السعودية تستثني طلاب المدارس من عقوبات جرائم المخدرات.. وتضعهم تحت المراقبة

ضبط أكثر من 300 ألف حبة مخدرة خلال السبعة أشهر الماضية

جانب من المضبوطات نشرتها وزارة الداخلية السعودية العام الماضي (واس)
TT

تعد السعودية من أقل دول العالم، التي تستثني طلاب المدارس من العقوبات المقررة لجرائم المخدرات، والتي تصل إلى حد إعدام التاجر المهرب، والحبس للمروج، والسجن عامين لمن يتعاطى المخدرات.

وتتمثل العقوبة البديلة للطلاب المتورطين في مثل هذه القضايا، بالجلد أو السجن لفترة لا تزيد على الثلاثة أشهر، على أن يراقبوا للتأكد من ابتعادهم التام عن التعاطي.

وحدد النظام العام المستفيدين من المعاملة الخاصة، وهم الطلاب المتفرغون للدراسة، ممن لا يتجاوز عمره 20 عاما، على أن يكون سجله خاليا من التورط في قضايا ترويج أو تهريب المخدرات، ولم تسجل له سابقة في التعاطي أو جرائم أخلاقية، ولم ينتج عنه مقاومة للسلطات الأمنية لحظة القبض عليه.

يعمل هذا النظام، بحسب مختصين، في علاج الإدمان، على أسلوب الترغيب لفئة الشباب أو المراهقين، ممن تورطوا في قضايا تعاطٍ، بعيدا عن العقوبات الرادعة التي تطبقها السعودية وكل دول العالم في حربها على المخدرات، للعودة بعد جلسات علاج إلى المجتمع ليكون فاعلا فيه، إذ يساعد هذا في توعية المتعاطي، ويوضح له الصورة المستقبلية في حال تطبيق الأحكام والضوابط المعمول بها في البلاد.

نجحت المديرية العامة لمكافحة المخدرات بالتنسيق مع الجهات المعنية في السعودة، بمساعدة نحو 5200 مدمن على التعافي في عموم مناطق البلاد، والعودة بهم إلى حياتهم الطبيعية، من خلال برامج «الدعم الذاتي» التي تهتم بمتابعة ورعاية التائبين من الإدمان، وفق برنامج خاص، يعد الأول من نوعه في المنطقة، وذلك بعد انتهاء فترة علاجهم الطبي داخل مستشفيات الأمل الثلاثة في الرياض وجدة والدمام، ومركز التأهيل النفسي بالقصيم.

يدخل المتعافي من الإدمان مرحلة الرعاية اللاحقة، الركيزة التي تعتمد عليها الجهات المعنية في إكمال برنامج العلاج، من خلال توجيه المتعافي وإرشاده ومساعدته على سد احتياجاته ومعاونته على الاستقرار في حياته، والاندماج والاحتكاك المباشر مع المجتمع، من خلال برامج وسرية تامة تحفظ للمتعافي حقوقه للانطلاق في المجتمع بحياة جديدة بعيدا عن التجريح أو الاتهام.

وعلى الصعيد ذاته، حققت الأجهزة الأمنية نجاحات خلال السبعة أشهر الماضية، وضبطت ما يربو على 300 ألف حبة مخدرة، في حين بلغ عدد المهربين المقبوض عليهم في تهريب المواد المخدرة والأسلحة عبر الحدود السعودية قرابة أربعة آلاف مهرب للفترة نفسها، بينما بلغ إجمالي المضبوطات من قبل مصلحة الجمارك لعام 2012 على مستوى المنافذ البرية والبحرية والجوية، أكثر من 6.6 ألف كيلوغرام من المخدرات، ونحو 34 مليون حبة مخدرة، وأكثر من 150 ألف وحدة من الخمور.

«هذه النجاحات وسلسلة الورش والملتقيات التي تنفذها المديرية العامة لمكافحة المخدرات، للتوعية بأضرار المخدرات، ساهمت في تقليص أعداد المتعاطين داخل المملكة، ورفعت نسبة الوعي لدى عموم المواطنين والمقيمين بالنتائج العكسية على الفرد والمجتمع من تعاطي المخدرات بكل أشكالها، وأسهمت بشكل مباشر في التعرف على الأضرار الحقيقية لكثير من الأنواع المخدرة على المخ والحالة النفسية والجسدية للمتعاطي».

