الدكتور النجيمي لـ«لشرق الأوسط»: السجون السعودية تشهد معتقلات لتبنيهن الفكر المتشدد

تسجيل صوتي لأحد المطلوبين يعيد دور المرأة إلى ساحة الإرهاب

TT

كشف الدكتور محمد النجيمي العضو في لجنة المناصحة لـ«لشرق الأوسط» عن وجود نساء معتقلات في السجون السعودية، نتيجة دورهن في الأحداث الأمنية الذي انقسم ما بين إيواء للمتورطين أو تشجيع للفكر المتشدد.

وأكد المصدر على أن الأعداد قليلة لا تتجاوز اليد الواحدة، مفيدا انه لم يتخذ بحقهن أي إجراء كونهن لسن من الفكر الخطر.

وأضاف أن لجنة المناصحة بصدد التفكير لعرضهن أيضا على اللجان التابعة لمناصحتهن، خاصة أن المستوى التعليمي لهن لا يتعدى كونه متوسطا أو ابتدائيا أو حتى أدنى من ذلك.

وفي شأن ذي صلة بث تنظيم القاعدة في السعودية تسجيلا صوتيا أشاد فيه سلطان بجاد العتيبي الذي قتل في 30 ديسمبر 2004 أثناء مداهمة الأجهزة الأمنية لإحدى الشقق في حي التعاون بالرياض مع ستة آخرين مطلوبين أيضا للأجهزة الأمنية، بالدور الذي لعبته زوجته «أم حمزة» في التنظيم التي توفيت قبل أكثر من ثلاثة أعوام اثر مرض الم بها، والذي تجسد في تمويل «المجاهدين» من خلال جمع التبرعات عن طريق النساء والأقارب، كما واستقبلت أفراد التنظيم وآوتهم في بيتها معدة للطعام، كما قامت بغسل الملابس.

ولم يختلف ما بث في الشريط على لسان زوجها أحد المطلوبين في القائمة 26 والذي شارك في عمليات الاغتيال الأربع والتي استهدفت أميركياً وايرلنديا، بالإضافة إلى ألماني وآخر بريطاني، وشارك في مواجهة حي الفيحاء، وهو من قام بإطلاق قذيفة (آر بي جي) قتلت رجل الأمن السعودي غدير القحطاني، عما كتبه في المجلة الإلكترونية الأصولية صوت الجهاد في العدد التاسع لذي الحجة 1424 وبعنوان (أم حمزة مثال للمرأة المجاهدة) والذي تلى ما كتبه أيضا عنها في موضوع آخر بعنوان (هكذا فلتكن النساء). أضاف فيه طلب أم حمزة «الهجرة إلى أفغانستان قبيل سقوط حكم طالبان إلى جانب توزيعها كتب «الملة» كما وصفها، مثنيا على دورها في دعمها المعنوي والمادي «للمجاهدين» ضاربا بها المثل في الصمود وعدم التقاعس عن الحق.

هذا وامتدح أبو حمزة زوجه في قلة خروجها من المنزل والتي لم تكن لتزور أهلها سوى في الشهر مرة واحدة لتطبق مبدأ «القرار» في البيت، وكان آخر ما ذكرته «أم حمزة» في وصيتها أثناء احتضارها والتي نشر نصها في العدد ذاته بحسب العتيبي أنها رأت مكانها في الفردوس الأعلى وقالت (جاهدوا الكفار).

من جهة أخرى جسدت رسالة زوجة الشهيد التي بثها الموقع الأصولي الشهير «بالساحات» دور المرأة في مجريات الأحداث الأخيرة من مواجهات أمنية مع المطلوبين والمتشددين فكريا، وبالأخص عقب عثور رجال الأمن على عباءات نسائية ومصوغ ذهبية، إلى جانب القبض سابقا على زوجة المطلوب العوفي (اللذين تربطهما صلات قرابة) موجودة معه برفقة أبنائها بذات المنزل قبيل هروبه، والذي وجد فيه رأس الرهينة الأميركي بول مارشيل جونسون محتفظا به بداخل البراد.

«هنئوني بزوجي، لقد نال الشهادة أسأل الله له القبول، وأن يجمعني به في جنته، هذا ما بدأت به زوجة الشهيد الذي لا يعرف بعد هل كان المقصود استشهاده في العراق أم أنه ضمن القتلى في المواجهات الأمنية السابقة.

وأضافت في رسالتها أنها لا تذكر طوال مدة زواجهما أنه قد نام يوما وهو غاضب عليها، أو أن يكون قد كره منها خلقا، كما ولا تنسى كلماته التي قالها ولا تزال ترن في أذنيها كما ذكرت (أود أن أقتل برصاصة تدخل من هاهنا ـ ويشير على رأسه ـ وتخرج من ها هنا)، حتى أن جاءها اليوم والذي كما تقول بشرت فيه بشهادته»..

وتختم رسالتها «أحمد الله الذي شرفني بأن أكون زوجة لك وأماً لأولادك، وأني أمشي رافعة رأسي، شامخة، فزوجي شهيد ـ إن شاء الله ـ.

وعكف الاختصاصيون النفسانيون والتربويون الاجتماعيون لدراسة مدى مشاركة المرأة السعودية في ترويج الفكر المتشدد، إلى جانب أسباب التزامها الصمت وعدم التبليغ عن بعض التصرفات المثيرة للشبه ككثرة غياب الزوج بذريعة أداء العمرة أو زيارة الحرم النبوي، أو تبنيه في أطروحاته ونقاشه لفكر ديني متشدد، أو حتى أن تجعل من نفسها هي وأطفالها بمثابة سواتر في بعض الأوقات.

