مطالبات بفتح الاستثمار الفردي لحوالات الأجانب في السعودية

100 مليار ريال حوالات العمالة الوافدة العام الماضي

صورة أرشيفية لمقيمين يحولون أموالا لأهاليهم خارج البلاد («الشرق الأوسط»)
TT

يعمل أبو بكر الأمين، وهو مقيم سوداني في السعودية منذ ربع قرن من الزمان، في مؤسسة نشر صحافي، ويتقاضى مرتبا يلامس خمسة آلاف ريال شاملة كل الامتيازات. يصرف منها شهريا ثلاثة آلاف ريال؛ إذ يعول أمين ومحمد اللذين يدرسان الطب والهندسة بإحدى الجامعات في الفلبين، وما يتبقى من راتبه ألفا ريال، يوزعها على مصروفات الأسرة المقيمة معه.

حال أبو بكر لا يعدو حال مقيمين في السعودية يقارب عددهم في إحصائية رسمية ثمانية ملايين أجنبي، يوزعون رواتبهم على حاجاتهم المعيشية، ويحول غالبيتهم أموالا إلى بلدانهم حوالات تفوق دخولهم الشهرية المعلن عنها رسميا.

وفي موضوع الحوالات قدر مختصون حجم تدفقات تحويلات العمالة الأجنبية سنويا من الدول الخليجية عموما بـ120 مليار دولار، ومن السعودية بـ129 مليار ريال (48.3 مليار دولار) خلال عام 2012، في ظل توقعات بنمو العدد بنسبة 20 في المائة في عام 2013.

وتؤكد الجهات المصرفية السعودية أن البلاد تمتلك نظاما مصرفيا صارما لا يسمح بتمرير أموال تحويلات مخالفة للنظام أو مشبوهة، في حين يعتقد بعض الاقتصاديين أن الأمر جلل وينخر في الاقتصاد، محتملين استفحال ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتسرب أموال مشبوهة.

ويشدد طلعت حافظ، الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالسعودية، على أن يرجع سبب تدفقات تحويلات الأجانب الضخمة إلى ضعف الرقابة المصرفية وأجهزة الدولة ذات الصلة، مشيرا إلى أن السعودية تعد إحدى الدول العشر على مستوى العالم، في مكافحة عمليات غسل الأموال، رغم ما تتمتع بها من حرية مالية ومصرفية واقتصادية.

وقال حافظ: «تشهد حوالات الوافدين عاما بعد عام، تزايدا مطردا في حجمها، نتيجة لعدة اعتبارات، من بينها أن السوق السعودية ما زالت تعتمد بشكل كبير في تسيير تعاملاتها وإنجاز معاملاتها على العمالة الوافدة بشكل كبير، وبالذات الحرفية والمهنية منها»، مؤكدا أن سوق العمل السعودية لا تزال تشتكي ندرة كوادر وطنية قادرة ومؤهلة للعمل في مجالات فنية معينة لا يقبل السعودي العمل فيها لاعتبارات عدة، منها ما هو قائم على موروث ثقافي مجتمعي، في ظل عدم توافر المهارات المطلوبة، مثل الأعمال التي لها علاقة وارتباط بقطاع التشييد والمقاولات.

ونتيجة لذلك، ازدادت قيمة الحوالات الأجنبية لتلامس الـ100 مليار ريال (37.5 مليار دولار) في العام الماضي، مقارنة بما كانت عليه في عام 2006، حيث وصلت إلى 60 مليار ريال (22.5 مليار دولار). وأضاف حافظ: «ينبغي ألا ننسى أن هذه الزيادة التي طرأت على قيمة الحوالات الأجنبية، جزء منها عائد إلى زيادة دخول العمالة الأجنبية في الفترة ما بين 2006 و2012»، متابعا «أن البنوك السعودية تخضع في جميع تعاملاتها المصرفية، بما في ذلك الحوالات المحلية والأجنبية لمعايير رقابية صارمة، لتتأكد من سلامة تلك الحوالات، سواء من المصدر الرئيس لها أو المصدر المستفيد منها».

وزاد: «توجد في جميع مصارف اليوم السعودية وحدات أو إدارات متخصصة في متابعة ومراقبة حركات الحسابات الجارية للعملاء، بما في ذلك الحوالات للتأكد من سلامة نسقها ونمطها وسلوكها، وإذا ما لوحظ سلوك مريب في حركة الحساب، سواء الدائنة أو المدينة، يتفاعل على الفور مع حركة هذا الحساب، ليتأكد من أنها سليمة لا تشوبها شائبة».

ووفقا للأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية فإنه في حالة الاشتباه في حركة الحساب، يحول الأمر إلى الجهات الأمنية المختصة في السعودية، للتأكد من السلوك الحسابي المصرفي وسلامة التعاملات الجارية من خلاله، وأنها لا تنطوي على عمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.

وقال حافظ: «تطبق البنوك قاعدة اسمها (اعرف عميلك) التي تفرض بدورها على البنك معرفة عميله المالية والمصرفية عن كثب، بما في ذلك حركة الحساب».

