مطالبات بتنظيم الإيجارات عبر تصنيف وتثمين الوحدات السكنية

تقدير بارتفاع أسعار المساكن 50% خلال عامين

صورة أرشيفية لمحافظة جدة (تصوير: خضر الزهراني)
TT

تواجه الأسر السعودية ثلاثة مواسم متتالية تتطلب سيولة كبيرة تعصف بدخلها المادي، والمواسم هي «رمضان والعيد وعودة المدارس». ويضاف لقائمة مصاريف بعض الأسر موعد تسليم إيجار السكن، ما يصل الحال بالبعض منهم بسبب التعثر في الوفاء بسداد هذه القائمة، لتأجيل دفع الإيجار أو اللجوء إلى الاقتراض، وفي كلتا الحالتين السيناريو المحتمل لبعض من هذه الحالات بلوغ أبواب المحاكم للإيفاء أو المطالبة بالحقوق.

وبحسب مؤشرات الدراسات، فإن 75 في المائة من الأسر السعودية تسكن بالإيجار، في حين بلغ ارتفاع أسعار إيجار المساكن 50 في المائة خلال عامين فقط، بينما تعد هذه الأرقام مصدر تساؤل الكثير من المختصين والمواطنين.

وطالب مختصون ومواطنون بتدخل الدولة ممثلة في وزارة الإسكان، لوضع قانون يحدد أسعار إيجار الوحدات السكنية ضمن تصنيف معين يحدد السعر من خلاله حسب عدد المنافع ونوع الخدمات، إضافة إلى تحديد نسب ارتفاع الإيجارات السنوية ووضع حد سقف أعلى للإيجارات؛ تفاديا لحدوث فجوات سعرية تضر بالمستأجر.

وفي هذا الخصوص، أوضح فهد البكران، المتحدث الرسمي بوزارة العدل، لـ«الشرق الأوسط»، أن مجمل القضايا المنجزة في المحاكم العام الماضي 1433هـ بلغ 682 ألف قضية تحتل القضايا الحقوقية منها نسبة 33 في المائة. ورأى أن أعمال أحكام نظام التنفيذ من شأنه تسريع عملية التقاضي في السعودية، وأنه سيقلل من عدد المنازعات المعروضة أمام القضاء بنسبة لا تقل عن 30 في المائة من إجمالي القضايا حاليا.

وعزا ذلك إلى معالجة النظام للمنازعات بشكل وقائي، من خلال توسعه في السندات التنفيذية، بعد أن كان السند التنفيذي مقتصرا على الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم واللجان القضائية، ما أضاف لها جملة من السندات كأحكام المحكمين ومحاضر الصلح المصادق عليها من المحاكم والأوراق التجارية والعقود الموثقة والمحررات العادية المقرة بمضمونها من قبل طرفيها.

واعتبر أن حدوث ذلك لن يجعل المتعاقدين يحتاجون عند حدوث النزاع إلى اللجوء للمحاكم للفصل في منازعاتهم وإثبات حقوقهم الثابتة بموجب تلك السندات، وإنما سيقتصر الأمر على اللجوء لقاضي التنفيذ لتنفيذ السند التنفيذي وفق أحكام نظام التنفيذ. وشدد على أن حقوق العباد مبناها على المشاحة، ولا يجوز إسقاط حق الغير بغير إذنه، ولا يجوز أخذ ماله من غير رضاه.

من جهته، أوضح المهندس جمال برهان أن أحد الأسباب الرئيسة التي تسببت في نشوء قضية وأزمة الإسكان في السعودية وارتفاع أسعار الأراضي، اشتراط الأرض في صندوق التنمية العقاري منذ إنشائه 1394هـ - 1974 للحصول على قرض سكن.

وأوضح أن اشتراط الأرض تسبب في حدوث ثلاث أزمات للإسكان في السعودية على مدى 44 سنة الماضية، بعد أن وصلت فترة الانتظار للحصول على قرض سكن أكثر من 15 سنة، والعجز في تلبية الطلبات.

ولفت إلى أنه لم يتم إلغاء شرط الأرض إلا قبل سنتين، تحديدا عام 1434هـ، بتوجيه سام من خادم الحرمين، وهو القرار الذي لم يكن يريده المتاجرون بالأراضي بعد أن وصلت أسعار القطع السكنية اليوم في بعض المواقع إلى أكثر من مليوني ريال بنسبة ارتفاع سنوي وصل إلى أكثر من 50 في المائة، وهو ما لم يحدث في أي بلد في العالم، ورأى أن معطيات أزمة الإسكان اليوم التي تعيشها السعودية تختلف عن أزمة الإسكان السابقة قبل 15 سنة، وكانت في التملك.

