العيسى لـ «الشرق الأوسط»: أحادية المصدر وتجاهل التنوع الثقافي سبب أخطاء التقارير الحقوقية

وزير العدل يقول إن نظام العقوبات في الإسلام قلل الجريمة في السعودية - شرح أمام قضاة أميركيين عن تساؤلات تخص «المثلية» و«الجَلد» و«القطع» و«الإعدام»

وزير العدل السعودي خلال إحدى المناقشات في زيارته الأخيرة لأميركا (واس)
TT

أكد لـ«الشرق الأوسط» الشيخ الدكتور محمد العيسى وزير العدل أن الفهم الخاطئ، وأحادية المصدر، وتجاهل التنوع الثقافي سَبَبُ جسامة أخطاء بعض التقارير الحقوقية، مبينا أن السعودية في قائمة الدول الأسرع والأكثر مرونة في التحديثات الإصلاحية على المستوى القضائي والعدلي والإجرائي.

وأشار العيسى إلى أن حوار العدالة الذي دار مع الدوائر الحقوقية والأكاديمية والقضائية في الولايات المتحدة الأميركية انصب على شرح المعالم الرئيسة للجوانب التشريعية لنظام العدالة في السعودية. وأضاف العيسى أن الحوارات استهدفت إيضاح الإجراءات المعمول بها في المحاكم، والتركيز على ضمانات العدالة، وعلى تبادل الخبرات والمعلومات في الجوانب الإجرائية والتقنية، لافتا إلى أن النقاشات طالت ما أثاره البعض حول التشريع الجنائي في الإسلام، ومن ذلك عقوبة الإعدام، والقطع، والجلد.

وأفاد العيسى أن المباحثات شملت توضيح جانب الحريات بحسب العدالة الإسلامية ومبادئها المستقرة، موضحا أن الهيئات والمنظمات الحقوقية مدفوعة بشعورها الداخلي المحمولة عليه (ثقافيا ووجدانيا) للدعوة لثقافتها لا للحقوق المجردة، مستطردا بالقول: «الغربي يجب أن يُسَلِّم بأن لدى الشرقي خصائص أخلاقية وثقافية يعتز بها، ويتعين على الجميع الاعتراف بهذه الفروق الإنسانية حتى لا يكون هناك تجاوز لنطاق الحكمة والموضوعية في التعامل مع الآخر». وبحسب العيسى، أثمرت نتائج الحوارات التي أجراها أخيرا في أميركا حيث أشار إلى حجم تقدير تلك الجهات للتحديثات الإجرائية والتنظيمية والتقنية في منظومة العدالة، كما ثمنت تلك الجهات الشفافية العالية في نظر القضايا التي تُعتبر من أهم ضمانات التقاضي في السعودية، حيث تفتح المحاكم جلسات المرافعة علانية وتسمح للجميع بمراقبة حسن سير العدالة.

وزاد العيسى أن اللقاءات تضمنت تقدير مستوى الحزم التشريعي بتطبيقه الفاعل لتنفيذ الأحكام القضائية، ومن ذلك تنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية الأجنبية بشرط وجود اتفاقية ثنائية أو إطارية ومعاملة بالمثل، وعدم مخالفتها للنظام العام للدولة مع تكامل عناصرها الشكلية، وكذلك تفعيل بدائل التقاضي للتخفيف من أعبائه وللمحافظة على خصوصية بعض القضايا والتخفف من حتمية طول إجراءاتها أحيانا، حيث جرى تقدير الجميع بتثمين عال لتفعيل أسلوب الصلح والتحكيم وفق عمل مؤسسي.

إلى ذلك, كاشف وزير العدل السعودي مسؤولين ومختصين ومهتمين في المجال العدلي والحقوقي والإنساني بالولايات المتحدة بجملة من الملفات التي تخص الجوانب العدلية والقضائية والتشريعية، برز من بينها تأكيده أن عقوبة «الجَلد» و«القطع» و«الإعدام» أحكام تتقاطع فيها كل الأديان السماوية، لافتا إلى أن نظام العقوبات في الإسلام قلل من إحصائيات الجريمة في بلاده.

ولفت الشيخ الدكتور محمد العيسى وزير العدل، في عدد من الفعاليات التي عقدت في جهات أكاديمية وحقوقية وقضائية في أميركا أخيرا، إلى أن تصفيد «المتهم» يهين كرامته ولا يقارن بجَلد «المدان» في جرائم فوقية بضوابط تشريعية تحفظ كرامته، موضحا أن الإسلام في تشريعه الجنائي تدابير «وقائية» و«إصلاحية» و«عقابية» لإصلاح المجتمع، معرجا على أن «المثلية» كانت مصنفة كاضطراب نفسي يعالج، بيد أن الحسابات الحزبية والحريات غير المحدودة أقرتها على حساب الفطرة الإنسانية والنمو البشري.

