التعليم والتدريب والاقتصاد المعرفي من أبرز عناصر الخطة التنموية السعودية العاشرة

برامج لمعالجة قضايا جوهرية خلال السنوات الخمس المقبلة

البناء المعماري يتصاعد في السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

تترقب السعودية خلال الفترة القصيرة المقبلة، إعلان الخطة الخمسية العاشرة التي ترسم توجهات الإنفاق الحكومي التنموي خلال الخمس سنوات المقبلة، ويبرز ملفا «التعليم والتدريب» و«الاقتصاد المعرفي» كملفين يعتقد أنهما سيكونان الأبرز بين ملفات الخطة العاشرة.

ويأتي الملف الأول وهو التعليم والتدريب، للسيطرة على البطالة التي أصبحت أمرا مقلقا بسبب تزايد أعداد الخريجين سنويا، التي لا يستوعبها القطاع الخاص، والثاني الاقتصاد المعرفي لتنويع القاعدة الاقتصادية، إذ تحاول السعودية الخروج من سيطرة المورد الواحد الذي يكون عرضة للتقلبات، مما يؤثر على مداخيلها ومواردها المالية، وبالتالي يؤثر على التزاماتها التنموية.

الملف الأول مرتبط بالثاني ارتباطا وثيقا، فالتعليم الجيد ينتج كوادر جيدة تعمل على إنتاج الوظائف وليس البحث عنها، في هذا الموضوع فتحت السعودية المجال للخريجين من التعليم العام والتعليم الجامعي للابتعاث، ومددت برنامج خادم الحرمين الشريفين لخمس سنوات أخرى، وبلغ عدد المبتعثين خلال تسع سنوات أكثر من 150 ألف مبتعث ومبتعثة في نحو 30 دولة.

داخليا الأمر يمكن حسابه بطريقة أخرى لتوضيح حجم مخصصات التعليم فإن السعودية رصدت ضمن ميزانياتها منذ عام 2008 وحتى ميزانية عام 2014، أي على مدى سبع سنوات مخصصات للتعليم والتدريب، بلغت 1.097 تريليون ريال (292.6 مليار دولار).

هذه المخصصات تفوق الميزانية العامة للدولة في عام 2014، التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ السعودية، وبلغت 855 مليار ريال (228 مليار دولار)، مما يعكس الجدية التي توليها السعودية لتطوير قطاع التعليم والتدريب لامتصاص البطالة التي تعاني منها، وكذلك تهيئة الشباب للانخراط في سوق العمل، وتوطين الوظائف المتوسطة والعالية في القطاع الخاص، حيث تخوض وزارة العمل السعودية منذ يونيو (حزيران) من عام 2011، وقبلها بالطبع بسنوات محاولات عدة لزيادة مستوى التوطين في وظائف القطاع الخاص.

وبالعودة إلى قطاع التعليم والتدريب الذي يمثل القاطرة للاقتصاد السعودية للخروج من نفق (المورد الاقتصادي الوحيد) لتنويع القاعدة الاقتصادية، والسيطرة على مشكلة «البطالة» التي تمثل معضلة حقيقية تواجهها السعودية بشكل جدي وحازم منذ ثلاث سنوات تقريبا، أمام هذه المعطيات بلغت النفقات على التعليم والتدريب 204 مليارات ريال في عام 2013، وفي عام 2014 خصصت 210 مليارات ريال لقطاع التعليم والتدريب.

في جانب الاقتصاد المعرفي، حصلت السعودية على المرتبة الـ50 عالميا في تقرير ضم 146 دولة، عن مساهمة الاقتصاد المعرفي في الناتج القومي، ومدى استعداد الدول لتطوير هذا القطاع، التقرير كان بعنوان (تقرير منهجية تقييم المعرفة لعام 2012)، وصدر عن البنك الدولي.

ويعد مؤشر منهجية تقييم المعرفة من أهم المؤشرات بالنسبة لتحديد دور الاقتصاد المعرفي والصناعات المعرفية ومدى مساهمتها في الناتج المحلي للدول.

من جانب آخر، بلغ الإنفاق الاستثماري للسعودية خلال السنوات الخمس الماضية، وبالتحديد بدءا من عام 2009 وحتى إعلان ميزانية عام 2014 نحو 1.704 تريليون ريال (454.4 مليار دولار)، ضمن خطة لاستثمار 400 مليار دولار في الاقتصاد المحلي، أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين في قمة الـ20 التي عقدت في مدينة تورنتو الكندية منتصف عام 2008، وبلغت الزيادة في خطة الاستثمار السعودية 13 في المائة.

تجاوزت السعودية خطة التحفيز ذات الـ400 مليار دولار، حيث زادت من استثماراتها لعوائد النفط الضخمة، في ترقية بنيتها التحتية التي كانت تعوق النمو الاقتصادي المحلي بشقيه العام والخاص، في حين تتجه بوصلة الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية إلى قطاعات الإسكان والنقل (سكك الحديد) وتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة لتوفير مزيد من الوظائف للسعوديين.

«الشرق الأوسط» تحدثت مع خبيرين سعوديين حول الخطة وما يجدر ترقبه حيالها.

إذ يقول الدكتور إحسان بوحليقة وهو عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاقتصادي، إن «الخطة المرتقبة لن تخرج عن سياق سابقتها التسع، والسبب أن السعودية لديها برامج مستقرة ومتاحة، بينما ما زالت أهداف الخطط التنموية الرئيسة هي الأساس (اقتصاد متنوع) لا يعتمد على المورد الناضب، والموارد البشرية والاستفادة منها».

