قانونيون: إضافة بنود لنظام «الإيذاء» تغني عن استحداث تشريع خاص بالتحرش

العمل على ايجاد نصوص قانونية في حال خلو أي علاقة بين الجاني والضحية

تشير إحصائية رسمية سعودية إلى بلوغ عدد قضايا التحرش المرصودة هذا العام 2797 قضية (تصوير: أحمد فتحي)
TT

تحتفي الأوساط السعودية بصدور نظام الحماية من الإيذاء، الذي من المقرر العمل عليه بعد أسابيع قليلة، وينادي قانونيون سعوديون بضرورة سن نظام لمكافحة التحرش في الأماكن العامة، الأمر الذي يفتح باب التساؤل عما إذا كان نظام الحماية من الإيذاء يشمل وقائع التحرش ويتعامل معها، أم أن النظام الجديد لا يمنع التحرش بالصرامة المطلوبة.

وعلى الرغم من شمولية نظام الحماية من الإيذاء عددا واسعا من الملفات، فإنه يشترط وجود علاقة بين الجاني والضحية، تحت اعتبارات «الولاية، والسلطة، والمسؤولية، والإعالة، والكفالة، والوصاية، والتبعية المعيشية». هذه العلاقة ترجح خلو النظام من البت في قضايا التحرش، على اعتبار أن واقعة التحرش قد تحدث في الأسواق والأماكن العامة، وبالتالي لا تقوم على أساس وجود علاقة بين الجاني والضحية في معظم الأحيان.

أمام ذلك، يوضح الدكتور أحمد الصقية، وهو محام ومستشار قانوني، أن هذه التنظيمات لها أهميتها داخل المجتمع، لكونها تعزز السلم الاجتماعي بشكل عام، إلى جانب ما تنشره في الجانب الوقائي، ويقول إن «نظام الحماية من الإيذاء من الممكن أن يشتمل على التحرش بحيث يغطي هذا الجانب إلى حين صدور نظام خاص بالتحرش الذي يعد أوسع من الإيذاء في بعض جوانبه، خصوصا ناحية الاختصاص والضبط».

ويكمل الصقية في حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «جانب الإيذاء أضيق من جهة أنه في الغالب يرتبط بالجانب الأسري، ولذلك فوزارة الشؤون الاجتماعية تختص به.. هناك تصور أن نظام الحماية من الإيذاء يشمل حاليا ويغطي كل هذا، إلا أن المزيد من التنظيم والترتيب لنظام الإيذاء في الجانب التشريعي من التحرش سيجعله يغطي بشكل أدق، من باب التثقيف وطرق الوقاية والعملية الضبطية».

ويقول المستشار القانوني أحمد المحيميد، وهو عضو برنامج الأمان الأسري الوطني، إن «الأنظمة لا تقاس بكثرتها، وإنما بفعاليتها وتطبيقها بشكل عادل على الجميع، ومتى كان النظام القانوني مستوفيا لشروط القاعدة القانونية، وهي أن يكون النظام عاما ومجردا وملزما، فلا حاجة لإصدار أنظمة أخرى مشابهة أو ذات صلة في الموضوع».

ويضيف المحيميد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «نظام الحماية من الإيذاء لم يكن عاما، حيث اقتصر على ذوي العلاقة في البيت والعمل، ولم يكن مجردا من الشروط والاستثناءات، كما أنه لم يكن ملزما على الجميع، لذلك لا أستغرب صدور أنظمة أخرى مشابهة مثل نظام للحماية من التحرش ونظام حماية الطفل، وكم تمنيت لو كان نظام الحماية من الإيذاء شاملا للأنظمة المذكورة عبر نظام موحد ذي هيبة وشخصية قانونية قوية».

وقدم الدكتور محمد البجاد، وهو مستشار قانوني ومدرب لقضاة المحاكم الشرعية في المعهد العالي للقضاء، دورات تدريبية حول «النطاق القانوني لنظام الحماية من الإيذاء»، للتعريف بالنظام الجديد، ويرى أن «التحرش هو جريمة تجري مع أشخاص بينهم علاقة أو لا توجد بينهم علاقة، لكن إذا كان بينهم علاقة نضيف له أنه جريمة إيذاء، وهذه الإضافة تجعل عقوبته أكبر».

