سنوات من العمل الدؤوب وراء انضمام جدة التاريخية إلى قائمة «اليونيسكو»

220 مليون ريال لمشروع التطوير.. وهيئة السياحة تسابق الزمن في ترميم البيوت وتقديم القروض

من فعاليات مهرجان جدة التاريخي («الشرق الأوسط»)
TT

جاء الإعلان عن انضمام جدة التاريخية لقائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو في اجتماعات لجنة التراث العالمي لليونيسكو في دورتها الثامنة والثلاثين المنعقدة في قطر السبت الماضي، ليتوج الجهود المبذولة لحماية وتطوير المنطقة، من خلال شراكة مميزة وفاعلة بين عدد من الجهات الحكومية التي تتقدمها الهيئة العامة للسياحة والآثار وأمانة جدة، ومحافظة جدة، والتي عملت على تنفيذ مشروع متكامل للمحافظة على منطقة جدة التاريخية وتطويرها، وتهيئتها كموقع تراث وطني.

وحظيت جدة التاريخية باهتمام الدولة منذ أن نزل بها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، رحمه الله، في عام 1925، حيث اتخذ بيت نصيف سكنا له لمدة عشر سنوات واتخذ مجلسا ومُصلى بجوار مسجد الحنفي. وتوالت الرعاية من الدولة خلال عهد الملوك سعود وفيصل، رحمهما الله، وجرى تأسيس شبكات الخدمات بجميع أنواعها وإنشاء المرافق الحكومية، وإصدار نظام الآثار عام 1392ه الذي كفل الحفاظ على جدة التاريخية لاحقا. وخلال عهد الملك خالد وعهد الملك فهد، رحمهما الله، نفذت الدولة عبر مخططات مدروسة مشاريع عدة توجت بمشروع ضخم بميزانية تجاوزت 80 مليون ريال لرصف وإنارة جدة التاريخية بأسلوب يتماشى مع قيمتها التاريخية والحفاظ على مبانيها التراثية ونسيجها العمراني التاريخي، كما استمر اهتمام الحكومة بمنطقة جدة التاريخية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أولى الموقع أهمية خاصة في إطار عنايته بالتراث العمراني في كافة مناطق المملكة.

وتجسد هذا الاهتمام بتشكيل اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية برئاسة الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة سابقا، ونائب اللجنة الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، والتي انبثقت عنها لجنة تنفيذية برئاسة الأمير مشعل بن ماجد، محافظ جدة وعضوية، والدكتور هاني أبو راس، أمين المحافظة، مما انعكس إيجابيا في الاعتمادات المالية المتزايدة لمشاريع جدة التاريخية التي تهدف إلى المحافظة على المنطقة وتنميتها وجعلها منطقة عمرانية جذابة تحافظ على قيمتها الحضارية والتراثية.

* خادم الحرمين الشريفين يتبنى ترميم مسجدين في جدة التاريخية وقد أعلن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أثناء زيارته لجدة التاريخية لافتتاح فعاليات ملتقى التراث العمراني الأول الذي أقيم مطلع عام 2012 بجدة، أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية، وهما مسجد الشافعي ومسجد المعمار اللذان بدأ الترميم فيهما فعليا حديثا.

* اهتمام أمراء منطقة مكة المكرمة وكان لأميري منطقة مكة المكرمة الأمير ماجد بن عبد العزيز، والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، رحمهما الله، اهتمامهما الخاص بجدة التاريخية، حيث جرى العمل على زيادة الوعي بأهمية هذه المنطقة من خلال مشروع تطوير جدة التاريخية، وهو ما عمل عليه الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة سابقا ورئيس اللجنة العليا لتطوير جدة التاريخية، من خلال رئاسته للجنة العليا لمشروع تطويرها، مما أسهم في تنفيذ مشاريع والتأسيس لمشاريع مستقبلية للمنطقة.

* جهود الأمير سلطان بن سلمان وأولى الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، منطقة جدة التاريخية عناية شخصية منذ مدة تقارب الخمسة والعشرين عاما، وذلك ضمن اهتمامه بالتراث العمراني الوطني قبل إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار، وذلك في إطار رئاسته الفخرية للجمعية السعودية لعلوم العمران، وكان من أكثر المنافحين عن هذه المنطقة والمنادين بأهمية نهوض الأهالي والمؤسسات المحلية في محافظة جدة بدورهم، وعمل من خلال رئاسته للهيئة وعضويته في اللجنة العليا للمشروع في حشد الاهتمام بجدة التاريخية ومتابعة جهود تطويرها، وقام بزيارتها عدة مرات، كما اجتمع مرات بالملاك للتباحث حول تطوير الموقع. كما حظيت جدة التاريخية باهتمام ومتابعة دائمة من الأمير مشعل بن ماجد، محافظ جدة، وجهوده لحماية الموقع ومشاريع تطويره.

