«عروض رمضان».. مصيدة سنوية لجيوب المستهلكين

المتاجر الكبرى تدخل مرحلة التنافس على جذب المستهلك السعودي باستخدام الإعلانات البراقة

تزدهر العروض التجارية في المواسم ويشكل رمضان أحد أهم تلك المواسم في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

يستعد السعوديون هذه الأيام لتبضع احتياجاتهم الغذائية لشهر رمضان المبارك، الذي يحل عليهم بعد أيام قليلة، في حين جاء الاستعداد مبكرا من مراكز التجزئة الكبرى وأسواق «الهايبرماركت» التي تطلق هذه الفترة إعلانات ضخمة تحت شعار «عروض رمضان»، في محاولة للتنافس على جذب أكبر شريحة من المستهلكين، عبر إيهامهم بأن الأسعار المثلى تتوفر لدى مراكز دون أخرى. في حين تختلف آراء المستهلك السعودي في مصداقية هذه العروض الرمضانية، حيث يبدي البعض منهم اهتماما وانجذابا كبيرا لها، بينما يراها البعض الآخر عروضا وهمية تستهدف اصطياد جيوب المستهلكين، كما تقول عبير سلمان، وهي ربة منزل، مضيفة «بعض المراكز يمرر السلع القريبة من انتهاء فترة الصلاحية بأسعار مخفضة»، وتتفق معها ندى عبد الله، وهي متسوقة أخرى، قائلة «وجدت في العروض من يروج للعبوة تحت شعار (عبوة اقتصادية) بينما سعرها لا يفرق كثيرا عن العبوات الأخرى الاعتيادية».

يأتي ذلك في حين تكشف تقديرات سابقة أن حجم إنفاق السعوديين خلال أيام شهر رمضان يصل إلى 15 مليار ريال سعودي، وهو ما يعني أن شهر رمضان يمثل فرصة ذهبية لملاك مراكز التجزئة الكبرى في تحقيق أرباح موسمية عالية، الأمر الذي يدفعهم إلى التنافس اللافت في إغراء المستهلك بالعروض والإعلانات البراقة، مع تركيزهم على السلع الاستهلاكية الشهيرة في رمضان، مثل الشوربة وبعض العصائر ولفائف المعجنات.

من جهته، يوجه الدكتور فاروق الخطيب، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، نصيحة للمستهلك السعودي بعدم الوقوع فريسة في فخ العروض الرمضانية، قائلا «أنصح بترشيد الاستهلاك، وشراء المواد الغذائية التي يحتاجها المستهلك بالقدر المناسب له، كي تتوفر الكميات الموجودة في الأسواق للجميع، والأفضل كذلك أن يجري شراء المواد الغذائية عند اللزوم بدلا من تخزينها في البيوت منذ بداية الشهر حتى آخره، وربما كثير من هذه الكميات لا يجري استهلاكها».

وتطرق الخطيب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تجار المواد الغذائية الذين يتنافسون حاليا على جذب المستهلك السعودي بالإعلانات اللافتة، قائلا «بعض التجار ينتهزون هذه الفرصة في رفع الأسعار لضمان زيادة أرباحهم، والبعض الآخر يقوم بالتحكم في عرض السلعة والادعاء أنها غير موجودة إلا لديه»، وأشار الخطيب إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قبيل رمضان يعود إلى زيادة الطلب عليها خلال هذه الفترة، إلى جانب الالتزامات الاجتماعية والولائم الرمضانية التي تشكل سمة بارزة داخل المجتمع السعودي.

في حين توضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة موضي مطني الشمري، وهي أستاذة لعلم الاجتماع الاقتصادي في جامعة الملك سعود بالرياض، أن هذا السلوك يعكس ظاهرة الاستهلاك الغذائي في رمضان، قائلة «إقبال الأسر على شراء المواد الغذائية قبل دخول شهر رمضان لا يخلو منه أي مجتمع إسلامي، إلا أن التهافت بشكل ملحوظ على ذلك سنويا في المجتمع السعودي الذي لا يقل عنه المجتمعات العربية الأخرى يشكل ظاهرة سلبية على استهلاك المواد الغذائية، والتي بدورها تستهلك دخل الأسرة لشراء المواد الغذائية غير الضرورية، كما أن لها انعكاساتها السلبية على استهلاك الغذاء الذي قد يصل إلى درجة التبذير».

وتتابع الشمري حديثها بالقول «يمكن إرجاع ذلك إلى عاملين، الأول، ارتبط بالعملية الاقتصادية من عرض وطلب، ولذا تحسبا لزيادة ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية يزداد الإقبال عليها عند بعض الأسر دون الحاجة لها.. أما العامل الثاني فهو ما تقدمه المحلات التجارية للمواد الغذائية من عروض تخفيضيه مغرية للمواطنين، تساعد على زيادة الإقبال لشراء المواد الغذائية الزائدة عن حاجة الأفراد وقد لا تستهلك، وكل ما سبق بلا شك قد ساهم في أن أصبحت ظاهرة الاستهلاك الغذائي لشهر رمضان ظاهرة سنوية ارتبطت بالثقافة الاستهلالية على مستوى المجتمع السعودي».

من ناحية أخرى، وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» في عدد مراكز التجزئة الكبرى وأسواق «الهايبرماركت»، تبين أن مستويات أسعار السلع الرمضانية للعام الحالي قريبة جدا مما كانت عليه في العام الماضي، وبحسب تأكيدات العاملون في هذه المراكز أنفسهم، الذين أفادوا بأن الفروق السعرية بين موسم شهر رمضان لهذا العام مقارنة بما كانت عليه لنفس الفترة من العام الماضي لا تكاد تذكر، مما يجعلهم يصفون الأسعار بـ«المستقرة نسبيا»، حسب قولهم. من جانبها، تحرص وزارة التجارة السعودية تحرص على القيام بحملات تفتيشية مستمرة على مراكز بيع السلع الغذائية الرمضانية، وذلك تحسبا لأي زيادات متوقعة في الأسعار أو تقديم عروض إعلانية تفتقد للمصداقية، كما يوضح مصدر في الوزارة لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى إمكانية تقديم بلاغ عبر الهاتف الجوال من قبل المستهلك في حال وجود تجاوز من أي نوع كان، لتتابعه الوزارة بصورة عاجلة. جدير بالذكر أن دراسة حديثة قد كشفت أن قطاع محلات بيع المنتجات الغذائية الصغيرة في السعودية والمعروف باسم «التموينات»؛ يشهد نموا مطردا وسط تقديرات بارتفاعه بواقع 14.5 في المائة حتى عام 2016، وهو ما ترجعه الدراسة التي أعدتها شركة «برايس واتر هاوس كوبر» إلى تنامي حجم الاستهلاك العام للمنتجات الغذائية في السعودية.