وشدد على اختلافه مع آراء اقتصادية قال إنها تبالغ في ضخامة حجم التحويلات الأجنبية للخارج، كونها في نهاية الأمر تحمل مبررها الاقتصادي. وأضاف: «في ظل ما تتمتع به السعودية من حرية في نظامها الاقتصادي والمالي والمصرفي، فإنني أرى أنه ليس هناك ما يمنع من أن تقوم العمالة الوافدة بتحويل المبالغ التي تكسبها نتيجة عملها في السعودية إلى بلادها وأسرها؛ إذ إن هذا أمر طبيعي، طالما أن هذه التحويلات لا تحمل بين طياتها عمليات مصرفية غير نظامية أو مشبوهة».

وفي هذا الإطار أوضح الدكتور عبد الله المغلوث، عضو لجنة الاستثمار والأوراق المالية بغرفة الرياض، أن العمالة الوافدة إلى دول الخليج، بما فيها السعودية، تستهدف تعزيز اقتصاد دولهم، من حيث تحويل العملة الصعبة، سواء بالدولار أو الجنيه الإسترليني، من خلال العملات الخليجية، خاصة الريال السعودي. وأضاف: «إن دولا مثل الهند وباكستان والفلبين وغيرها من الدول الأخرى، بما فيها بعض الدول العربية، تعاني عجزا في العملة الصعبة لتعزيز اقتصادهم، حيث تقدر التحويلات بما بين مائة و120 مليار دولار سنويا على مستوى الخليج». وأكد المغلوث أن هذه المبالغ تشكل ثقلا على موازين الدول الخليجية عامة والسعودية خاصة، مبينا أن هناك نوعين من التحويلات، الأول يتمثل في تحويلات العمالة الوافدة الرسمية والقانونية، التي يتمتع أصحابها بإقامات سارية المفعول، وتعتبر ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني من خلال زيادة إنتاج السلع والخدمات. أما النوع الثاني من التحويلات فيتمثل في تحويلات المخالفين لنظام الإقامة الذين لا يمتلكون عقودا قانونية ويعمل معظمهم في قطاعات غير رسمية مجهولة، وتعد التحويلات استنزافا للموارد المالية في السعودية وغيرها من الدول الخليجية. ويعتقد عضو لجنة الاستثمار بغرفة الرياض أنه من حق العامل المنضبط والرسمي أن يحول رواتبه ومدخراته سواء لبلده أو لغيره، مبينا أنها تساهم في الحد من الفقر في بلدانهم وتساهم في تعزيز وضع أسرهم المعيشي والتعليمي والصحي، إلى جانب مساهمتها في التنمية الاقتصادية لبلدانهم، مشيرا إلى أن إجراءات مؤسسة النقد العربي السعودي بالشراكة مع البنوك تراقب تلك التحويلات.

واقترح المغلوث تعديل نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية وسن تشريعات تسمح للوافد باستثمار مدخراته ورواتبه في قطاع الأسهم والصناديق العقارية والصناعية وامتلاك العقار، كإجراء عملي لتوطين تلك التحويلات المزمع تحويلها إلى الخارج.

ويرى المغلوث أن هذا السلوك يعزز الانتماء لهذا البلد، من خلال ما تحققه أمواله من أرباح مالية إضافية واستقرار اجتماعي واقتصادي.

أما المحلل المالي عبد الحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية، فيرى غير ما ذهب إليه حافظ، مقدرا تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج خلال عام 2012 بما يتراوح بين 125 مليار ريال إلى 129 مليار ريال (46.9 مليار دولار إلى 48.3 مليار دولار).

وأوضح أن السعودية تعتبر بموجب بيانات البنك الدولي من أكبر اقتصادات العالم في عمليات التحويلات الخاصة بالعمالة للخارج، مبينا أن ذلك يؤكد أن نسبة التسرب الاقتصادي تصل إلى نحو خمس حجم الاقتصاد اللانفطي. ووفق العمري فإنه بالنظر إلى سياسات وبرامج وزارة العمل التي تنفذها للحد من هذه التحويلات بهدف توطينها في الوظائف، فإنها لم تكن فاعلة للحد منها، «بل يبدو أنها في تنام متزايد، وذلك بسبب تركيزها على الوظائف متدنية الأجور والمهارات».

وقال: «كون أن المصدر الأساسي لتلك التحويلات هو الوظائف عالية الأجور، في ظل تزايد أنشطة التستر التجاري، فإنه من المحتمل أن نشهد الفترة المقبلة تسترا من نوع جديد وهو التستر بالتحويلات نفسها، وذلك بأن تتم تحت أسماء مواطنين بالاتفاق معهم بكيفية معينة».

ولفت العمري إلى أن هذا السلوك التستري المحتمل، بمقدوره أن يتجاوز بعمليات التحويل آليات التشريع التنظيمي لوزارة العمل المتعلقة بمراقبة التحويلات، محملا الجهات المعنية ضعف الرقابة في ظل ضعف سلامة وصرامة النظام المصرفي السعودي.