وأوضح العيسى أن التشريع الجنائي الإسلامي يعتمد تدابير وقائية وإصلاحية وعقابية متنوعة، وأن الواقعة الجزائية يجري النظر إليها إصلاحيا كما يجري النظر إليها عقابيا، بما يحفظ أمن المجتمع، ويعيد تأهيل المدان، مفيدا بأنه يجب احترام نص العقوبة التشريعي فيما لو لم توجد عقوبة منصوصة أو سابقة قضائية تحكمها فلا مجال من حيث الأصل للتعبير بكلمة البديل.

وزاد العيسى أنه متى اقتنع القاضي بظروف معينة استجدّت في بعض الوقائع أن يخرج بها عن السابقة القضائية، فهذا الموضوع يأتي في إطار الاجتهاد الجديد الذي يتطلب العدول به عن المبدأ القضائي السابق المستقر، استيفاء ترتيب معين في نظام السلطة القضائية.

ولفت إلى أن القضاء السعودي يفضل تسمية أي عقوبة بالجزاءات أو الأحكام الإصلاحية أو التأهيلية، حيث قدموا أخيرا مشروعا مقترحا بتسميته بنظام العقوبات الإصلاحية.

وحول عقوبة الإعدام، بيّن وزير العدل أنها عقوبة مقررة في التشريع الإسلامي، ويجب العمل بنصها الإلهي، مفيدا بأنه بمعايير العدالة فإنه يجري من خلالها تطبيق قاعدة: الجزاء من جنس العمل، وكون العقوبة من جنس العمل، فهذا منطق لا يقبل التفكير الصحيح سواه، وإلا لفتح باب التعاطف مع القاتل على حساب الضحية، مستطردا بأن المحارب في حال الحرب وإشهار العداوة وعدم الخداع في ذلك يعدم، متسائلا إذا كان كذلك فلماذا لا يقتل المحارب في حال السلم وهو المخادع للمجتمع الذي أمنه ووثق به، وكلاهما في جميع الأحوال مقاتل؟

وحول سؤال عن عقوبة القطع في جريمة السرقة، قال وزير العدل: «هذا كذلك نص إلهي، بل إن مبدأ قطع يد المعتدي بسوء وُجدت حتى في الكتب الدينية المنتسبة إلى الأديان السماوية»، مؤكدا أن النص الإسلامي في حد السرقة يغلب عليه الجانب التحذيري مع عدم إغفال الجانب الوقائي والعقابي، لذا فإن تطبيق عقوبة قطع يد السارق لا يجري حال أي شبهة تنال من توافر شروط القطع وانتفاء الموانع.

وفي ما يخص عقوبة الجَلد، أفاد العيسى بأن الإسلام حددها بنصوص على جرائم كبيرة، وهي ذات وقائع مسيئة للمجتمع غاية الإساءة، تتعلق بالتعدي على الأعراض والعقول، مضيفا أن الجلد يحمل رسالة في التشريع العقابي تشمل ألما حسيا يهدف إلى حفظ المجتمع بنص يحقق مصالح استباقية مع تحقيق الجزاء. وأفاد بالقول: «لا أعتقد أن الجَلد بحقه الجزائي وبضوابطه المحددة يماثل مع الأسف ما يدور في الكثير من السجون والمعتقلات من الإهانة بالتعدي على الأجساد بالضرب المهين للكرامة، وكذلك لا مقارنة في معايير الإهانة الآدمية بين الجَلد وتكبيل المتهم وتصفيده بالحديد بصور بشعة لو فُعلت مع الحيوان لتقزز منها الإنسان».

وجاءت تساؤلات حول «المثلية» فأوضح العيسى أن التوجه يعود إلى السبعينات حينما كانت مصنفة باتفاق كاضطراب نفسي يعالَج، فأقرتها الحريات دون سقف على حساب الفطرة الإنسانية والنمو البشري لحسابات حزبية وسياسية بعد التفاعل المرتد لبعض النظريات العلاجية الحديثة، مفيدا بأنه في عام 1972 ألغي مصطلح الجنسية المثلية كاضطراب وانحراف نفسي، وهذا يدل على أنها كانت مصنفة كاضطراب نفسي بإقرار من أسس للطب النفسي وعلم النفس، وكان المثليون قبل الستينات يعزلون في مصحات لعلاج اضطراباتهم.

أمام ذلك، أكد وزير العدل السعودي أن انتقاد بعض الهيئات والمنظمات الحقوقية للتشريع الجنائي الإسلامي أصبح «لَزْمَة» متكررة في تقاريرها، مشيرا إلى نظرية أحد الفلاسفة التي تقول إن أخلاقيات النقد ربما سقطت عند توصيفه كـ«لَزْمَة» تستولي على مجمل سياقات طرح صاحبه.

من جانب آخر، شملت زيارة وزير العدل لقاءه المدعي العام بالولايات المتحدة الأميركية إيرك هولدر، وعددا من قيادات نقابة المحامين الأميركيين، كما التقى وفد الحريات الدينية الأميركية وبعض المحاكم الأميركية، حيث اطلع على الجوانب الإجرائية والتقنية.