وزارة العمل والتجار والبطالة.. ثلاث سنوات من الشد والجذب

«نطاقات» وتأنيث المحال النسائية ورسوم العمالة الوافدة وضعتها في مواجهة التجار والمواطنين

تأنيث المحال النسائية من أهم القرارات التاريخية التي أعلنت عنها وزارة العمل السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية (تصوير: خالد الخميس)
TT

أطلق الشاب مروان الزهراني ضحكة واسعة سمعها كل مرتادي المقهى الفرنسي وسط الرياض، وكان السبب كما سمع الجميع أن أغلب سكان السعودية يتابعون تحركات وزارة العمل.

كانت مبررات الشاب البالغ من العمر 29 سنة معقولة، فهي تتلخص في فرضية أن «الشبان في المنزل يبحثون عن عمل، بالتالي مسجلة أسماؤهم في برنامج الباحثين عن العمل (حافز)، في حين تشرع الأخت في البحث عن سائق يوصلها إلى عملها الجديد في متجر نسائي، وبالتالي ستكون جزءا من برنامج تأنيث المتاجر النسائية، كما أن الوالدة لا يفوتها إطلاقا أي خبر يتعلق بالعمالة، إذ أرهق كاهلها الدفع الكبير للعمالة المؤقتة، التي تتقاضى مبالغ مالية أكبر، والذين بدورهم يعدون ملاحقين من السلطات الأمنية ووزارة العمل، كما هو الحال نفسه، مع الوالد، الذي بات أكثر من مجرد متابع للوزارة، فهو لم يدع أي قريب أو صديق من دون أن يسأله عن عمالة تكمل مشاريعه المتعثرة في المقاولات بعدما أرهقه لون مؤسسته برنامج (نطاقات)».

إذن: «الشد والجذب»، هي الصفة الأكثر انطباقا على قطاع العمل في السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية، فالكثير من قرارات الوزارة الداخلة في هذه الفترة لقيت سخطا ملحوظا من قبل قطاع المال والأعمال، وهو الأمر الذي دفع الوزارة إلى تكثيف ورش عملها في مقار الغرف التجارية والصناعية في البلاد، بهدف التوضيح لرجال الأعمال أن جميع قراراتها التي تطلقها تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني والمواطن في نهاية المطاف.

وفي ضوء ذلك، حققت وزارة العمل السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية مجموعة من الخطوات المهمة التي من المتوقع أن تضع أرضا حقيقية تنطلق منها قطاعات: تنظيم العمل، والتوطين، والاستقدام، في خطوة من شأنها تعزيز معدلات توطين الوظائف في المملكة، مقابل تراجع معدلات استقدام الوافدين إلى البلاد.

حزمة القرارات التاريخية التي اتخذتها وزارة العمل السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي القرارات التي أحدثت كثيرا من التغيرات على مستوى قطاع العمل في البلاد، بدءا من برنامج «نطاقات» الذي أحدثته الوزارة، وصولا إلى اتفاقياتها الثنائية مع مجموعة من الدول لإعادة استقدام عمالتها المنزلية إلى المملكة.

ففي شهر مايو (أيار) من عام 2011. أعلن المهندس عادل فقيه وزير العمل السعودي، عن إطلاق برنامج جديد يسمى «نطاقات» للحد من السعودة الوهمية في القطاع الخاص، وهو بديل لنظام نسب السعودة السابق، وهو البرنامج الذي أطلق على شكل تقييم آلي بثلاثة ألوان لضبط السعودة بتسهيلات وعقوبات متدرجة، قبل أن يتم تطويره لاحقا.

وفي شهر يونيو (حزيران)، أعلنت وزارة العمل عن إطلاق المرحلة الثانية من برنامج «نطاقات»، وهي المرحلة التي تتمكن خلالها منشآت القطاع الخاص من الدخول على موقع الوزارة لمعرفة نطاقاتهم، حيث يحتوي الموقع على استعراض لنسب التوطين في المنشآت حسب النشاط التجاري لكل منها والحجم كما تعرض الوزارة معلومات دورية باسم «مفاتيح النجاح» تساعد المنشآت على الحفاظ على معدلات توطين آمنه تكفل لهم مميزات وحوافز البرنامج.

وتعليقا على تحايل بعض المؤسسات على برنامج «نطاقات»، أكد وزير العمل السعودي لـ«الشرق الأوسط» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2012 أن وزارته تعمل على إطلاق برامج أخرى لمنع التحايل على برنامج نطاقات، مشيرا إلى أن العقوبات لم تمنع البعض من محاولات الالتفاف على الأخلاق والتنظيمات، وذلك عبر تسجيل المواطنين في التأمينات الاجتماعية لقاء مبلغ ضئيل من المال.

ودعا المهندس فقيه حينها، أصحاب العمل إلى عدم الاستثمار في أعمال الالتفاف على بيانات التوطين، حيث إنه سيكون استثمارا خاسرا على المستوى القريب والبعيد، واستبدال ذلك بالاستثمار البناء في مستقبل أبنائنا وبناتنا وفي اقتصاد الوطن.

وفي هذا السياق، يعد برنامج «نطاقات» من أول البرامج التي أحدثت ضجة كبرى لدى الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال السعوديين، إلا أن هذا البرنامج بات أمرا مقبولا بالنسبة لهم بالمقارنة مع حزمة القرارات والبرامج اللاحقة التي أعلنت عنها الوزارة، والتي يأتي من أهمها إقرار رسوم على العمالة الوافدة التي تعمل في هذه الشركات بمقدار 2400 ريال سنويا.

