تضييق الخناق على العمالة المخالفة يفاقم التجاوزات الصحية

رصد أكثر من مائة ألف مخالف لنظام الإقامة والعمل في السعودية

أجنبيان يعملان في مزرعة بمنطقة الرياض حيث تعتمد غالبية المهن البسيطة على الأجانب (رويترز)
TT

شهدت الأيام الأخيرة من العام الحالي ارتفاعا ملحوظا في سقف التجاوزات الصحية أو ما يعرف بـ«الغش التجاري» في الكثير من المدن السعودية، التي كان آخرها أول من أمس «الجمعة»، بسقوط شركة دواجن ترفد السوق المحلية، اتضح لاحقا أنها تحمل علامات تجارية مزورة، وتجهز في مواقع غير مستوفية للشروط الصحية وبطرق بدائية في عملية السلخ والذبح.

ويبدو أن هذا السقوط المتكرر مبرر من الجهات المختصة، التي تتوقع ارتفاعا في نسبة الغش وبكميات كبيرة خلال الفترة المقبلة، بعد انقضاء فترة التصحيح التي أعلنتها البلاد في المرحلة السابقة، وانطلاق مرحلة التفتيش للمواقع والمنازل التي تفيد بحسب التحريات بوجود عمالة مخالفة، لكسب المال في مدة وجيزة تحسبا من سقوطهم خلال الحملات الرقابية أو التفتيشية للتأكد من سلامة إقامتهم في البلاد.

ويتوافق هذا العدد المتصاعد من الحالات وحجم الكميات المضبوطة، مع ما يطلقه السعوديون في مجالسهم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، منذ انتهاء المهلة التصحيحية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، بعدم الذهاب أو التردد على المطاعم أو منافذ البيع الشعبية، أو تلك التي تعاني من نقص العمالة وتعتمد على عمالة غير نظامية، خوفا من الإصابة بحالات التسمم أو التعرض لأمراض وبائية، خاصة أن الأسبوع الماضي سجل سقوط خمسة مطاعم كبرى متخصصة في تقديم الوجبات السريعة، وشركة كبرى بعد ثبوت تورطها في استخدام مواد منتهية الصلاحية.

وفي سياق متصل، بلغ عدد الذين تم إيداعهم في دار الخدمات العامة في منطقة الشميسي الواقعة بين جدة ومكة المكرمة، بحسب شرطة المنطقة أكثر من مائة ألف مخالف لنظام الإقامة والعمل من مختلف الجنسيات، فيما بلغ عدد الذين أخذت بصماتهم تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية نحو 90 ألف شخص.

ويتوقع بحسب مختصين في الشأن القانوني، أن ترتفع وتيرة الحملات الأمنية والجهات ذات العلاقة في الفترة المقبلة على كثير من المواقع، بما في ذلك مواقع تجمع العمالة في عدد من الأحياء الشعبية التي تزدحم بالعمالة المخالفة لنظام الإقامة، معتبرين أن من أهم نتائج هذه العمالة تصحيح وضع السوق، خاصة في ظل تنامي عمليات الغش التجاري في جميع السلع الاستهلاكية والغذائية.

وبالعودة إلى موقع تصدير اللحم الأبيض في جنوب جدة، الذي يديره أكثر من 40 وافدا من الجنسية الآسيوية، لاذوا بالفرار أثناء عملية المداهمة لموقعهم، فيما قبض على أربعة أشخاص، ويمتد الموقع على مساحة كبيرة في منطقة معزولة عن الأحياء السكنية، ويفتقد إلى أبسط عمليات السلامة الصحية، كذلك سوء إجراء التخلص من الفضلات الناتجة من عمليات الذبح، إضافة إلى امتلاك العمالة لأكثر من مركبة مخصصة لنقل المنتج لمنافذ البيع «برادات» بأسعار زهيدة، مقارنة بما يتداول في السوق من ارتفاع لأسعار الدجاج.

ويقول العقيد بدر آل سعود مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام في مديرية شرطة منطقة مكة المكرمة: «إن أعداد من تم إيداعهم دار الخدمات العامة في الشميسي، منذ بداية الحملة الأمنية التصحيحية لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل في المنطقة، وحتى اليوم الـ39 من انطلاق الحملة، وصل إلى أكثر من 100 ألف مخالف ومخالفة من مختلف الجنسيات»، لافتا إلى أن عدد الذين أخذت بصماتهم من الإثيوبيين وصل إلى 59.392، منهم 50.956 رجلا، في حين بلغ الإندونيسيون 13.418، منهم 9.562 رجلا. واستطرد مدير العلاقات العامة في شرطة منطقة مكة، بأن عمليات الترحيل تكون عن طريق مطار الملك عبد العزيز الدولي، وميناء جدة الإسلامي وأن أرقام المرحلين ترتفع بصورة يومية، موضحا أن التركيز في الفترة الحالية على من يسلمون أنفسهم لجهات الضبط المشاركة في الحملة.

