العيد في السعودية.. تغيرت الأزمان والمظهر واحد

فرحة الأطفال تتحول من «الحوامة» إلى «البلاي ستيشن»

مائدة العيد أعدها أهالي أحد أحياء شمال الرياض أمس (تصوير: خالد الخميس)
TT

مشهد موائد العيد أمام ساحات المساجد في المدن والقرى السعودية قبل عدة عقود وقد فرشت الأرض بالسجاد والحنابل، وسكان الحي الواحد يتحلقون على سفرة الطعام المصنوعة من الخوص، وهم يتنقلون بين الأطباق المختلفة المعدة بعناية فائقة في المنازل في الساعات الأولى من فجر يوم العيد.. يتكرر المشهد اليوم في أغلب مدن ومحافظات وقرى وهجر ومراكز السعودية رغم النقلة الكبيرة في حياة السكان وأسلوب المعيشة العصرية بعد سنوات الطفرة التي غيرت المعالم.

يحرص السعوديون على الاحتفاء بالعيدين (الفطر، والأضحى) والمحافظة على سماتهما التي كانت سائدة منذ عقود من منطلقات دينية صرفة، حيث يمثل الأول احتفالية بعد انقضاء شهر الصوم، والثاني لوقوعه في أيام الحج وتنفيذ شعيرة نحر الأضاحي على مدى أربعة أيام تبدأ من يوم النحر وتنتهي ثالث أيام التشريق.

ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي تمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علما أن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.

ويحرص الجميع على المشاركة في احتفالية العيد من خلال تناول إفطار العيد في ساعة مبكرة اعتبارا من الساعة السابعة صباحا، حيث لا تستغرق أكثر من ساعتين بدءا من الساعة السابعة صباحا، حيث يؤدي سكان الحي الصلاة في المسجد ثم يتوجهون إلى المكان المخصص الذي يفرش عادة بالسجاد «الزوالي»، مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات، وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية.

بعد انتهاء هذه الاحتفالية يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيم الهدوء على المنازل لتبدأ الأسر بمتابعة فعاليات العيد التي خصصتها الجهات المختصة وتميزت بالتنوع وإرضاء جميع الأذواق، وتراوحت ما بين الفنون الشعبية، والعروض المختلفة والسينما والمسرحيات، والألعاب، بمشاركة فرق من الجاليات العربية الإسلامية والأجنبية، تعرض فنونها ورقصاتها أمام الحضور، إضافة إلى عروض الألعاب النارية التي تطلق في أماكن محددة من المدينة بإشراف من الدفاع المدني.

كما يحرص البعض على تذوق جميع الأطباق التي غالبا ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحيانا القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصا في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.

وتبعا لظروف الحياة الحديثة اختفت مظاهر احتفالية مخصصة للأطفال كانت سمة من سمات رمضان والعيد قبل عدة عقود، والمتمثلة في «المناسبة الفرحية الطفولية»، التي تسبق يوم العيد والمعروفة باسم العيدية أو «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» حسب كل منطقة، في حين تعرف في المنطقة الشرقية ودول الخليج باسم «القرقيعان»، والأخيرة ما زالت قائمة مع بعض التغييرات في الزمن والأسلوب، وهذه الاحتفاليات اختفت وبقيت في ذاكرة السكان من كبار السن الذين ما زالوا يتذكرون تلك الأجواء التي تسبق يوم العيد، عندما كان أطفال القرى وأحياء المدن يستيقظون صباحا في آخر يوم من أيام رمضان ويجوبون الأحياء طلبا للعيدية من الجيران، يطرقون الأبواب لإيقاظ أصحاب المنازل الطينية الذين يغطون في سبات عميق بسبب السهر والصيام، ويردد الأطفال بصوت واحد عندما يتساءل ساكنو المنزل: من الطارق؟ يأتي الجواب بصوت واحد من قبل الأطفال: «أبي عيدي عادت عليكم في حال زينة» أو عبارة: «خبزوني لبزوني لو بعويد المغرفة»، ثم يكملون: «نوقف ولا نسوق»، في إشارة إلى هل ينصرفون أم ينتظرون، فإذا جاء الجواب من البيت بالإيجاب وحصلوا على عيديتهم التي لا تتعدى النقود المعدنية أو الحلوى وبعض المكسرات يصيح الأطفال بصوت واحد: «جعل الفقر ما يدخل عليكم ولا يكسر أيديكم»، أما إذا كان الجواب سلبيا أي لا عيدية فإن الأطفال يمطرون أصحاب المنزل بعبارات تنم عن تذمرهم من عدم تلبية طلبهم بالحصول على العيدية مهما كانت، من خلال ترديد عبارات تعني تمنيات في حالة عدم منحهم عيدية أن يكون طعامهم سيئا.

وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد.

يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عدة عقود تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصا القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب. وتضمن برنامج احتفالات مدينة الرياض بعيد الفطر المبارك لهذا العام، 200 فعالية في 35 موقعا، تغطي جميع أحياء مدينة الرياض، وتهدف إلى إدخال البهجة والفرحة على قلوب سكان مدينة الرياض والقادمين إليها من أبناء المناطق الأخرى، وإتاحة الفرصة للاستمتاع بهذه المناسبة المباركة لكل أفراد العائلة، ولا سيما الشباب من خلال أنشطة وفعاليات تلبي تطلعاتهم وتناسب اهتماماتهم، واستحوذ الأطفال على النصيب الأكبر من هذه الفعاليات التي تقام في 35 موقعا، حيث خصصت سبعة مواقع منها لاستقبال الأطفال والأمهات، بالإضافة إلى إقامة عدد كبير من الفعاليات التي تستهدف الطفل في جميع مواقع الاحتفالات المخصصة للعائلات.

وتشهد فعاليات الأطفال بساحة العروض بالطريق الدائري الشرقي، فقرات مسرح الطفل التي يشارك فيها عدد كبير من الشخصيات الكرتونية، وتتضمن أهازيج وأناشيد ومسابقات حركية وذهنية.

أما برنامج فعاليات العيد بحديقة مناخ الملك عبد العزيز للعائلات فيقدم باقة من الأنشطة، حيث يشهد تنظيم مسابقات لأجمل الرسومات، ومسرح العرائس ومسرح خيال الظل ومسرح الطفل.

كما خصص عدد من الفعاليات بمركز الملك عبد العزيز التاريخي، حيث يعرض مسرح الطفل مسرحية للأطفال بعنوان «جدتي الحبيبة»، بالإضافة إلى إقامة عدد كبير من الأركان الفنية وفقرات متنوعة ومسابقات وجوائز. ويتضمن برنامج مسرح الطفل بالحائر عددا كبيرا من الفعاليات لمعايدة الأطفال، منها اسكتشات فكاهية، وعروض المهرجين، وركن خاص للأطفال المخترعين وأصحاب الابتكارات.

ويشارك الأطفال من عمر 10 إلى 15 عاما خلال احتفالات العيد في مسابقة أمانة الرياض السابعة للألعاب الإلكترونية (البلاي ستيشن) بخيمة الأمانة بالملز من خلال منافسات خاصة لهم إلى جانب منافسات الشباب. وأفردت الأمانة مساحة كبيرة لفعاليات الأطفال بمركز الملك فهد الثقافي الذي يعرض عددا من العروض المرئية الكرتونية، بالإضافة إلى مسرحية تربوية بعنوان «العصفور الصغير»، وعروض مرئية للأطفال وأركان فنية.