السعودية تسخر قطاعاتها لخدمة الحجاج وتطور مفهوم الرفادة

مليارات تنفق لتطوير المشاعر وتوسعة الحرمين

جانب من المشاريع التي شيدتها الحكومة السعودية في المشاعر المقدسة (واس)
TT

غيرت السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، قبل 83 عاما، وحتى يومنا هذا، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مفهوم الرفادة وخدمة الحرمين في «مكة المكرمة، المدينة المنورة» في مساراتها الثلاثة (المادية، البشرية، واللوجيستية) من المفهوم التقليدي الفردي في تقديم العون والمساعدة، إلى إخضاع كل قطاعات الدولة ومقدراتها للعمل على راحة زائري أقدس بقاع الأرض.

وأنفقت الحكومة السعودية مئات المليارات من الدولارات في مشاريع توسعة الحرم المكي والمسجد النبوي، التي انطلقت في عهد الملك عبد العزيز عام 1344هـ، والعمل على صيانته وإصلاح المسجد الحرام، إلى أن أدخل التيار الكهربائي مطلع عام 1373هـ، لتكون أولى محطات الحكومة في وضع كل مقدراتها لخدمة الحرمين وزائريه من الداخل والخارج.

وطوعت الحكومة السعودية التقنية الحديثة لما يخدم الحاج، ليخرج مفهوم الرفادة وتوسعة الحرمين من قالبه التقليدي في رعاية الحجاج في العصور الأربعة السابقة (العصر الجاهلي، والأموي، والعباسي، والعثماني)؛ إذ كان يخرج مجموعة من سادة قريش في العصر الجاهلي شيئا من أموالهم لشراء الطعام والشراب وتقديمه لفقراء الحجاج، وهو ما كان يعرف بـ«الرفادة»، وتوالت بعض الأعمال في العصور التالية للاهتمام بالمسجدين الحرام والنبوي، وتتغير الحال في العهد السعودي الذي أسهم في راحة الزائر منذ لحظة وصوله، مرورا بتأدية المناسك، وانتهاء بمغادرة البلاد.

واستمرت السعودية بمرور الأيام مع تسلم الملوك سعود، وفيصل، وخالد دفة الحكم، الذين ساروا على نهج أبيهم المؤسس، في تطوير وتوسعة الحرمين وخدمة الحجيج؛ إذ وسع الملوك الثلاثة في المسجد الحرام بمكة المكرمة بمساحة إجمالية بلغت 193 ألف متر مربع، ليستوعب قرابة 400 ألف مصلّ، تلت ذلك عمليات توسعة كبرى في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، إذ بلغت مساحة المسجد قرابة 356 ألف متر مربع يستوعب نحو 600 ألف مصل، مع إدخال أنظمة حرائق متطورة ومجارٍ للسيول.

ويتوالى الاهتمام والتوسعة بالمسجد الحرام والمشاعر المقدسة، التي كان آخرها ما أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بإطلاق أكبر توسعة للحرم المكي الشريف، الذي من المتوقع مع انتهاء مشروع التوسعة أن يستوعب قرابة 1.2 مليون مصلّ، في حين سيتسع المطاف لنحو 105 آلاف طائف خلال الساعة الواحدة، تقابله التوسعة في الحرم النبوي الشريف ليستوعب نحو مليوني مصل، وهي أكبر توسعة للحرمين على الإطلاق.

وشهدت المشاعر المقدسة نقلة نوعية في المواصلات، بعد إطلاق مشروع قطار المشاعر الذي يهدف إلى تخفيف الازدحام المروري، واختصار الفترة الزمنية، بالإضافة إلى مشروع النقل العام في مكة المكرمة، الذي يربط مناطق مكة المكرمة المختلفة بشبكة متكاملة ومتنوعة من وسائط النقل، مثل القطارات، المترو، الحافلات، السيارات، وتبلغ التكلفة المبدئية لهذا المشروع نحو 62 مليار ريال تقريبا.

ووضعت السعودية جميع قطاعاتها العسكرية والمدنية، في خدمة المعتمر والحاج، لتقديم الخدمة دون عوائد اقتصادية، وتعد الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تقدم خدمات في الصحة، التجارة، القضاء، والبلديات، بالإضافة إلى القطاعات العسكرية التي تقوم بعمليات الإسعاف والإرشاد والسهر على راحة الحجاج، وإدارة الحشود في المشاعر المقدسة، التي شهدت أهم المشاريع «جسر الجمرات»، الذي أسهم في خفض التدافع والزحام، عبر طوابقه الخمسة، بطول بلغ 950 مترا وعرض 80 مترا.

وصمم المشروع على أساسات تحمل 12 طابقا وخمسة ملايين حاج في المستقبل، فيما يبلغ ارتفاع الدور الواحد 12 مترا، ويشتمل المشروع على ثلاثة أنفاق وأعمال إنشائية مع إمكانية التطوير المستقبلي، ويوفر المشروع 11 مدخلا للجمرات، ونحو 12 مخرجا في الاتجاهات الأربعة، مزودا بمهبط لطائرات مروحية تستخدم في حالات الطوارئ، وتم إعادة التفويج، على أن يفوج نحو 100 ألف حاج في الساعة بالطابق الأرضي للجسر، ونحو 80 ألف حاج في الساعة بالدور الأول، و60 ألفا في كل من الطابقين الثاني والثالث.

