تجمع بالرياض يبحث «التصنيفات الفكرية» في الوحدة الوطنية

اللقاء السابع للحوار الوطني ينطلق غدا بمشاركة 70 مثقفا من أطياف مختلفة

TT

يبحث 70 مفكرا ومثقفا يمثلون الأطياف المختلفة في السعودية، على مدى يومين في الرياض، التصنيفات الفكرية وأثرها في الوحدة الوطنية؛ للوصول إلى رؤية وطنية، بعيدا عن محاولات الإقصاء والتحزب والعداء، وصياغة خطاب ثقافي مؤثر في الساحة المحلية والعربية.

يأتي هذا اللقاء الذي ينطلق يوم غد (الأربعاء) ضمن فعاليات اللقاء السابع للخطاب الثقافي السعودي، والذي يعقد تحت عنوان «التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي السعودي»، بحضور 70 مشاركا، ومشاركة نخبة من العلماء، والمثقفين والمثقفات، والأدباء والأديبات، والمهتمين بقضايا الخطاب الثقافي في السعودية. يهدف اللقاء إلى صياغة خطاب ثقافي سعودي مؤثر في الساحتين المحلية والعربية، ضمن رؤية وطنية، بعيدة عن محاولات الإقصاء والتحزب الفكري، من خلال الدعوة إلى الوسطية والحوار على مبدأ احترام الاختلافات وأفكار الآخرين، وعدم التصنيف. ويتناول اللقاء الكثير من الموضوعات، أبرزها التصنيفات الفكرية وواقعها في الخطاب الثقافي السعودي، والتصنيفات الفكرية ومغذياتها في الخطاب الثقافي السعودي. والتصنيفات الفكرية وأثرها في الوحدة الوطنية ومسؤولية النخب السعودية في هذا الشأن، فيما يناقش المحور الرابع، كيف نبني خطابا ثقافيا يتجاوز التمحور والتصنيف نحو الحوار والتعايش الفكري.

ويعد هذا اللقاء تواصلا مع اللقاءات الوطنية للخطابات الثقافية التي يعقدها المركز كل عام، والتي يحرص على تنويعها لمناقشة الجوانب والقضايا التي تمس الواقع والحياة العامة، والقضايا التي يحرص المجتمع السعودي على مناقشتها وطرحها دائما للبحث والنقاش لتبادل الرؤى؛ للوصول إلى قواسم مشتركة يتفق عليها الجميع، في إطار الثوابت الشرعية والوطنية. ويغطي اللقاء، أربعة محاور، الأول، جانب التصنيفات الفكرية وواقعها في الخطاب الثقافي السعودي، من خلال مفهوم التصنيف الفكري، والفرق بينه وبين التنوع الفكري، وحقيقة التصنيفات من حيث سماتها، وأنواعها، ومظاهر التصنيفات الفكرية في السجالات الثقافية الإعلامية، والتواصلية. في حين يبحث المحور الثاني، موضوع مغذيات التصنيفات الفكرية في الخطاب الثقافي السعودي، بمناقشة منبع هذه المغذيات التي تتصاعد بالتصنيفات إلى درجة العداء والتحزب، وكذلك طبيعتها؛ هل هي نفسية، أم اجتماعية، أم دينية؟ ثم هل هذه المغذيات محلية، أم إن شيئا منها وافد من الخارج؟

ويغطي المحور الثالث، من محاور اللقاء موضوع آثار التصنيفات الفكرية في الوحدة الوطنية، ومسؤولية النخب السعودية في هذا الشأن، انطلاقا من انعكاس وصول التصنيفات الفكرية وتجاوزها إلى نوع من التشظي، والتخوين، والتكفير، وانعدام التفاهم المتبادل، ونحوها من صور الشقاق؛ ما ينعكس - لا ريب - على الوحدة الوطنية، ومناقشة صور هذه الانعكاسات ومخاطرها، ومسؤولية الرواد والفاعلين في ميدان الخطاب الثقافي إزاء هذه المشكلة القائمة في ساحتهم الثقافية. ويناقش المحور الرابع كيفية تبني خطاب ثقافي يتجاوز التمحور والتصنيف نحو الحوار والتعايش الفكري، في ظل الوحدة الوطنية، من منطلق أن التنوع الفكري في أي مجتمع حالة طبيعية، والتصنيف الفكري حالة سلبية؛ فلماذا لم يستطع مثقفو المجتمع وعلماؤه بناء خطاب ثقافي يجعل التنوع سبيلا للتعارف والتفاهم والتقارب، في ظلال الوحدة الوطنية للمجتمع السعودي، والسبيل إلى ذلك، والوسائل اللازمة لتحقيقه؟

