اقتناء الكتب في السعودية.. بين البحث عن أرضية معرفية والترف

الروايات ومؤلفات التاريخ والسياسة والسير والطبخ الأكثر إقبالا

جانب من زوار معرض الرياض الدولي للكتاب العام الماضي (واس)
TT

تقام في السعودية مهرجانات وفعاليات متعددة المناشط، وتجد إقبالا لافتا طيلة أيام انعقادها، بل إن الزوار يطالبون بتمديدها لفترة أطول من تلك المحددة لإقامتها، ومن ضمن هذه الفعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يعد تظاهرة ثقافية لافتة، ويصل عدد زواره إلى أكثر من مليوني زائر خلال عشرة أيام فقط، بل إن المعرض يسجل حضورا متزايدا سنويا، ومعه تطرح تساؤلات عدة حول هذا الإقبال اللافت على زيارته، والحرص على اقتناء الكتب، وهل تعد هذه الظاهرة موضة ومباهاة أو ترفا ثقافيا أم أنها رحلة للبحث عن معرفة صلبة وحقيقية؟ كما تطرح تساؤلات عن أكثر الكتب مبيعا واقتناء، التي يحرص الزوار من الجنسين على اقتنائها.

«الشرق الأوسط» طرحت هذه التساؤلات على عدد من المؤلفين والناشرين وزائري المعرض، وجاءت إجاباتهم متباينة، مع اتفاقهم على نقطة تؤكد أن المجتمع يعاني مشكلة ذاتية مع القراءة، على الرغم من الظروف المحفزة على الاطلاع، مشددين على أن ظاهرة اقتناء الكتب تعد ترفا ومباهاة، إلا أنها تؤسس لأرضية صلبة للمعرفة.

بداية يشدد راضي الشمري، وهو مثقف وقارئ وإعلامي سابق، على أنه مع أن اقتناء الكتب ترف وموضة ومباهاة، يعد ذلك وسيلة لبناء أرضية معرفية صلبة، وتشكيل هوية متزنة الملامح، لافتا إلى أننا نفتقد إلى مؤسسات مهنية لرصد التحقق من الانتشار وقوائم الأكثر مبيعا والأفضل اقتناء من الكتب.

وقال الشمري: «أستطيع الجزم بأننا نفتقد مؤسسات مهنية حقيقية في مجال رصد التحقق من الانتشار وقوائم الأكثر مبيعا، وفق قيمة الكتب الفكرية والأدبية والإبداعية، بل إن غالبية المكتبات ودور النشر العربية تفتقد ذلك (المؤشر) الذي يستند على معايير فنية وعناصر نقدية دقيقة للفصل بالأكثر مبيعا والأفضل اقتناء».

وأضاف: «في المقابل هناك تقليد عالمي تعرفه المكتبات العالمية المرموقة حيال ترشح قائمة من الكتب وفق معايير مهنية يرصدها المحرر الثقافي لتلك المكتبات، تضع لكل فئة عمرية ما يناسبها من كتب، بل إن هناك ما يسمى (كتب الصيف) التي تكون رفيقة الأوقات الطويلة وساعات الانتظار المملة».

وتابع: «هناك تقليد ثقافي إيجابي أيضا تقوم به غالبية الصحف الأجنبية حيال إعداد قوائم بأفضل الكتب، بعد أن كسبت ثقة القارئ بمعاييرها الدقيقة، في حين أن المحرر الثقافي (لدينا) أصبح سهل الاختطاف من أي تيار فقد مؤشره النقدي الموضوعي، ووجد نفسه (مسوقا) لإصدارات معينة على حساب أخرى».

وقال الشمري: «أود أن أشير إلى ملاحظة على هامش معرض الرياض الدولي الأخير، فقد لاحظ عدد من المتابعين والمراقبين أن كتبا ذات قيمة فكرية وأدبية وإبداعية عادت حبيسة مخازن دور نشرها بلا مبيعات تذكر، على الرغم من قيمتها، والسؤال هنا: هل السبب في تسويقها أم في ناشرها أم مؤلفها أم في قارئها المجهول الهوية الذي هرب ربما إلى عالم الرواية والأدب الواقعي وأدب الخيال؟».