وبين أن الأزمة امتدت اليوم إلى الإيجار بعد أن أصبحت النسبة العظمى من الأسر السعودية والتي تعادل أكثر من 75 في المائة بحسب مؤشرات الدراسات في مساكن إيجار، وارتفاع الإيجار في السنوات الأخيرة على ذوي الدخل المحدود بنسب مرتفعة وصلت إلى 100 في المائة، ما يعني أننا اليوم أمام أزمة إيجارات مساكن كبيرة، وستتفاقم إذا لم تكن هناك حلول عاجلة.

ولفت إلى أن نسبة المساحات المبنية في السعودية 2 في المائة فقط، وأن 98 في المائة من مساحة السعودية مساحات وأراض خالية، وسط ارتفاع في أسعار الأراضي بلغ أكثر من 50 في المائة سنويا، وأنه في المقابل في دول أوروبا تعدت نسبة المساحات المبنية أكثر من 60 في المائة، مع فرض الدولة منع ارتفاع سعر الأرض عن 5 في المائة سنويا.

وطالب بالتحرك السريع للمساهمة في قضية أزمة الإسكان من خلال مساكن التأجير وتنمية مشاريع مساكن الأوقاف وتقديم وحدات سكنية بأسعار إيجار مخفضة كما كان سائدا في مدن ومناطق السعودية من سنوات بعيدة.

وبين أن 75 في المائة من مساكن جدة التاريخية في منطقة البلد كانت مساكن وأوقافا تؤجر للسكان بأسعار مخفضة، وتجسد التكافل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية.

من جهة أخرى، أوضح الدكتور سالم باعجاجة، أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف، لـ«الشرق الأوسط»، أن نسبة ارتفاع الإيجارات في السعودية خلال السنتين الماضيتين تراوحت بين 30 و50 في المائة، واصفا هذه النسبة بالعالية جدا في المعايير التاريخية والإقليمية.

وأرجع السبب إلى تحكم وسيطرة أصحاب العقار والمتعاملين في سوق العقار، وغياب التدخل الحكومي، وندرة تمويل الرهون العقارية، محذرا من التأثيرات السلبية على ميزانية الأسر الناتجة عن هذه الارتفاعات التي تشكل عبئا على رب الأسرة في ظل ثبات الرواتب.

ورأى باعجاجة أن كثرة الطلب على الوحدات السكنية، وعدم وجود نظام لتسعير الوحدات السكنية، إضافة إلى عدم تدخل الجهات المسؤولة، كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى الزيادة وصعوبة مواكبتها من قبل المواطنين في السنتين الأخيرتين، ما تسبب في تمادي ملاك العقار.

وطالب بضرورة وضع برامج تحفيزية للمطورين العقاريين «المستثمرين» كتقديم القروض من البنوك المحلية لبناء الوحدات السكنية المخصصة للإيجار وليس للبيع. وبين أن هذا الأمر معمول به في أكثر من دولة في العالم، من أجل المحافظة على سقف سعر الإيجارات.

وأوضح أن هذه الوحدات المخصصة للإيجار ستجعل هناك موازنة بين العرض والطلب، وكذلك عدم تأخير نظام الرهن العقاري، إضافة إلى تدخل الدولة متمثلة في وزارة الإسكان بأن تضع تشريعا قانونيا يحدد أسعار إيجار الوحدات السكنية حسب عدد المنافع التي بها، كما يختلف سعر الوحدة السكنية في المدن الرئيسة عنه في المدن الأخرى، كما ينبغي تحديد نسب ارتفاع الإيجارات السنوية ووضع حد سقف أعلى للإيجارات بحيث لا تحدث فجوات سعرية كبيرة تضر بالمستأجر.

بينما أشار إبراهيم الحربي، وهو خبير اقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الإيجارات تستقطع ما بين 30 و40 في المائة من ميزانية الأسر السعودية، لافتا إلى أن أعداد السعوديين الذي لا يملكون مساكن تقدر بـ80 في المائة، وذلك وفقا لآخر الإحصائيات في هذا الشأن، وهو ما يعني أن النسبة الكبرى من الطبقة المتوسطة في المجتمع لا تملك مساكن، لا سيما الجيل الجديد منها.

ورأى أن ترك الأمور تسير بهذا الشكل على هوى ملاك العقار سيتسبب في مشكلة كبرى للجيل الجديد الباحث عن وظائف، والذي زادت التزاماته عما كان في السابق، وسط تضخم في الأسعار لا يوجد له حل ولا حسيب أو رقيب.

وطالب وزارة الإسكان بتنظيم العلاقة بين مالك العقار والمستأجر، ووضع سقف لآلية الزيادة في الإيجار بحيث لا تتجاوز نسبة الارتفاع 5 في المائة من قيمة الإيجار، متى ما تطلب الأمر ذلك، شريطة أن تكون تلك الزيادة كل عامين.