وتتضمن فعاليات اللقاء في اليوم الأول جلسة الافتتاح مساء، ثم مناقشة التصنيفات الفكرية وواقعها في الخطاب الثقافي السعودي، تعقبها الجلسة الثانية عن مغذيات التصنيفات الفكرية في هذا الخطاب، وخصصت في اليوم الثاني بعد غد (الخميس) جلستان الأولى عن آثار التصنيفات الفكرية على الوحدة الوطنية، ومسؤولية النخب السعودية في هذا الشأن، وكيف نبني خطابا ثقافيا يتجاوز التمحور والتصنيف نحو الحوار والتعايش الفكري في ظل الوحدة الوطنية. وأكد الدكتور مرزوق بن تنباك، المفكر والناقد والأديب والمؤلف، الأهمية التي ينشدها المجتمع من هذا اللقاء الذي يتناول موضوعا مهما هو، التصنيفات الفكرية وأثرها في الخطاب الثقافي المحلي والعربي والإسلامي، محذرا من الآثار المدمرة لهذه التصنيفات في الدولة والمجتمع، مشددا على أهمية الحرية في الإطار الفكري للقضاء على التخوين والتكفير والإلغاء التي تعد ديدن هذه التصنيفات. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التصنيف الفكري بدأ في كل الثقافات القديمة والحديثة؛ بل لا توجد ثقافة ليس فيها تصنيف»، معتبرا في هذا الصدد أن المذاهب الدينية أول تصنيف فكري عرفه الإنسان، مشيرا إلى أن الذي جد في هذا الجانب في العصر الحاضر التصنيف الذهني.

وأكد بن تنباك أن هناك تصنيفات طارئة تم تطبيقها على المجتمعات العربية والإسلامية في غير محلها، ولم تكن حقيقية، أخذت منها أسماؤها على غير دلالتها، موضحا - في هذا الصدد - أن بلداننا العربية والإسلامية استقبلت تصنيفات عالمية أخذت بغير مفهومها، وخالفت مصطلحات البلاد التي نشأت فيها مثل الديمقراطية والعلمانية، وتم إفراغها من محتواها ومعانيها.

وأوضح أن العلمانية - على سبيل المثال - في عالمنا الإسلامي مصطلح في رأي البعض ضد الدين، والحقيقة أن العلمانية بمفهومنا هي نصير الدين؛ بل هي وسيلة للحفاظ على العبادات وحرية التعبير. ورأى أن القضاء على معضلة التصنيفات الفكرية يكمن في إقرار وبناء الحرية في الإطار الفكري، وأن تكون هذه الحرية منضبطة، من خلال آليات تتمثل في حرية التفكير، وعدم الحجر على الفكر البناء والحر، الذي لا يميل إلى التصنيفات، وصولا إلى أن يكون هذا سلوك مجتمعيا طبيعيا.

من جانبه، اعتبر الدكتور خالد الدخيل، المفكر والخبير السياسي، أن التصنيفات الفكرية وضعت حواجز بين الناس، وشكلت معضلة، وهو ما أوجد صعوبة في إمكانية التفاهم بين فئات المجتمع، مشددا على أنه لا يمكن أن تكون هناك وحدة وطنية ومجتمع آمن، في ظل وجود تصنيفات لأفراد المجتمع، خصوصا عندما تكون التصنيفات مغلقة، وهو ما يقود إلى قتل الوحدة الوطنية، والذهاب إلى أبعد من ذلك بالتشكيك في كل أمر يحقق الوصول إلى هذه الوحدة. وأبلغ الدخيل «الشرق الأوسط» أمس أن الوصول إلى حل لمعضلة التصنيفات الفكرية يكمن في الاعتراف بالحق الطبيعي لكل فرد من أفراد المجتمع، والمتمثل في حرية التفكير والتعبير، لافتا إلى أن الاستماع إلى الرأي واحترامه وتفهمه لا يعني بأي حال قبوله، كما لا يعني تجريم طارحه ومتبنيه وإقصاءه وإلغاءه واستعداءه. وأكد أن الكبت والتضييق وإحكام الرقابة على الرأي لا يخلق مناخا فكريا آمنا، سواء صدر ذلك من مؤسسات الدولة أو من المجتمع بكامله، ولعل المعضلة الكبرى في ذلك، أن الشخص سيكون في ظل هذا المناخ رقيبا على نفسه، وهذا مصدر خطورة كبير وكارثي.

وشدد الدكتور الدخيل على أن علاج هذا الأمر يحتاج قرارا سياسيا من الدولة التي تملك الحق التشريعي في إقرار هذه الحرية داخل إطار الدولة والقوانين، وفق الأنظمة المعمول بها، رافضا أن تنشد هذه الحرية من خارج هذا الإطار؛ لأنها ستقود إلى الفوضى، وهو أمر غير مقبول، ولن يحقق الهدف في بناء مجتمع تجاوز التمحور والتصنيف نحو الحوار والتعايش الفكري والتعددية. ورأى أن الإسلام يؤكد التعددية التي هي - في رأيه - مشيئة إلهية، موردا في هذا الصدد قوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». وتمنى الدكتور الدخيل أن يخرج اللقاء بتوصيات ورؤى يمكن تفعيلها إلى برنامج عمل يحقق الوصول إلى احترام الاختلافات، وتجاوز التصنيفات، والبعد عن العداء والتحزب، وألا يكون اللقاء مجرد ملهاة أو ترف فكري، كما يحدث في كثير من اللقاءات والتجمعات المماثلة محليا وعربيا وإسلاميا.