وعما يقدم في دار الخدمات العامة، أكد العقيد بدر أن الدار تتكفل بتقديم الإعاشة اليومية للمخالفين مجانا، من خلال الاتفاق مع متعهدين لتأمين ثلاث وجبات في اليوم الواحد لكل مخالف ومخالفة، إضافة إلى وجبات خفيفة ومشروبات في صالات الاستقبال والمغادرة، كما توجد حافلات لتنقلات المخالفين داخل مركز الخدمات، في حين يحتوي الموقع على مغسلة كبيرة على مساحة ما بين 600 إلى 800 متر مربع ستعمل في الفترة المقبلة.

وتسعى الجهات الرقابية إلى طمأنة الشارع المحلي، على قدرته في ضبط المخالفات بشتى أشكالها، وتحديدا فيما يقدم من أطعمة تحضر بالأسواق السعودية، أو ما يجلب من الأسواق الخارجية من أطعمة مبردة، مع تكثيف الحملات بالتنسيق مع الجهات الأمنية التي يتوقع أن تديرها عمالة كبيرة في مواقع خارج النطاق العمراني.

ويقول المهندس فهد المطيري رئيس بلدية بريمان «إن فرق المراقبة رفعت من نشاطها في الفترة الحالية، مع ورود الكثير من البلاغات من مواطنين في فترات سابقة عن مواقع مختلفة تديرها عمالة غير نظامية تقوم بتحضير أطعمة، وأخرى تجهز مواد استهلاكية مختلفة».

وأضاف المطيري أن «المسلخ الذي يديره أكثر من 40 وافدا، وينتج نحو عشرة آلاف دجاجة، جرى كشفه من خلال جولات المراقبين للفترة المسائية، وعلى الفور تواصلت الفرقة مع الدوريات الأمنية، وشركة النظافة المسؤولة عن إعدام ما ضبط من كميات الدجاج في موقع المسلخ»، لافتا إلى أنه رصد في الموقع مخالفات كثيرة، ومنها عدم وجود ترخيص مزاولة نشاط من قبل البلدية، ووجود صرف صحي مكشوف بجوار موقع المسلخ، كذلك الذبح والتغليف بطريقة مخالفة تفتقر إلى أدنى الاشتراطات الصحية، ووجود ملصقات لأسماء أربعة منتجات مختلفة، كما يجري وضع تواريخ الصلاحية بعد تاريخ الذبح بيومين.

وزاد المطيري «وجدنا أكثر من 15 ألف دجاجة، ما بين مذبوح وحي، أتلف منها نحو عشرة آلاف دجاجة مذبوحة جاهزة للتوزيع، وذلك بعمل حفرة في الموقع ودفنها، كما تم سحب 13 سيارة تستخدم في نقل المنتج المخالف للاشتراطات، وأودعت في حجز البلدية».

وفي سياق متصل، ضبطت الجهات الأمنية المعنية بتعقب مخالفي نظام الإقامة والعمل والعمال بالمنطقة الشرقية خلال الأيام الماضية 10925 حالة، سلموا إلى إدارات وشعب توقيف الوافدين التابعة لسجون المنطقة الشرقية.

وأوضح العقيد زياد الرقيطي الناطق الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية أن هذا يأتي امتدادا للجهود المبذولة من قبل الجهات الأمنية العاملة بالميدان بشرطة المنطقة الشرقية والجهات التابعة للأمن العام بالمنطقة بحملات تعقب وضبط المخالفين للأنظمة.

وكان مجلس الوزراء السعودي أقر في مارس (آذار) الماضي، تعديلات على نظام العمل، استهدفت وضع حد لتنامي ما يعرف بالعمالة السائبة، وقضت بمنع العمل لدى غير الكفيل، ومنع عمل الوافد لحسابه الخاص، وفي يوليو (تموز) أمر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بمد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة، حيث انتهت المهلة في الثالث من نوفمبر الماضي، لتبدأ بعدها عمليات الحملات التفتيشية للعمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل بالبلاد.

وكانت ثماني جهات تشاركت في الحملات الأمنية لضبط مخالفي نظامي العمل والإقامة، وهي تضم الضبط الإداري، الدوريات الأمنية، الأمن الوقائي، البحث الجنائي، قوات الطوارئ، إضافة إلى أمن المهمات، أمن الطرق، المرور، لجان التوطين في إمارات المناطق.