مختصون يدعون الأسر السعودية إلى الاستغناء عن العاملات المنزليات

مطالبات لتعويض النقص باستحداث حاضنات أطفال في المراكز التجارية والأحياء

عاملات يتلقين دروسا خاصة في إندونيسيا قبل توجههن إلى السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

لم تمنع جرائم العاملات المنزليات التي وقعت خلال السنوات الأخيرة في السعودية الأسر من وضع حد للتعامل والتفكير في الاستغناء عن العاملات؛ حفاظا على أرواح الأسرة وأبنائها من الجرائم التي قد تُرتكب من قبل العمالة المنزلية، بل على العكس تماما، فقد ارتفعت وتيرة الطلب على تلك العمالة، سواء من الداخل أو الخارج، فيما شهدت أجور التنازل ونقل الكفالة أرقاما كبيرة في ظل تعثر مفاوضات الاستقدام من بعض الدول، وزيادة معدل هروب العاملات.

وتراوحت أسعار نقل كفالة العاملات المنزليات خلال الشهرين الماضيين بالتزامن مع مهلة تصحيح الأوضاع، بين 20 و25 ألف ريال للعاملة المنزلية الواحدة، فيما اختلفت أجور الاستقدام بحسب الجنسية، ونظرا لعدم توافر قنوات استقدام متعددة أمام السعوديين بسبب تعثر الجهود التي بذلتها الجهات المعنية مع عديد من الدول الآسيوية «المصدر الأول للعمالة»، فقد ارتفعت أجور الموجودات داخل المملكة واللاتي يرغبن في نقل كفالتهن بشكل كبير.

ترجع الدكتورة عبير طه، وهي إخصائية علم الاجتماع في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، سبب استغلال العاملات المنزليات للأسر السعودية، ورفع أسعارهن إلى أكثر من ألفي ريال شهريا؛ إلى اتكالية أبناء المجتمع السعودي واعتماده بشكل شبه كلي على العاملات في المنزل.

وتستنكر الدكتورة عبير نشأة الجيل على أيدي عاملات منزليات، والاتكالية شبه الكاملة عليهن، معتبرة أن ذلك الأمر سيؤثر سلبا في ثقافة الأجيال القادمة، كما أنه سيخلق جيلا متكاسلا واتكاليا، مطالبة بضرورة اعتماد الأسرة على نفسها تدريجيا حتى تتمكن من الاستغناء عن الخادمات بشكل كامل في المستقبل. وقالت «من الصعب على الأسرة السعودية أن تتعود على القيام بأعمالها المنزلية بنفسها بعد أن كانت تعتمد في جل أعمالها على العاملة المنزلية، لكن متى ما علمنا سلبيات وجود هذه العاملة التي تتعايش مع الأبناء بثقافتها المختلفة كليا عن ثقافة المجتمع السعودي، إلى جانب جرائم القتل التي شهدناها في السنتين الأخيرتين؛ بات من الضروري أن يعي هذا المجتمع ويعمل بجدية على محاولة الاستغناء ولو بشكل جزئي عنهن وعدم الاعتماد كليا عليهن». وأضافت أن «كل ما تحتاج إليه الأسرة فقط هو إعادة تنظيم حياتها والتعاون بين أبنائها في الأعمال المنزلية، سواء من الزوج والزوجة والأبناء والبنات، وتقسيم الأعمال بينهم وتوزيعها بالتناوب».

ولفتت إخصائية علم الاجتماع إلى وجود شركات تؤجر عاملات، سواء باليوم أو بالساعة، وقالت «حتى تتمكن الأسرة من الاستغناء عن العمالة المنزلية التي تقيم معها في المنزل أقترح على تلك الأسر أن تقوم بالاستغناء عنهن تدريجيا». وتابعت «يمكن الاستعاضة عنهن بالعاملات المنزليات اللاتي يأتين في المناسبات أو وقت الضرورة والحاجة وتتسلم أجرتها على حسب ساعات عملها داخل المنزل».

وكانت قد انطلقت حملات قبيل شهر رمضان الحالي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى الاستغناء عن الخادمات، وذلك بالتزامن مع الشهر الفضيل الذي ترتفع فيه أجور العاملات المنزليات، ويبدأ الاستغلال؛ كونهن يعلمن أن الأسرة السعودية بشكل خاص لا يمكنها الاستغناء عنهن في رمضان وأيام العيد خاصة، فيقمن بالهرب من بيوت من يعملن لديهم للعمل في منازل أخرى تدفع لهن رواتب أكثر خلال هذه الفترة.