* أعمال هيئة السياحة في حماية الموقع عملت الهيئة بالتعاون إمارة منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة وأمانة محافظة جدة على تصنيف المباني التاريخية فيها، ورصف شوارعها، وإنارتها، وتأسيس إدارة لحمايتها وصيانة المباني التراثية فيها، وتحديث نظام البناء بما يكفل المحافظة على نسيجها العمراني التاريخي، حيث وضعت الهيئة مشروع تطوير جدة التاريخية على رأس قائمة برنامجها الوطني لإعادة تأهيل مراكز المدن التاريخية وفي إطار مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري الذي أقرته الدولة حديثا، الذي تعمل عليه بالشراكة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، وكان للهيئة دور مهم في إقرار ميزانية خاصة لمشروع تطوير جدة التاريخية لأمانة جدة، والبدء في ترميم 18 مبنى تراثيا، ودعم وتطوير مسار الاستثمار في المنطقة، وترشيح عدد من المباني التراثية للعمل على تطويرها، ومعالجة القضايا المتعلقة بالأوقاف بالتعاون مع وزارة المالية، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وكذلك معالجة القضايا المتعلقة بالصكوك بالتعاون مع وزارة العدل، وحث الملاك على تأسيس جمعية تضمن إشراكهم في مراحل الحماية والتطوير بعد أن كانوا غائبين عن أي مبادرات لحماية المنطقة، وهو ما أسهم في تأخير العمل في تطوير المنطقة في المراحل السابقة.

وتشترك الهيئة مع أمانة محافظة جدة في العمل على إعادة تأهيل وتطوير جدة التاريخية، وقامت في هذا الإطار بعدد من المهام منها إعداد وثيقة الأساس لمشروع الملك عبد العزيز للمحافظة على منطقة جدة التاريخية وتنميتها والتي تكونت منها لجان للمشروع على رأسها اللجنة العليا للمشروع برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة، كما عملت الهيئة مع أمانة جدة في عقد ورش عمل والمشاركة في تقييم الدراسات التخطيطية الخاصة بتطوير المنطقة، وشاركت في وضع خطة المشروعات التنفيذية لمنطقة جدة التاريخية، وقامت الهيئة بالتعاقد مع استشاريين عالميين يعملون حاليا على إعداد خطة الحماية والإدارة لمنطقة جدة التاريخية تمهيدا لاستكمال ملف تسجيلها في قائمة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو، وذلك بعد موافقة المقام السامي على تسجيل الموقع ضمن هذه القائمة، وكذلك شاركت الهيئة في اللجنة المشكلة لتقييم الوضع الراهن لجدة التاريخية والحلول المقترحة لذلك.

وافتتحت الهيئة مكتبا لها في جدة التاريخية للإشراف على أعمال الترميم الحالية حاليا.

* ترشيح جدة التاريخية للتسجيل كموقع تراثي عالمي وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد استكملت بالتنسيق مع أمانة محافظة جدة وجميع الجهات ذات العلاقة ملف ترشيح جدة التاريخية للتسجيل كموقع تراثي عالمي، وتم تقديمه لليونيسكو في يناير (كانون الثاني) 2013، وتنص الإجراءات على إحالة الملف بعد القبول الشكلي له إلى المجلس الدولي للمعالم والمواقع (الإيكوموس) للتأكد من استحقاق الموقع للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي، ومن ثم تأتي بعدها المرحلة النهائية للتسجيل والمتمثلة في التصويت على الموقع خلال اجتماع لجنة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو).

ونظرا لكون المراحل السابقة تسير وفق برنامج زمني محدد تقوم خلالها القطاعات واللجان المتخصصة بالدراسة والتحليل والتقييم؛ فقد جرى إدراج ملف جدة التاريخية للتصويت عليه من قبل لجنة التراث العالمي خلال دورتها الثامنة والثلاثين في دولة قطر في يونيو (حزيران) من عام 2014، حيث جرت الموافقة على الملف بعد دراسات وزيارات ميدانية لخبراء المنظمة.

* جهود الدولة في المحافظة على جدة التاريخية وتطويرها توجت الجهود التي دأبت على تنفيذها اللجنة المكلفة باعتماد ميزانية إجمالية بقيمة 220 مليون لمشاريع جدة التاريخية على أن يجري صرف 50 مليون ريال سنويا ابتداء من عام 2013 قابلة للزيادة. وذلك ضمن مشروع الملك عبد العزيز للمحافظة على جدة التاريخية الذي أسس عام 2005.