وأضاف الشمري «أما عن مسألة اقتناء الكتب من باب الترف الثقافي، فأنا مع أن اقتناء الكتاب ترف وموضة ومباهاة، فربما كانت هذه الغاية وسيلة لبناء أرضية معرفية صلبة لفرد من أفراد مكان تلك المكتبة وتشكيل هوية متزنة الملامح».

من جانبها، قالت الشاعرة والروائية السعودية زهور المنديل، التي تلقب بـ«شاعرة الرجل»، وأنجزت أربعة دواوين وقصصا شعرية: «لاحظت في معرض الكتاب أن أكثر الكتب حضورا هي الرواية، وهذا يقودنا إلى معرفة أن جمهور القراءة هم الأغلبية من قراء القصص والروايات، فأغلب دور النشر مطبوعاتها روايات وقصص، ومن ثم تجد الكتب عن تطوير الذات والموارد البشرية بعناوينها المختلفة التي تبدأ بكيف تكسب صديقا.. وهكذا، وأيضا كتب الطبخ وكتب الشعر والخواطر».

وحول رأيها في الكتب الأكثر اقتناء من قبل الجنسين، على حدة، قالت المنديل: «الروايات تأتي في المقام الأول لدى الجنسين، ومن ثم كتب السير الذاتية، وهناك شرائح من الشباب يبحثون عن كتب لتطوير الذات وكتب الأديان، والشابات يبحثن عن خواطر وأشعار والمشاهير، والنساء يبحثن عن كتب الطبخ، والرجال عن الكتب ذات المنهج التاريخي والسياسي».

واعتبرت المنديل أنه في الآونة الأخيرة أصبح اقتناء الكتب موضة وشكلا ثقافيا فقط من أجل التباهي ومواكبة الآخرين، موضحة أن البعض يحب اقتناء الكتب لمجرد اقتنائها من أجل المباهاة والتفاخر والبحث عن التمييز ويأكل عليها الدهر ويشرب ولم يُقرأ منها إلا عدة صفحات.

وذكرت المنديل في هذا السياق «كنت جالسة مع بعض صديقاتي المثقفات ممن يمارسن القراءة بين الأهل، إحداهن قالت أريد أن أذهب إلى معرض الكتاب، فقلت لها لماذا؟ قالت: أعطاني ثلاثة من أقربائي مبلغا من المال وأرادوا مني أن أشتري لهم مجموعة من الكتب لأن بيوتهم تخلو من وجود مكتبة، وطلبوا أن تكون الكتب منوعة وتوحي بثقافة صاحبها، وهناك صديقة أخرى لا تعلم ماذا تريد وتسألنا أي كتب تشتري، وثالثة تريد قصصا وروايات».

وشددت بالقول «يبدو أننا نعاني مشكلة ذاتية مع القراءة، لا سيما أن أغلبنا عازفون عن العلم والثقافة والأدب، على الرغم من توافر الظروف البيئية والاجتماعية الملائمة والمحفزة على القراءة والاطلاع».

ويرى ناشر رفض الإفصاح عن اسمه أن الإقبال على شراء الكتب واقتنائها له أكثر من بُعد، فكثافة الزوار على معارض الكتاب لا تعني بالضرورة البحث عن الكتاب، هذا مع استثناء كتب معينة لا يمكن الحصول عليها إلا من مثل هذه المعارض، موضحا أن السكان في السعودية في ظل غياب فعالية الترفيه والتجمعات يريدون أي مناشط يسجلون فيها حضورا، وهو إقبال له بعد اجتماعي.

