التمريض في السعودية.. نصف قرن من التقدم

اختلاف اللغات والثقافات عجل بدخول النساء مبكرا إلى المجال

تظهر آخر إحصائية رسمية أن 14 ألفا و425 ممرضا وممرضة سعوديين يعملون في مختلف القطاعات الطبية في البلاد (تصوير: خالد الخميس)
TT

لم يكن تعليم التمريض حديث عهد في السعودية، بل بدأ تعليم الممرضات منذ عام 1960 من خلال المعاهد الصحية، حيث افتتح معهدان للتمريض في مدينتي الرياض وجدة، واستمر الاهتمام بهذه المهنة للرقي بالرعاية التمريضية وتشجيع التمريض على الالتحاق بها، من خلال افتتاح الكليات الصحية للتمريض والكليات الجامعية التي تمنح درجة الأخصائي، ثم الأخصائي الأول، انتهاء بالاستشاري في التمريض.

وتجاوز عدد العاملين في التمريض من السعوديين في القطاع الصحي أعداد غير السعوديين، ذلك بحسب آخر إحصائية وردت في مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، التي جاء فيها أن عدد السعوديين بلغ 31 ألفا و824 ممرضا وممرضة في عام 1430، بينما بلغ عدد غير السعوديين 31 ألفا و473 ممرضا وممرضة.

وبحسب الإحصائية فإن أعداد الممرضين السعوديين زادت من عام 1425هـ حتى عام 1430هـ بنسبة تقدر بـ55 في المائة عما كان عليه قبلها، وجاء في الإحصائية أن أعداد السعوديين في تلك الفترة كانت ضئيلة جدا مقارنة بالأجانب حيث بلغت أعداد السعوديين في عام 1425 نحو 14 ألفا و425 ممرضا وممرضة سعوديون، مقابل 26 ألفا و832 غير سعوديين.

وترى إيمان بادخن مديرة إدارة التمريض في صحة جدة أن التحاق السعوديين بمهنة التمريض أحدث تحسنا ملحوظا في القطاع، وأزال الكثير من العوائق والحواجز التي كانت تعيق المهنة، والتي كان منها اللغة وتفهم عادات وتقاليد المجتمع السعودي، إضافة إلى إثبات كوادر التمريض السعودي قدرتهم على تفهم احتياجات ومتطلبات أبناء وطنه.

وقالت إن التمريض في السابق كان يسير من دون تخطيط وتنظيم ومنهجية، وكانت الدراسة تقتصر على المعاهد الصحية ولم يكن هناك تسجيل للتمريض في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، إضافة إلى عدم وجود سياسات وإجراءات ومعايير جودة خاصة بمهنة التمريض.

وبينت أن مهنة التمريض في الفترة الحالية شهدت الكثير من التحسن والتطور، أصبح لها سياسات وإجراءات ومعايير تساعد هيئة التمريض على أداء الرعاية التمريضية بيسر وسهولة في إطار معايير الجودة، مشيرة إلى أنه ومنذ عام 2002 أصبح التسجيل والتصنيف في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إلزاميا لجميع هيئة التمريض، كما تم اعتماد برنامج التجسير الذي يؤهل التمريض للحصول على درجة الأخصائي في التمريض ويفتح له آفاقا جديدة في مهنة العطاء الإنساني - على حد وصفها - .

من جهة أخرى أوضحت لـ«الشرق الأوسط» رنيم صباحي إحدى طالبات سنة الامتياز في كلية الريادة للعلوم الصحية، أن خريجي الثانوية العامة بعد دخولهم السنة التحضيرية يخيرون بين أمرين لا ثالث لهما، إما أن يؤهلهم المعدل للدخول في الكلية التي يرغبون بها، أو أن يلتحقوا بكلية أخرى كحل ثانوي، مشيرة إلى أن هذا حال طالبات كلية التمريض، فكثيرا منهن لم يحالفهن الحظ في الالتحاق بكلية الطب لعدم اجتياز المعدل المطلوب لها، وبالتالي تقدم غالبيتهن لكلية التمريض للبقاء إلى جانب المجال الذي رغبن فيه.

رنيم اعتبرت خوض السعوديات مهنة التمريض جاء نتيجة الحاجة الماسة لهن، فهي ترى أن الرسالة التي يحملنها لمجتمعهن أكبر مما يعتقد البعض، مشيرة إلى أن النظرة التي ينظر إليها البعض على أنهن لا يستطعن تقديم ما تقوم به غير السعوديات من الممرضات، وأن اهتمامهن بالمظهر أهم مما يحملنه من ثقافة غير صحيحة.

ووصفت الفتاة التي اختارت دخول هذا المجال والاستمرار فيه، بأنها على قدر كبير من المسؤولية والإنسانية تجاه مجتمعها.