حيال ذلك، يقول الدكتور أسامة بن فضل البار أمين مكة المكرمة «إن العاصمة المقدسة حظيت بعناية بالغة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بصورة قل أن تجد نظيرا لها، حتى غدت تضاهي أكبر مدن العالم تطورا وازدهارا وفي أزمنة قياسية».

ويضيف البار: «هناك كثير من المشاريع الحيوية التي تنفذ حاليا في مكة المكرمة، منها مشروع توسعة المسجد الحرام الذي يعد الأكبر في تاريخ توسعة المسجد الحرام على مر العصور، ومشاريع التطوير العمراني، مثل جبل عمر، وجبل خندمة، وجبل الكعبة، وطريق الملك عبد العزيز الموازي، ومشروع قطار الحرمين السريع، ومشروع تطوير ومعالجة الأحياء العشوائية، التي اكتملت بمشروع النقل العام بالقطارات والحافلات في مكة المكرمة، حيث أحيط بمشروع الملك عبد الله لإعمار مكة المكرمة».

وأكد البار أن هذه المشاريع وغيرها من المشاريع التطويرية الكبرى ستشكل نقلة تنموية وحضارية كبيرة، ستجعل مكة المكرمة مدينة حضارية مميزة تحتفي بزائريها، بالإضافة إلى كثير من المشاريع الكبرى التي ستشهدها العاصمة المقدسة خلال العقد المقبل، التي ستسهم بشكل كبير في الوصول بها إلى مصاف المدن العالمية.

ولفت أمين مكة المكرمة إلى أن هذه المشاريع الضخمة والإنجازات الحضارية وضعت السعودية في مكانة متقدمة على مسرح البناء والاقتصاد العالمي الجديد، وهي تنبع من منطلق وطني وشعور بالمسؤولية، وهي استراتيجية قادة هذه البلاد منذ عهد المؤسس، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، في دفع مسيرة البناء والتقدم، وما تم في هذه الفترة من تنفيذ كثير من المشاريع الكبرى في المجالات المختلفة، خاصة في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وفي إطار الاهتمام بمكة المكرمة والمدينة المنورة، لم تغفل السعودية كسوة الكعبة، التي تعد من أهم مظاهر الاهتمام بالبيت الحرام؛ إذ بدأت مع ملك اليمن «تبع الحميري»، الذي كساها من ثياب غلاظ، وكانت الكسوة توضع على الكعبة بعضها فوق بعض، فإذا بليت أزيلت عنها، حتى آلت الأمور إلى قصي بن كلاب الجد الرابع للرسول (صلى الله عليه وسلم)، الذي كسا الكعبة بعد أن احترق ثوبها على يد امرأة كانت تبخرها، وتلا ذلك الخلفاء، إلى أن أصدر الملك عبد العزيز أوامره في أحلك الظروف، بعد أن توقفت مصر عن إرسال الكسوة في أيام الحج لأسباب خارجية، على العمل الفوري في صناعة كسوة للكعبة المشرفة، التي صنعت من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي.

بعد هذه الواقعة، وتحديدا عام 1346هـ، أصدر الملك عبد العزيز أمرا بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وبذلت الحكومة السعودية في تلك الحقبة جهودا كبيرة في توفير العناصر الأساسية لكسوة الكعبة التي كانت غير متاحة في المملكة، وظل هذا المصنع يصنع كسوة الكعبة الشريفة حتى عام 1397هـ إلى أن تم الانتقال إلى المصنع الجديد في أم الجود بمكة المكرمة.

وهنا يقول الدكتور لؤي الطيار الخبير في الشأن الاقتصادي إن المراد من إطلاق مشاريع، سواء من القطاع العام أو الخاص، يتمثل في العائد المادي من هذه المشاريع، وكيفية الاستفادة في مسارات مختلفة أبرزها رفع اقتصاد الدول المنفذة لمشاريع كبرى، وهي الحالة الاقتصادية غير المطبقة في السعودية، وتحديدا في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتطلق المشاريع لهدف واحد يتمحور حول راحة الزائرين في أداء المناسك بكل يسر وسهولة.

وقال الطيار: «المتعارف عليه للحصول على أي خدمة هو دفع رسومها، ولك الحق في إبداء وجهة نظرك في هذه الخدمة، وفي المملكة تقدم الخدمات في كل القطاعات للحجاج والمعتمرين دون أي رسوم، وتستقبل منك هذه الجهات الآراء حول الخدمة ومضمونها، على الرغم من أن خدمة واحدة تنفذ لحاج تكلف الحكومة السعودية ملايين الريالات كالإسعاف الجوي، وعمليات القلب ونحوها».

وانتهجت السعودية خطا ثابتا على مدار 80 عاما، في تطوير الحرمين كلما دعت الحاجة، وينعكس بالإيجاب على أداء المعتمرين والحجاج المراقبين خلال السنوات الماضية للتطور المستمر في كل المرافق المساندة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، بخلاف المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهو ما يرويه حسين محمد وهو حاج مصري قدم إلى الأراضي السعودية ثلاث مرات لتأدية مناسك الحج، ولمس الفارق (حسب قوله) في زيارته لتأدية مناسك الحج من مشاريع وجسور وكباري، وانتهاء بمشاريع القطارات والتوسعة الحالية التي يشهدها الحرم المكي.