واستشهد بمهرجانات أخرى مثل مهرجان الجنادرية الذي تشهد القرية فيه إقبالا كبيرا، بعكس الفعاليات الثقافية المصاحبة للمهرجان، ففي كل عام تشهد قرية الجنادرية زوارا بالملايين، على الرغم من أن الفعاليات التي تقام في المهرجان شبه مكررة، لكن الزوار هم أنفسهم في المهرجانات الماضية، كذلك هناك مهرجان الزهور في الرياض مثلا، يجد إقبالا كبيرا من السكان، يتبضعون منه لأن المهرجان يعد تظاهرة اجتماعية جاذبة، فالناس يحبون التجمعات ويفضلون أن تكون في مكان واحد، على الرغم من أن المشاتل منتشرة في كل حي وتعرض المنتج ذاته الذي يقدمه مهرجان الزهور.

وأضاف: «ينسحب ذلك على معرض الكتاب الذي يعد اتفاقا بين ناشرين لعرض ما لديهم من عناوين في مكان محدد، على الرغم من وجود بعضها في المكتبات المنتشرة في جميع أرجاء المدينة، ولا يحتاج شراؤها واقتناؤها زيارة المعرض، كما ينسحب ذلك على معرض الصناعات الوطنية ومعرض المأكولات والأسر المنتجة، فما يعرض فيها موجود في الأسواق»، لافتا إلى أن البعد الثقافي في اقتناء الكتب لا يمكن تجاهله لكنه يعد تظاهرة اجتماعية أيضا.

وشدد على عدم وجاهة القول إن اقتناء الكتب موضة وترف ثقافي، بل إن ذلك يعد أمرا طبيعيا في مجتمع يبحث عن التغيير وكسر الرتابة والنمطية، وهي ظاهرة برزت منذ عقود، وهو ما يدعو إلى إقرار فعاليات ومناشط متنوعة بصورة أوسع وفي فترات زمنية متقاربة لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تحرص على زيارة هذه الفعاليات والاستفادة من مناشطها، مؤكدا أن اقتناء الكتب في بعدها الثقافي لا يمكن تجاهله، فالبحث عن كتاب معين له أهله، بل يشكل رقما ثابتا في التظاهرة الثقافية السنوية، مقترحا في هذا الصدد أن تقام مثل هذه الفعاليات والمناشط في أكثر من مدينة لإراحة الناس من عناء التنقل من منطقة إلى أخرى.

ويقول الدكتور أحمد المنصور: «بحكم تخصصي تستهويني كتب التاريخ والسير، وأنا متابع لما يؤلف في هذا المجال، وأحدد العناوين التي أحتاجها قبل انطلاقة المعرض، وهي متوافرة في معرض الرياض للكتاب بشكل لافت»، موضحا أنه يحرص على زيارة أفراد أسرته للمعرض لشراء كتب يرغبونها، دون إملاءات من أحد، إذ إن كل فرد من أفراد الأسرة له توجهه واهتماماته واستقلاليته في اقتناء ما يرغب.

وأضاف المنصور: «إن زوار المعرض لا يأتون إليه من باب الترفيه أو المشاهدة، بل إن هدفهم الحصول على كتب تناسب اهتماماتهم، وهذا لا يمنع أن بعض الزوار يرتاد المعرض للمشاهدة دون أن يضع في ذهنه كتبا معينة يشتريها، لكنهم خلال زيارتهم وتنقلهم داخل أروقة المعرض يقتنون كتبا فيما يمكن تسميته (اختيار اللحظة)».

وتقول لطيفة آل محمد، معلمة متقاعدة، إنها تحرص على زيارة المعرض كل عام لشراء الجديد في مجال اهتمامها، خصوصا كتب المنطق والفلسفة، وبعض الروايات وسير الأشخاص، كما تحرص على اصطحاب أبنائها وبناتها ليقتنوا ما يريدون من كتب.

وذكرت المنصور أن ابنتها الكبرى مولعة بالموسوعات الشاملة، وهي قليلة في المعرض، وإذا وجدت فهي طبعات قديمة لا تجاري التسارع في المعلومات والمصطلحات المستجدة، مشددة على أن كثيرا من زوار المعرض يأتون إليه للترفيه وكسر الرتابة والنمطية في برنامجهم اليومي، مؤكدة أن البعد الاجتماعي في الإقبال على المعرض هو الدافع الأول لكثافة الزوار.