وبينت رنيم أن الفرق الذي استطاعت السعوديات خلقه في هذا المجال، هو تفهم لغة المرضى وتصحيح الكثير من سوء الفهم الناتج عن اختلاف اللغات، مشيرة إلى أن تعدد اللهجات في مناطق السعودية خلق مسميات لدى الكبار في السن «تحديدا»، لا تستطيع الممرضة الأجنبية فهمها ولا الطبيب، وبالتالي يتجه العلاج في منحى غير ما تشكو منه صاحبة المرض، ويتطلب ذلك إشاعات وتحاليل والدخول في متاهات قد لا تكون تحتاج إليها المريضة، أو العكس.

ووصفت رنيم الممرضات بخط الدفاع الأول في المستشفيات، لأنهن أول من يستقبلن الشكوى ويقمن بنقلها بشكل مباشر إلى الطبيب المعالج، إضافة إلى أن من بين أدوارها مراجعة مقدار العقار مع الطبيب قبل إعطائه المريض، مبينة أن تشخيص الوضع الصحي للمريض وعلاجه مهمة مشتركة بين الطبيب والممرض والصيدلي، وأي خطأ يتحمله ثلاثتهم.

وفي السياق نفسه، وعلى الرغم من التقدم والاهتمام الذي يلقاه التمريض في السعودية نتيجة التحاق الكثير من الطامحين في هذا القطاع، فإنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الأمور التي تراها الدكتورة تقوى عمر عميدة كلية التمريض بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية ضرورية لتخريج أفضل الكفاءات المؤهلة والقادرة على خدمة المجتمع بصفة عامة والقطاع الصحي بصفة خاصة.

وأوضحت تقوى عمر لـ«الشرق الأوسط» أن التمريض شهد نقلة نوعية في السعودية بعد التحاق السعوديين والسعوديات لهذا المجال، إلا أن الفجوة بين التعليم النظري والتعليم السريري لا تزال كبيرة وتحتاج إلى المزيد من الاهتمام، إضافة إلى دمج التكنولوجيا للوصول إلى أرقى ما تم الوصول إليه في التعليم السريري.

ورأت أن الجيل الموجود حاليا هو جيل التقنية الحديثة، وتقبلهم لفهم العلوم يكون أبسط بكثير من خلال تقديمها بالشكل العصري الحديث، والبعد عن النمط التعليمي القديم.

وشددت تقوى على ضرورة معرفة الاحتياجات من التخصصات في التمريض، مشيرة إلى وجود الكثير من الأقسام مثل تمريض الجراحة والباطنة، وصحة المجتمع، والصحة العقلية والنفسية، والتوليد والأطفال والعناية الحرجة، والطوارئ والحوادث والعمليات، لا يوجد فيها أي تخصص في الدراسة في السعودية.

وبينت أن جميع العاملين من الممرضين والممرضات السعوديين يعملون في أقسام المستشفيات بالخبرة وليس على حسب التخصص، فالممرضة العامة التي تتخرج في كلية التمريض تعمل في قسم العناية الحرجة ليس لأنها تخرجت في تخصص تمريض في العناية الحرجة، ولكن لأن واقع عدم وجود تخصص في كلية التمريض جعلها تكون ممرضة في أي قسم من أقسام المستشفى.

وأرجعت عدم وجود التخصصات في كلية التمريض إلى حداثة العهد بهذا القسم في التدريس الأكاديمي، مبينة أنهم كأكاديميين طالبوا عمداء كليات التمريض في السعودية بالتركيز على التعليم التخصصي، وتدريس برامج تخصصية بعد شهادة البكالوريوس.

وطالبت الدكتورة تقوى عمر بضرورة إيجاد وسيلة لتبادل الخبرات وخلق بيئة عمل مشتركة، من خلال إيجاد فروع لجمعيات عالمية، التي تعمل على تطوير التمريض مهنيا وأكاديميا ورأت أن الارتقاء بجودة العناية التمريضية والرعاية الصحية في السعودية إلى مرتبة التفوق، لن تتم إلا من خلال تسليح الطالبات بأحدث المعلومات النظرية والمهارات السريرية وتمكينهن من الاستقصاء والتحليل واتخاذ القرار المبني على البراهين.

وبالعودة إلى إيمان بادخن، التي تقول «إن العاملين في هذا القطاع يحملون رسالة إنسانية ويواجهون من أجلها مخاطر مهنية»، وللوقاية منها «تقوم الهيئة العامة للتخصصات الصحية بعقد ورش عمل ودورات للتوعية منها بشكل عام مع التركيز على الأمراض المعدية الأكثر انتشارا.. وإجراءات العمل التي تعرض التمريض للخطر في حالة عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة مثل وخز الإبر، وأهم معايير مكافحة العدوى، وحقوق التمريض فيما يخص المخاطر المهنية».