وفي أواخر عام 2011، أعلنت وزارة العمل السعودية عن قرار يقضي بتأنيث محال بيع المستلزمات النسائية وفقا لخطوات مختلفة، وهو القرار الذي لم يجد قبولا من محال بيع المستلزمات النسائية منذ الوهلة الأولى، فيما أعلنت الوزارة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المنصرم 2013. عن كشف السلطات السعودية ما يفوق الألف حالة مخالفة قام بها تجار لقرار تأنيث محال المستلزمات النسائية في قطاعي التجزئة والجملة، موضحة أن منطقة مكة المكرمة تصدرت المناطق الأكثر مخالفة، فيما جاءت منطقة عسير الأقل.

وبحسب بيان صدر عن وزارة العمل حينها، فقد تم ضبط 1173 محلا مخالفا لقرار تأنيث محلات المستلزمات النسائية على مستوى المملكة حتى نهاية العام الهجري 1434هـ، مشيرا إلى أن ذلك تم من خلال حملات ميدانية للفرق المشرفة على مشروع توطين وتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية والإشراف على بيئة عمل المرأة.

وعطفا على هذه المخالفات، خصصت وزارة العمل رقما هاتفيا وبريدا إلكترونيا لتلقي الشكاوى عن عدم الالتزام بتوظيف السعوديات، أو عدم الالتزام بتهيئة بيئة العمل المناسبة، أو للتبليغ عن أي ممارسات خاطئة، حيث يتم التعامل مع تلك الشكاوى عبر إرسال مفتشين أو مفتشات لضبط المخالفات واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها.

ويأتي قرار فرض الرسوم على العمالة الوافدة بمقدار 2400 ريال سنويا من أكثر القرارات إثارة وجدلا في قطاع الأعمال السعودي، إذ حاول رجال الأعمال فور صدور القرار من محاولة ثني وزير العمل عن إتمام هذه الخطوة، إلا أن رؤية الوزارة المتعلقة بدعم برامج التوطين من خلال الضغط على معدلات الاستقدام كان الرهان الحقيقي الذي اعتمد عليه الوزير حينها.

وفي مطلع عام 2012، أعلنت وزارة العمل عن تطبيق قرارها القاضي بفرض رسوم جديدة على العمالة الوافدة، إذ بلغت الرسوم الإضافية ما قيمته 2400 ريال سنويا (640 دولارا) تضاف إلى المبلغ السابق الذي يتحصل عليه مكتب العمل في البلاد والبالغ 100 ريال (26.6 دولار)، ليكون بذلك مجموع الرسوم التي يتم دفعها مقابل العمالة الوافدة في السعودية نحو 2500 ريال سنويا (666.6 دولار).

ورغم محاولة رجال الأعمال من لقاء وزير العمل لثنيه عن هذا القرار، فإن مصدرا مسؤولا في الوزارة قال لـ«الشرق الأوسط»: «لن يكون أمام شركات ومؤسسات القطاع الخاص في السعودية، أي خيار سوى الالتزام بقرار وزارة العمل المتمثل في دفع الرسوم الجديدة على العمالة الوافدة، خصوصا أن الوزارة ما زالت متمسكة بقرارها وبشكل قوي».

وفي الوقت الذي صدرت فيه هذه القرارات الثلاثة التاريخية، عمدت وزارة العمل السعودية إلى إطلاق حزمة من البرامج المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع هذه القرارات الثلاثة، والتي يأتي من ضمنها آلية احتساب نسب التوطين في القطاع الخاص، بالمقارنة مع معدلات رواتب الموظفين السعوديين، الأمر الذي ساهم في زيادة معدلات التوطين في القطاع الخاص، إضافة إلى الحملة التفتيشية للكشف عن العمالة المخالفة بالتعاون مع الكثير من الجهات الحكومية ذات العلاقة.

وتأتي تحركات وزارة العمل فيما يخص إعادة فتح الاستقدام من بعض الدول التي توقفت عن إرسال عمالتها المنزلية إلى المملكة، من أهم الملفات التي لاقت متابعة مباشرة من الأسر السعودية في البلاد، حيث شكَل انحسار الاستقدام على دولة «إثيوبيا» وبعض دول شرق آسيا، في فترة من الفترات أزمة كبيرة بالنسبة للأسر السعودية.

حيال ذلك، وقعت وزارة العمل مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع مجموعة من الدول التي اشتهرت بالعمالة المنزلية المناسبة للأسر السعودية، حيث وقعت اتفاقيات ثنائية مع «إندونيسيا»، و«الفلبين»، و«الهند»، و«سريلانكا»، وتأتي هذه الاتفاقيات ضمن جهود وزارة العمل لفتح أسواق جديدة ومتنوعة من الدول المصدرة للعمالة المنزلية، لتوفير مزيد من الخيارات للمواطنين، وتنظيم عملية الاستقدام، لا سيما بعد تطبيق لائحة العمالة المنزلية، وإنشاء لجان خاصة لتسوية المنازعات للعمالة المنزلية.

وتعليقا على هذه الاتفاقيات، أكد المهندس عادل فقيه وزير العمل السعودي، أن مسألة أجور العمالة المنزلية وتكاليف الاستقدام لم تنص عليها الاتفاقيات، قائلا: «هي متروكة للعرض والطلب، كما أن التنافس بين مكاتب الاستقدام وشركات الاستقدام والدول المصدرة للعمالة المنزلية سيؤثر على تكاليف الاستقدام»، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل على فتح أسواق جديدة للاستقدام.