلال إنتاج مجموعة متكاملة من المنتجات عالية الأداء التي تحقق القيمة المضافة وتستهدف الأسواق الناشئة في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.

كما ستوفر «صدارة» ومجمعات الصناعات التحويلية المرتبطة بها الآلاف من الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة.

وستسوق «صدارة» منتجاتها في نطاق جغرافي يضم ثماني دول تشمل المملكة، في حين ستستعين بخبراتها التسويقية العالمية في التسويق والبيع بالنيابة عن صدارة في باقي أنحاء العالم.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أولى الوحدات الإنتاجية في مشروع «صدارة» خلال النصف الثاني من عام 2015م على أن تكون جميع الوحدات قد دخلت مرحلة التشغيل في عام 2016م.

أما شركة «ياسرف» وهي مشروع مشترك كذلك بين «أرامكو» السعودية وشركة «تشاينا بتروكيميكل كوربوريشن» (ساينوبك) باستثمار يبلغ 33.75 مليار فيتضمن إنشاء وتشغيل مصفاة تحويل كامل عالمية الطراز في مدينة ينبع الصناعية بطاقة قدرها 400 ألف برميل في اليوم من الزيت الخام. وستنتج هذه المصفاة 13.5 مليون غالون في اليوم من أنواع الوقود فائق النظافة، إلى جانب منتجات مكررة أخرى.

وسيوفر مشروع مصفاة «ياسرف» إيرادات سنوية كبرى، وسيتيح نحو 6000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة للمواطنين.

وتعد هذه المشاريع بمثابة قاعدة اقتصادية للاستثمار والتطوير في الجبيل والمناطق الأخرى، كما تشكل مجموعة من أكبر الاستثمارات الأجنبية التي تتم حتى الآن، وقوة دافعة للنمو المستقبلي وإيجاد فرص العمل وتحفيز نشأة صناعات محلية جديدة وتعزيز التنافسية على الصعيد الوطني.

وقد عبرت كثافة عقود التمويل لهذه المشاريع التي شاركت فيها الكثير من المصارف والمؤسسات المالية، عن إيمان كبير لدى تلك الجهات بالمستقبل الواعد لتلك المشاريع.

ومن بين المشاريع التي دشنها الملك عبد الله مشاريع الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، إلى جانب أخرى تم وضع حجرها الأساس، بتكلفة إجمالية 81.4 مليار ريال (21.72 مليار دولار).

ففي مدينة الجبيل الصناعية تم تدشين مجمع شركة «كيان» السعودية للبتروكيماويات (كيان السعودية)، ومشروع توسعة الشركة الوطنية للغازات الطبيعية (غاز)، ومشروع توسعة في الشركة السعودية للحديد والصلب (حديد)، ومشروع ثلاثي أثيل الألمنيوم وكذلك مشروع (سابك) للبلاستيكيات المبتكرة لمعالجة التدفقات ومشروع حمض التريفثاليك النقي في شركة الكيماويات المتخصصة، ومشروع الاستهلاك الأمثل للطاقة في شركة «البيروني» إلى جانب مرفق الميناء اللوجيستي.

وأشارت الشركة في بيان لها أمس إلى أن الملك وضع حجر الأساس لمجموعة من مشاريع «سابك» في الجبيل الصناعية، منها المشروع السعودي للمطاط الصناعي في شركة الجبيل للبتروكيماويات (كيميا)، ومشروع أرصفة الميناء للمنتجات البتروكيماوية. ومشروع بولي أوكسي الميثيلين في الشركة الوطنية للميثانول (ابن سينا)، ومشروع ستايرين بيوتادابين الأكريل في الشركة العربية للبتروكيماويات (بتروكيميا)، ومصنع مشروع «سافكو» الخامس في الشركة العربية للأسمدة (سافكو)، إضافة إلى مشروع إسكان موظفي «سابك» بحي جلمودة. أما مشاريع «سابك» في ينبع الصناعية التي حظيت بالرعاية الملكية، فقد تم تدشين مشروع إسكان موظفي «سابك» بحي المشيريف، إلى جانب وضع حجر الأساس لأحد مشاريع الشركة العربية للألياف الصناعية (ابن رشد).

وأوضح عبد العزيز السريع، رئيس لجنة الصناعيين في غرفة جدة (غرب السعودية) أن الإعلان عن مشاريع عملاقة بهذا الحجم يؤكد توجه الحكومة إلى أن الصناعة هي الخيار الاستراتيجي الذي سوف يعتمد عليه بشكل كبير في السنوات القادمة، ويأتي ذلك استكمالا للخطط التي اعتلت عنها الحكومة في وقت سابق بضرورة دعم الصناعة، وهذا النوع من المشاريع التي تصب الغالبية العظمى منها في الصناعات التي تعتمد على الوقود كلقيم.

وقال: «التوسع في الصناعة سوف يسهم في زيادة الناتج المحلي وسيخلق لدينا مستقبلا جيدا في المجال الصناعي»، لافتا إلى أن المنطقة العربية إجمالا ستحقق قفزات كبيرة في هذا المجال خلال السنوات القادمة، وستكون هناك صناعة عربية متكاملة مع بعضها البعض، وذلك بفضل التعاون القائم بين الكثير من الدول في مجال تطوير الصناعات.