وأبرزت الجهات الأمنية في وقت سابق الدور الذي لعبته المرأة السعودية من خلال تغطيتها على زوجها المطلوب الأمني أو ربما تبنيها لذات النهج المتطرف، في تحرك زوجة المطلوب الأمني عبد العزيز المقرن عقب مقتله في 18/6/2004 مع مجموعات إرهابية أخرى، اتضحت عقب وجوها في أحد المنازل تمت مداهمته. وتمكنت المجموعة بكاملها بعد ذلك من الفرار. ويتأكد الأمر بعد اشتباه قوات الأمن بزوجة خالد الفراج بكونها هي من تواصلت مع مجموعة من المطلوبين للإبلاغ عن وجود رجال أمن يحاولون إلقاء القبض على زوجها في 29/1/2004 بعد تبليغ والد خالد الفراج عنه واستشهاده مع ما يقارب خمسة من رجال الأمن أثناء تبادل لإطلاق النار، محاولة من المطلوبين لخطف خالد الفراج وتحريره.

وعد مراقبون صلة القرابة ما بين الزوجة والمطلوب الأمني التي كثيرا ما تكون ابنة عمه أو خالته، إلى جانب صغر عمرها والوضع الاجتماعي المحافظ، بمثابة عوامل تبرر مجارات الزوجة للمطلوب والتزام الصمت.

زوجة المطلوب الأمني عبد الرحمن المتعب الذي قتل في مواجهات القصيم الأخيرة «أم علي» لم تكن لتتنبه للأسباب الحقيقية والتي تقف خلف تعدد غياب زوجها عن المنزل جراء طبيعة عمله في مركز الدعوة بمنطقة الزلفي والتي تتطلب حضور مخيمات دعوية في مناطق السعودية المختلفة.

كما ويبقى زواجها بابن عمها عقب انتهائها من الصف الأول الثانوي، وانقطاعها عقب ذلك عن التعليم جراء زواجها المبكر في سن السابعة عشرة، تبريرا لعدم تمكنها من فهم واقعها أو البوح بمخاوفها إن وجدت، وبالأخص عقب إنجابها لفتاة منذ بداية زواجها، تلاه ابنها «علي» الذي لم يدخل بعد سنته الثانية من عمره. دلال أربعة وعشرون عاما، زوجة (س، م) الذي هو بذات الوقت ابن خالتها، أحد المنتمين للفكر المتشدد والذي أفرج عنه قبيل عام من سجن (حاير) بعد قضائه سنتين، وذلك بتهم الترويج وتبني الفكر الديني المتشدد. ألقي القبض على (س. م) عقب عقد قرانها بعام واحد وهي لا تتجاوز الواحدة والعشرين من عمرها، واستمر هذا الرباط سنتين كاملتين، اضطر ذووها إلى إجبار الزوج عقب الإفراج عنه بالانفصال عن الزوجة وتطليقها، وبالرغم من أن الفتاة ذات الأربع والعشرين والتي تكمل في الوقت الحالي دراستها الجامعية بكلية التربية، لم تؤيد هذا القرار لأسباب عاطفية ما زالت تحتفظ بها تجاه زوجها إلا أنها اضطرت في نهاية الأمر إلى الانصياع إلى قرار والديها دونما أي معارضة.

من جهته يرى الدكتور عبد العزيز الغريب أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن التغيب والسلبية التامة لزوجات المطلوبين أو الإرهابيين أمر لافت للنظر وإنما أيضا متوقعا كون معظم هؤلاء المطلوبين ينتمون لمجتمعات قروية أو ريفية أو مجتمعات تقليدية تختلف في خصائصها وسماتها عن المجتمعات الحضرية.

وأوضح أن العلاقات الزوجية أو تكوين الأسر في المجتمعات القروية والريفية يتسم بسمات خاصة، حيث من المعروف كما ذكر أن الزواج في تلك الأنماط المجتمعية يتم عادة وفق نظام زواج الداخلي أو القرابي، والذي عادة لا يكون للزوجة أي دور في اختيار الشريك وإنما يفرض عليها من قبل أهلها.

وأشار إلى أن التربية الأسرية للفتاة تتسم بالسلبية التامة وذلك بتربيتها على الانصياع الكلي للزوج، والرضا التام عن سلوكياته وتصرفاته دونما أدنى مناقشة، بالأخص إذا كان الزوج من قرابتها الأولى كابن العم أو الخال.

ويربط ذلك كله بانخفاض المستوى التعليمي للفتاة وعدم مزاولتها أي مهنة، إلى جانب الاعتماد على الزوج في اتخاذ كافة القرارات الأسرية، وهو ما فسر به قيام امرأة تعرف بالخوف على نفسها وعلى أطفالها بالإقامة مع زوج تعرف أنه مطلوب للجهات الأمنية وتعيش معه في منزل يستخدم كمستودع للأسلحة.

وأكد الغريب أستاذ علم الاجتماع مشاركة المرأة وبصورة غير مباشرة لمثل هذه الأعمال كونها صيدا سهلا للتغرير بها وتصديق زوجها فيما يقول.

وطالب بضرورة مشاركة علماء الاجتماع في تشخيص الواقع الأسري للمطلوبين من خلال استعراض التركيبة الأسرية لهم وأنماط الزواج المنتشرة ودرجة الحرية في اختيار الزوج.