من جهته، أكد الدكتور مؤيد هاشم، الخبير الاقتصادي، أن غياب الحاضنات خاصة للأطفال، سواء في الأحياء السكنية أو في مواقع عمل المرأة؛ جعل المجتمع السعودي بحاجة ماسة إلى المربيات أو العاملات المنزليات، وبالتالي أدى إلى استغلالهن لهذه الأسر إلى جانب نشأة الجرائم المختلفة التي شاهدناها حديثا.

وتساءل هاشم عن إهمال الجهات المعنية بإنشاء الحاضنات، لا سيما أن جهات العمل باتت مفتوحة الآن بشكل أكبر أمام المرأة السعودية، وليس كالسابق حيث كانت محدودة، فتعمل المرأة من الصباح حتى الظهيرة «لكننا نشاهد المرأة تقضي أغلب وقتها خارج المنزل، لا سيما بعد أن أصبحت تعمل في مجال البيع داخل الأسواق التجارية التي تتطلب منها ساعات عمل لأوقات متأخرة، وأحيانا دوامين في الصباح والمساء».

وأضاف أن «مرحلة تأنيث المحال التي نفذتها وزارة العمل تستدعي الآن التركيز على إنشاء هذه الحاضنات داخل المولات وفي الأحياء السكنية، حتى تتمكن المرأة من القيام بعملها وهي مطمئنة على أبنائها وهم بقربها، وبالتالي لا يكون هناك تقصير من جانبها في العمل، ومنعا لاستغلال العاملات المنزليات للأُسر». وفي الوقت ذاته، أعلنت اللجنة الوطنية للاستقدام الأسبوع الماضي قرب تقديم الخدمات العمالية المنزلية بنظام الساعات تحت إشراف تام من قبلها. وأكد سعد البداح، رئيس اللجنة الوطنية للاستقدام، أن هذه الخدمة الجديدة من شأنها أن تقضي على فوضى الاستقدام والانتظار لأوقات طويلة للحصول على عاملة منزلية أو عاملة مدربة، كما سيجنب السعودية تحكم الأسواق الخارجية وشروطها المجحفة، كما أنها من شأنها أن تقضي على ظاهرة هروب العاملات للسوق السوداء من جانب والقضاء على سماسرة التأشيرات من جانب آخر.

وبينت فاطمة سندو، وهي عاملة منزلية إندونيسية تعمل منذ 13 عاما في السعودية، أن موسم شهر رمضان والأعياد يعتبر من مواسم العمل التي تدر عليهن دخلا أكثر مما يأخذنه في الأشهر الأخرى. وقالت «مرتبي يبلغ 1400 ريال، لكن عند قرب شهر رمضان أطلب إجازة وأقوم بالعمل لدى أسرة أخرى تدفع نحو 2500 أو 3000 ريال، فقط في شهر رمضان».

بينما تفضل مجيدة عبده، وهي عاملة آسيوية في العقد الرابع من عمرها وتعمل في السعودية منذ 24 سنة وتتنقل من مدينة لأخرى، أن تعمل بأجرة يومية أو أسبوعية لدى الأسر السعودية، وأرجعت ذلك إلى أن العمل بنظام الساعات يدر دخلا أعلى، إذ لا يقتصر دخلها طوال الشهر على مبلغ معين. وقالت مجيدة «كنت أعمل في السنوات السابقة لدى العوائل السعودية مقابل راتب شهري لا يتجاوز 1200 ريال، لكن في أحد الأيام نصحتني صديقتي بأن أعمل بالساعة أو بالأسبوع، بمعنى أن أتفق أنا وربة المنزل على المهام الواجب علي تأديتها سواء كغسيل أو تنظيف أو طبخ، مقابل أجر يومي، وكلما زادت المهام ارتفع السعر». وأضافت أن أجرها اليومي لدى الأسرة الواحدة يصل إلى 50 ريالا. وتستطرد بالقول «عندما أعمل لدى أسرة واحدة لأربع أو خمس ساعات ومن ثم أذهب لمنزل آخر في اليوم نفسه وأعمل أيضا لمدة ساعتين أو ثلاث، فأعتقد أن دخلي الشهري سيزيد أكثر مما أعمل بالشهر».

وأشارت مجيدة إلى معرفتها وأغلب العاملات المنزليات بحاجة الأسر السعودية الماسة لهن واستحالة الاستغناء عن خدماتهن، إلا أنها نفت استغلالها لحاجة الأسرة، وتعلق بالقول «نتقاضى المال مقابل المهام التي نؤديها داخل المنزل، فغالبا ما أقوم بدور الأم من ناحية التنظيف والطبخ والانتباه للأبناء، وهذه مسؤولية وجهد أتحمله طيلة الساعات التي أعمل فيها داخل المنزل.. أعتقد أن الراتب الذي نتقاضاه قليل مقابل هذه المجهودات التي نبذلها داخل المنزل طيلة فترة غياب الأم أو انشغالها».