ويفيد البجاد بأن من يتحرشون بالنساء في الأماكن العامة يعاقبون إما بالسجن وإما بالجلد، لكن إذا كان هناك علاقة بين الجاني والضحية فيجري إضافة جريمة الإيذاء لهذا التحرش. وبسؤال البجاد عن القانون الذي يخضع له القائم بواقعة التحرش في حال عدم وجود علاقة مع الضحية وخروجه من دائرة نظام الحماية من الإيذاء، أفاد بأنه ينظر هنا لجريمة التحرش على أنها من جرائم الاعتداء الجنسي.

يأتي ذلك في حين تقدر آخر إحصائية رسمية حجم قضايا التحرش في السعودية خلال العام الحالي بـ2797 قضية، يمثل المتهمون فيها من السعوديين نسبة 59.9 في المائة، في حين تذهب النسبة المتبقية إلى المقيمين من غير السعوديين بنحو 1128 قضية تحرش.

وكان مجلس الوزراء السعودي وافق في جلسته التي عقدت أواخر شهر أغسطس (آب) الماضي، على نظام الحماية من الإيذاء، الذي يهدف إلى ضمان أمور عدة، من بينها توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه، وتقديم المساعدة والمعالجة والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والمساعدة اللازمة لذلك، واتخاذ الإجراءات النظامية بحق المتسبب بالإيذاء ومعاقبته.

وفي المحور ذاته، رأت مشاعل السناني، وهي مستشارة قانونية في برنامج الأمان الأسري الوطني، أن نظام الحماية من الإيذاء جاء استجابة للاتفاقيات الدولية التي وقعتها السعودية، والتي كانت تتطلب إيجاد أنظمة داخلية تحمي من الإيذاء، خاصة بالنسبة للمرأة والطفل، عادة النظام «نقلة نوعية من الأنظمة».

يذكر أن المادة الأولى من النظام نصت على تعريف الإيذاء بأنه كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية، أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية. ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعا أو نظاما توفير تلك الحاجات لهم.

وتتضمن شروط توفر جريمة الإيذاء جانبين، الأول يتعلق بالشروط الموضوعية، كأن يتضمن الفعل استغلالا أو أن يتضمن الفعل إساءة معاملة (جسدية أو نفسية أو جنسية)، أو أن يتضمن تهديدا بالاستغلال أو إساءة المعاملة، في حين يتناول الجانب الثاني الشروط المتعلقة بمن يقوم بالإيذاء، ويشمل ذلك تجاوز حدود العلاقة بين الجاني والضحية، إذ لا بد أن تربط الجاني بالضحية علاقة، ويجري تجاوز حدود هذه العلاقة من قبل الجاني، ويجري تقدير هذا التجاوز وفقا لم تحدده الأنظمة أو العرف لحدود تلك العلاقة. وتتولى وزارة الشؤون الاجتماعية والشرطة تلقي البلاغات عن حالات الإيذاء، سواء كان ذلك ممن تعرض له مباشرة أو عن طريق الجهات الحكومية، بما فيها الجهات الأمنية المختصة أو الصحية، أو الجهات الأهلية، أو ممن يطلع عليها، وإذا تلقت الشرطة بلاغا عن حالة إيذاء فإن عليها اتخاذ ما يدخل ضمن اختصاصها من إجراءات وإحالة البلاغ مباشرة إلى الوزارة.

وينص النظام على أنه لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلغ عن حالة إيذاء إلا برضاه، أو في الحالات التي تحددها اللوائح التنفيذية. ويلتزم موظفو الوزارة وكل من يطلع - بحكم عمله - على معلومات حالات الإيذاء، بالمحافظة على سرية ما يطلعون عليه من معلومات، في حين يسأل تأديبيا كل موظف عام - مدني أو عسكري - وكل عامل في القطاع الأهلي، وكل شخص اعتباري (جهة العمل)، يخالف أيا من الأحكام المتعلقة بالإبلاغ عن حالات الإيذاء الواردة في هذا النظام.