ويتابع بوحليقة، أصبحت قضية الموارد البشرية والاعتماد عليها، قضية القضايا السعودية، والسبب أن الاقتصاد السعودي واقع بين فكي كماشة، وهما «النفط» و«اليد العاملة الرخيصة» التي تعتمد على موارد بشرية غير وطنية. مضيفا «ستعني الخطة العاشرة كأمر أساسي باستكمال البنية التحتية، والسبب أن الاقتصاد السعودي يقوم على الإنفاق الحكومي وتركز الإنفاق على البنية التحتية وترقيتها، فكما هو ملاحظ زيادة السعة الاقتصادية للاقتصاد السعودي الذي أصبح أكثر قابلية لاستيعاب مشروعات اقتصادية ضخمة».

لكن مع ذلك، والحديث لأبو حليقة، ما زالت التحديات قائمة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات، وهذه التحديثات تمثل عوائق حقيقية أمام التحول الذي تنشده السعودية، مستطردا «لا يوجد لدى السعوديين قناعة بأن التعليم في بلادهم يرتقي إلى مستوى التعليم في منظومة العشرين التي تشارك السعودية في عضويتها».

ويتابع الخبير الاقتصادي «ما زال النقاش يدور في السعودية حول قضايا تتعلق بالتعليم وكأن هناك وجهتي نظر تتعاملان مع هذا القطاع»، موضحا «ما زال النقاش يدور عن تطوير التعليم والنقل المدرسي».

ويتوقع عضو مجلس الشورى السعودي السابق أن يكون العنوان الأبرز أمام الخطة الخمسية العاشرة التعليم وتنويع الاقتصاد.

الصحة هي الأخرى سيكون لها نصيب من الخطة العاشرة بحسب رأي بوحليقة، حيث يقول «كان الأمل أن يتضاعف عدد الأسرة خلال الخطة الخمسية التاسعة، لكن الواقع أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق ذلك»، ويزيد «ستبقى الصحة ضمن الملفات التي لم تستكمل ولم تنجز خلال الخطط الخمسية الماضية وستستمر كقضية وملف في الخطط التنموية لخطط خمسية مقبلة أيضا».

وبالنسبة للاقتصاد المعرفي يقول بوحليقة «جزء من الخطة الخمسية العاشرة من المتوقع أن يتجه إلى هذا القطاع لتنويع القاعدة الاقتصادية، فخلال العامين الماضيين بدأت تبرز العناية والاهتمام بالشباب والريادة في الأعمال، وهذا أمر مجرب محليا وعالميا، وله فوائده الاقتصادية الكبيرة، لكن عند النظر إلى الآليات - نجدها متواضعة ومؤسسات التمويل لا ترقى إلى هذا الهدف».

كما يتوقع أن تؤكد الخطة المرتقبة على الهدف التنموي الذي نادت به الخطة الخمسية التاسعة وهي التنمية المتوازنة، الذي ما زال أمامه سنوات وخطط حتى يتحقق على أرض الواقع.

من ناحيته، قال مازن السديري مدير الأبحاث في شركة «الاستثمار كبيتال»، إن «المشكلة التي تواجه الاقتصاد السعودي هي البطالة، وهي مشكلة حقيقية وكبيرة لا يمكن حلها بعنصر واحد فقط».

ويضيف «البطالة ليست ذات بعد واحد، بمعنى أن التعليم الجيد سيحلها، هي تحتاج إلى تدريب وتعليم جيد ومناخ عملي جاذب ومناخ نظامي وتمويلي للقطاع الخاص، بحيث يجد التمويل للاستثمار في الشباب السعودي لتطوير خدمات وصناعات تستوعب خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب، والتنافس على الكوادر الوطنية التي تلقت تدريبا جيدا».

ويعتقد السديري أن تطوير التدريب وبناء قاعدة اقتصادية متنوعة تعتمد على الاقتصاد المعرفي تقوم على أساس مهم والتنافسية في القطاع الخاص، وبناء استثمارات حقيقية تساهم فيها الحكومة كمستثمر في قطاعات واسعة مثل الطاقة البديلة، وتطوير هذا القطاع للتخفيف من الاعتماد على النفط.

ويقول مازن السديري «يجب تخفيف الاعتماد على النفط، استهلاكا وبيعا»، مضيفا «الكميات التي تنتجها السعودية والطلب العالمي على النفط يجعلان من الصعب ظهور مصدر منافس للنفط محليا، لكن هذا لا يمنع من تقليص الاعتماد عليه وتنويع مصادر الدخل والاعتماد على الصناعة والخدمات في زيادة مداخيل الخزينة العامة».

ويشير إلى أن الاعتماد على الجامعات المحلية في مسألة الاقتصاد المعرفي أثبت فشله، لأن الجامعات كان يفترض أن تكون ميزانياتها أكثر تحررا وأكثر مرونة، وبحسب السديري لن يقوم الاقتصاد المعرفي في الجامعات لأنها لا تمتلك حس المشاركة الإيجابية، هي فقط جهات حكومية تعاني من البيروقراطية.

ويتابع «يمكن أن تدخل الحكومة كشريك مع جهات ومراكز بحثية، مع الأخذ في الاعتبار أن الاستثمار في المراكز البحثية مكلف، ولا بد أن تذهب الأموال العامة فيه إلى مشروعات مجدية استثماريا وتحقق عوائد مالية دون أن تستنزف رأس المال».

ويعتقد السديري أن السعودية إذا أرادت خوض هذا التوجه، فعليها أن تعتمد على شراكات أجنبية والتعاون مع مؤسسات لديها الخبرة في مجال الاقتصاد المعرفي، غير ذلك - والكلام للسديري مجرد كلام لتضييع الوقت يردده الأكاديميون البعيدون عن مراكز القرار والمال.