وفي السياق ذاته، أكدت نور العمري، وهي موظفة في مصرف تعول ثلاثة أطفال، استحالة التعايش من دون عاملة منزلية، وأرجعت ذلك إلى بقائها طيلة النهار خارج المنزل، فيما ترعى العاملة الأبناء وتقوم بتلبية متطلباتهم بعد عودتهم من المدارس. وقالت نور «استقدمت عاملة منزلية منذ سنتين، لكن للأسف لم تبق لدي سوى ستة أشهر، وبعد ذلك هربت، فقررت الإحجام عن استقدام عاملة أخرى، خاصة أن راتبها مرتفع، لذلك قررت البحث عن عاملة منزلية مقيمة في السعودية، وبالفعل وجدت صديقة للعاملة التي تعمل لدى والدتي، والآن تعمل في منزلي منذ أكثر من عام، ولم أواجه أي مشاكل».

من ناحيتها، ترجع الإخصائية النفسية أمل أحمدي هروب العاملات المنزليات إلى سوء المعاملة من قبل بعض الأسر والضغط الكبير الذي يقع عليهن، ومنعهن من الحصول على إجازتهن الأسبوعية أو حتى تأخير حصولهن على الرواتب، إلى جانب سوء المعاملة من ربة المنزل أو الأبناء، سواء اللفظية أو النفسية. وقالت أمل «للأسف بعض الأسر تتعامل مع العاملة المنزلية كأنها ليست كائنا حيا، فتتعمد إهانتها وشتمها أحيانا بوجود أشخاص غرباء عن المنزل، وهذا جميعه يؤدي إلى خلق ضغينة وحقد على ربة المنزل والأسرة ككل، فتظهر نتائجه بالطريقة التي شاهدناها مؤخرا كالقتل أو السرقة، وهذا يعتبر نوعا من أنواع الانتقام الذي تلجأ إليه العاملة المنزلية».

وأشارت إلى وجود أسباب أخرى من بينها أن المملكة عندما تقوم باستقدام العمالة لا تتأكد من سجلها وخلوه من الجرائم، وصحة العاملة المنزلية النفسية، إلى جانب عدم وجود آلية أو عقوبات محددة وواضحة يتم تطبيقها على العاملة الهاربة، مما يؤدي إلى تسيب تلك العاملة، وقيامها بالأعمال الإجرامية دون حساب.

من جهة أخرى، حذر عاملون في قطاع الاستقدام من استغلال «سماسرة» الاستقدام الذين يظهرون هذه الفترة بشكل نشط؛ كون هذه الفترات تعتبر مواسمهم «فترة رمضان والحج والأعياد والإجازات»، حيث يؤجرون عاملات منزليات أغلبهن هاربات ممن يعملن لديهم واللاتي قد يرتبطن بعصابات إجرامية متخصصة بسرقة المنازل.

كما طالبوا بضرورة التأكد من سجل العاملة المنزلية وخلوه من أي أمراض نفسية أو سوابق قبيل استقدامها للمملكة، وإلزام الكفلاء بالتعامل مع العاملة بالحسنى، وإعطائها كامل حقوقها وحريتها حتى يمكن للأسرة التعايش معها والقضاء على العنف الذي قد يترتب من جراء سوء المعاملة. وشدد تركي العتيبي، وهو مالك مكتب استقدام، على أهمية أن يكون لدى الأسر السعودية الوعي الكافي عند تشغيل عاملة منزلية، في ظل زيادة عمليات القتل والعنف والسرقة في الآونة الأخيرة، وقال «أتمنى من الأسرة التي هي بحاجة لعاملة منزلية أن تحصل عليها بطريقة نظامية، حتى إن كانت بحاجة إلى هذه العاملة فلا تقوم بتشغيلها؛ لأنها قد تكون هاربة أو تنتمي لمنظمة وعصابة، مما يشكل خطرا على الأسرة».

وأرجع العتيبي نشأة السماسرة والمتلاعبين بأسعار العاملات المنزليات إلى عجز السوق المحلية عن إيجاد حلول فاعلة لأزمات الاستقدام التي شهدتها المنطقة مؤخرا، وقال «عجز الجهات المعنية عن وجود حلول عاجلة لأزمة الاستقدام ساعد السماسرة على التلاعب بأسعار العاملات لا سيما أوقات المواسم».