بهذه الكلمات بدأ اللواء عثمان المحرج مدير عام مكافحة المخدرات في السعودية في حديث خاص مع «الشرق الأوسط». ويؤكد اللواء المحرج أن إدارته تنفذ كثيرا من اللقاءات والبرامج التوعوية، خاصة مع التائبين والعائدين للمجتمع، بناء على توجيهات الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وتنعقد اللقاءات في كل المدن السعودية «خاصة أن المتعاطين جميعهم من أبناء الوطن، ولا بد أن تكون هناك جهة ترعاهم وتهتم بهم، وهذا دورنا الذي يتمثل في تقديم الدعم والمساعدة من خلال كثير من البرامج، بهدف إبعادهم وإقلاعهم عن الإدمان»، موضحا أن البرامج تطبق بما يتفق مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد الاجتماعية، بإشراف لجنة مختصة، وأثبتت نتائج إيجابية على المدى القصير والبعيد.

وتتعاون الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وفروعها في مختلف المناطق مع الدوريات الأمنية وقوات حرس الحدود، والقوات الخاصة لأمن الطرق، ومنسوبي الجمارك، للتصدي لعمليات تهريب وترويج المخدرات والتعامل معها وفق أنظمة البلاد، وهو ما لفت إليه مدير عام مكافحة المخدرات، بقوله: «إن هناك تعاونا وثيقا بين تلك الأجهزة وجهاز مكافحة المخدرات، وهذا التعاون أثمر تحقيق نتائج إيجابية كبيرة في ضبط كثير من قضايا التعاطي والحيازة والترويج والتهريب، بينما تعمل المديرية العامة مع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات على تنفيذ الجانب الوقائي الذي يهدف إلى توعية المواطنين والمقيمين بأخطار المخدرات، وتحذيرهم من الوقوع فيها».

وتركز الإدارة واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، على فئة الشباب والأطفال لغرس القيم الإسلامية، من خلال التوعية الثقافية في المدارس والمراكز التربوية، عن مخاطر المخدرات، وتنشئتهم التنشئة الطيبة، وتحذيرهم من الوقوع في المخدرات والمسكرات، والحرص على بناء مجتمعهم ووطنهم، مع الاهتمام بتعريف الأسرة بأضرار المخدرات وإبعاد أعضائها عن مخاطرها، من خلال إلقاء المحاضرات، وعقد الندوات، واستخدام الوسائل المقروءة في المدارس والجمعيات الخيرية والمراكز النسائية والكليات والجامعات.

وفي الجانب العلاجي، أنشأت المملكة ثلاثة مستشفيات على أحدث مستوى في التجهيز والكادر الطبي والفني والإداري، وسميت هذه المستشفيات «مستشفيات الأمل»، بالإضافة إلى مستشفى رابع سمي مركز التأهيل النفسي.

تختص هذه المستشفيات بعلاج وتأهيل مرضى إدمان المخدرات والكحوليات مجانا، وتتعامل مع المدمن بأي نوع من المخدرات، وفق برامج مختلفة وبسرية تامة، وإخضاعه لما يحتاج إليه من علاج داخل المستشفى أو خارجه.

وفي هذا الجانب، استقبلت طوارئ مجمع الأمل في الرياض، خلال 2012، أكثر من 17 ألف حالة إدمان، وبلغ عدد مراجعي العيادات الخارجية 4500 حالة، وقرابة 1600 حالة منومة، في حين سجلت إحصاءات الأشهر الستة من العام الحالي 2013، أكثر من ثمانية آلاف حالة استقبلتها الطوارئ، منها 811 حالة منومة في المجمع.

وأوضح الدكتور محمد القحطاني المدير التنفيذي لمجمع الأمل في الرياض، أن علاج مرضى الإدمان على المخدرات، يعتمد في المقام الأول على قابليته ورغبته في الخروج مما هو فيه، وهذه الرغبة تساعد في العلاج والشفاء بنسبة تزيد على 90 في المائة، مقارنة بأولئك المقبلين للمستشفى لتلقي العلاج وليس لديهم الرغبة، وما دفعهم للعلاج عوامل خارجية أو إلزامية، وفي هذه الحالة تكون النتائج سلبية على المريض.

وقال القحطاني: «مجمع الأمل في الرياض يخضع الراغبين للعلاج للتنويم لفترة لا تزيد على ثلاثة أسابيع، يجري خلالها معالجة الأعراض الاستجابية، وزيادة الدافع لدى المريض، ومن ثم يخضع لبرامج توعوية دينية وتأهيلية»، لافتا إلى أن برامج المجمع لا تنقطع عن المريض المستجيب للعلاج والراغب في التخلص من الإدمان، إذ تستمر لسنوات عدة، تتضمن برامج مختلفة تتناسب واحتياج المرحلة التي يمر بها المريض، وذلك بتكثيف اللقاءات والزيارات للعيادات الخارجية، وإن لوحظ تفاعله يعمل المجمع على زواجه وتوفير البيئة المناسبة له من خلال مصدر رزق.