كما قُدمت تسهيلات وقروض من بنك التسليف الحكومي لترميم المباني التراثية بجدة التاريخية وتحويلها لمشاريع استثمارية من قبل ملاكها بواقع سبعة ملايين ريال للمشروع الواحد.

وفي هذا الإطار نفذ مشروع رصف وإنارة جدة التاريخية بميزانية تقارب 80 مليون ريال، كما جرى ترميم عدد من المباني التراثية وإعادة بناء بوابات المدينة القديمة بباب مكة وباب جديد.

وجرى تأسيس إدارة حماية جدة التاريخية عام 1413ه لحماية المباني التراثية من الهدم ومنع التعديات.

وأسس مشروع الأمير ماجد، رحمه الله، من خلال صندوق البلدية وتحويله على جدة التاريخية، وجرى ترميم بيت نصيف وتحويله لمتحف مع الكشف الأثري لعين فرج يسر وأجزاء من مسار السور القديم لجدة التاريخية وإعادة البناء، كما جرى الترميم الجزئي لـ12 مبنى وتوظيف عدد من المعلمين والعمالة المدربة لذلك.

وجرى ترميم بيت البلد وبناء جزء جديد مرتبط به (المجلس البلدي) وتحويله لمكاتب ومتحف عام 2003 بتكلفة إجمالية قدرها 11 مليون ريال.

وجرى تأسيس إدارة التطوير العمراني بجدة التاريخية وتزويدها بـ15 موظفا، وقد شكلت نواة لبلدية جدة التاريخية الحالية، وترميم بيت البنط بتكلفة خمسة ملايين ريال.

وجرى إعداد مرجع ودليل لترميم المباني التراثية وواجهات المحلات التجارية عام 2008 من قبل استشاري عالمي بتكلفة خمسة ملايين ريال.

وجرى ترميم المباني التراثية بمجمع بلدية جدة التاريخية عام 1429ه (2009م) بتكلفة 8 ملايين ريال، وتشكيل لجنة عليا لمشروع إطفاء الحريق بجدة التاريخية برئاسة أمير منطقة مكة المكرمة ولجنة تنفيذية برئاسة محافظ جدة. وجرى تنفيذ المرحلة الأولى من شبكة إطفاء الحريق عام 2011م بتكلفة سبعة ملايين ريال.

ونفذ مشروع لصيانة ورصف وإنارة المحاور الرئيسة بجدة التاريخية في الفترة بين العامين 2010 و2013 بتكلفة قدرها 27 مليون ريال، وجرى التعاقد مع استشاري عام 2013 لتقديم الدعم الفني لبلدية جدة التاريخية.

كما جرى التعاقد لترميم وصيانة المباني التراثية لأمانة محافظة جدة عام 2013 بتكلفة 14 مليون ريال. والتعاقد لصيانة وتركيب أعمدة إنارة تقليدية عام 2013 بتكلفة ستة ملايين ريال.

وعقدت عدة ورش عمل بمشاركة خبراء دوليين لمناقشة أفضل السبل للمحافظة على الموقع وإعادة تأهيله.

* المشاريع الحالية وتنفذ هذا العام مشاريع في جدة التاريخية بأكثر من 50 مليون ريال منها تقديم الخدمات الاستشارية لترميم المباني التاريخية في منطقة البلد، وتركيب وتوريد أعمدة الإنارة، وإنشاء مواقف وأرصفة للسيارات، وتنظيف وصيانة المنطقة التاريخية، وصيانة وترميم المباني والمتاحف في المنطقة التاريخية، ومشروع ترميم وصيانة سبعة مبانٍ تراثية ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية، ومشروع ترميم وصيانة سبعة وعشرين مبنى تراثيا ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية، ومشروع الدراسات لترميم وصيانة وإعادة تأهيل مائتي مبنى شعبي ضمن نطاق بلدية جدة التاريخية.

* مهرجان جدة التاريخية وشهدت جدة هذا العام ولمدة عشرة أيام مهرجان جدة التاريخية الذي أقيم بحضور الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، ورعاية أمير منطقة مكة المكرمة الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز.

وقد اكتسب المهرجان أهمية خاصة كونه يمثل باكورة أنشطة هذا العام 2014 الذي سيشهد في منتصفه تقديم ملف جدة التاريخية لقائمة التراث العالمي باليونيسكو، إضافة إلى أنه يمثل مبادرة مهمة من الأهالي لإحياء هذا الموقع التاريخي المهم ودعم جهود الهيئة في تطويره.