وأضاف المدير التنفيذي لمجمع الأمل في الرياض، أن المجمع أبرم الكثير من الاتفاقيات مع الكثير من الجهات، التي تصب في خدمة المتعافي من التعاطي، التي كان آخرها التوقيع مع جامعة الملك سعود، للحصول على شهادات دبلوم، فيما ينفذ المجمع أربع حملات عمرة سنوية للمتعافين، بمعدل 50 متعاف في كل حملة، إضافة إلى برامج الاعتكاف في المساجد، وحملات الحج.

وقسمت المديرية العامة، المخدرات إلى ثلاثة أنواع، في مقدمتها المخدرات الطبيعية التي تتمثل في نبات خشخاش الأفيون، وتتركز المواد الفعالة في الثمرة غير الناضجة، ونبات القنب وتتركز فيه المواد الفعالة في الأوراق وفي القمم الزهرية، ونبات القات وتتركز المواد الفعالة في الأوراق، ونبات الكوكا وتتركز المواد الفعالة في الأوراق، فيما اعتبرت المخدرات نصف التخليقية، التي تحضر من تفاعل كيميائي بسيط مع مواد مستخلصة من النباتات المخدرة، موادها الناتجة عن هذا التفاعل أكثر تأثيرا وفعالية من المادة الأصلية، ومنها «الهيروين» الذي ينتج من تفاعل مادة المورفين المستخلصة من نبات الأفيون مع مواد كيميائية، وهناك المخدرات التخليقية، وهي بحسب تعريف التحاليل المخبرية مواد ليست من أصل نباتي، ولكنها تنتج من تفاعلات كيميائية معقدة بين المركبات الكيميائية المختلفة، ويتم ذلك بمعامل شركات الأدوية أو بمعامل مراكز البحوث.

وتشير التقارير الطبية إلى أن آثار الجرعة المضاعفة من «الكوكايين - الأمفيتامينات» تتسبب في تهيج الجهاز العصبي، ارتفاع ضغط الدم، عدم انتظام دقات القلب، الأوهام، الهلوسة، الهياج، والعنف، بينما يصاب المتعاطي المزمن بعدة أمراض، تتمثل في تشوش الحس، النوبات الصرعية، الاكتئاب عند الانقطاع، التهاب الأنف، والتهاب الكبد الوبائي، وتصيب مشتقات الأفيون (أفيون، مورفين، هيروين، كوديين)، المتعاطين باضطرابات في إفراز الهرمونات الوطائية والنخامية، والتهاب الكبد الوبائي، وتقلصات عند الانقطاع، والغرغرينة، والإصابة بنقص المناعة المكتسب (الإيدز)، بينما يصاب المتعاطون لمادة القنب «الماريغوانا» بالبلادة والبطء الذهني، وتعطل الذاكرة والقدرة على التعلم، وإصابة الدماغ، وتعطل الاستجابة المناعية، والإصابة بالغرغرينة، والعدوانية والقتل.

وبحسب الدراسة لحالات المجتمع وفقا للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، فإن المواد الأكثر شيوعا بين المتعاطين في المملكة، الحشيش، يليها من ناحية أعداد المتعاطين حبوب الكبتاجون، ثم مادة الهيروين، وحددت أسباب تعاطي المخدرات بعدة عوامل منها التفكك الأسري، وضعف الوازع الديني، والاضطرابات الشخصية، والإعلام الجديد، إضافة إلى السفر للخارج. وهنا يؤكد اللواء عثمان المحرج مدير عام مكافحة المخدرات، أن الأجهزة الأمنية والرقابية تقوم بدورها في ضبط المهربين والمروجين، وهناك أنظمة وعقوبات على كل هذه الجرائم، سواء في الترويج أو التهريب، موضحا أنه وبحسب المعلومات التي يتم رصدها فإن مروجي حبوب الكبتاجون ينشطون قبل الاختبارات في بيع هذه المادة، تحت عنوان أنها تساعد الطلاب على التركيز، وهو أحد الأساليب لجلب الصغار والمراهقين للتعاطي، وهنا يأتي بخلاف دور الأجهزة الأمنية في الرصد والإطاحة بالمروجين، دور الأسرة في توعية أبنائها وعدم إغفالهم، خاصة في هذه الفترات التي يكون فيها الطالب مشتتا يحتاج فيها للرعاية.