«غرفة المعلمات».. عالم مصنوع للهروب من كل شيء خارجها

تناقش فيها الأسهم وأسعار الذهب ومشاكل الخادمات والمكياج والملابس

TT

يعد الوسط النسائي في المجتمع السعودي، من أكثر الأوساط ظلمة، حيث تختبئ تفاصيله خلف ستر وحجب كثيرة، لا سيما مجتمع المعلمات، والذي قد يحمل الدخول إليه أموراً كثيرة مثيرة، فالرغبة حاضرة في المجتمع الذكوري لمعرفة تفاصيل ما يحدث في داخل هذه المباني الدراسية، فآخر ما يرى الأب أو الزوج هي بوابة المدرسة فقط، فلا يسمح لأحد باقتحام هذا الجو الخاص جدا بالسيدات».

من جهتهن، فإن المعلمات يعتبرن المدرسة عالما خاصا بهن، فلا يفضلن التحدث عنه سواء للزوج أو الأب، أو حتى لنساء بعيدات عن هذه المهنة، إلا بعض الأحاديث السرية البسيطة، لبعض القريبات.

أما الطالبات فلا يعرفن كثيرا ما يجري داخل تلك الغرفة المغلقة، التي يطلق عليها «غرفة المعلمات»، ففي بعض الأحيان يختلقن الأعذار للدخول هناك، فتستغرب الطالبة من وجود معلمة شديدة الطبع مع الطالبات، تضحك وتتكلم بحرية مطلقة، وبكل سهولة تلاحظ علامات الذهول على وجه الطالبة.

كثير من الناس يظنون أن الطالبات والمعلمات يقمن بأداء واجباتهن وهن مرتديات العباءات داخل المدرسة، وهذا ليس صحيحاً، فعند دخول الطالبات أو المعلمات داخل المباني، يقمن بخلع العباءات، وتمضية يومهن بكامل حريتهن، لأنها منطقة مغلقة لا يدخلها أحد، فلا يستدعي الأمر لبس الحجاب، فعندما تدخل المعلمات داخل هذه الغرفة الكبيرة، ذات الأثاث المتناسق والجميل والعملي أيضا، وهي غرفة مرتبة بعناية فائقة، تهتم كل معلمة بنظافتها، لأنها عنوانها، حيث تتوزع المكاتب المتوسطة الحجم لكل معلمة، لوضع أوراقهن الخاصة بهن، وتوجد بها كنبات جميلة مناسبة للمكان، فتضع كل مدرسة عباءتها وأشياءها الخاصة بها على مكتبها، لتذهب بعد ذلك لحضور الطابور الصباحي، والذي ما أن ينتهي، حتى تأخذ كل معلمة كتاب تحضير الدروس، وتذهب لحضور حصصها، ولذلك تعد «غرفة المعلمات» نقطة التجمع والانطلاق، فهي المحور الأساسي للمعلمات.

وتتشوق كل معلمة لإكمال حصتها، والذهاب إلى داخل غرفتهن للاستمتاع بوقت الاستراحات، ففي فترة الفسحة المدرسية تسمع داخلها الضحكات والكلام الذي يسمع صداه داخل الأروقة، حيث يشاهد كثيراً دخول أبريق الشاي، حيث تجتمع المعلمات على مائدة واحدة للإفطار، وتقوم كل سيدة بإحضار الأطباق التي صنعتها في منزلها، لتمتلئ المائدة بمأكولات لذيذة، وتسمع بعد ذلك دردشة وحوارات حول بعض الأكلات الجديدة وعن كيفية صنعها، فهن يتبادلن فن الطبخ وعمل الأطباق المتنوعة في هذه الغرفة.كما يسمع هناك تبادل لأخبار أسواق الأسهم، ومن التي خسرت ومن التي كسبت، كما يتحدثون عن ارتفاع أسعار الذهب، والتي تشتكي هم خطيبها أو أخيها ومعاناته في هذه المسألة، تقول إحدى المعلمات، تدعى أمل، عما يدور داخل غرفة المعلمات، عند دخولنا إلى تلك الغرفة، نبتعد تماما عن الإطار التعليمي، فأغلب ما نتحدث عنه موضوعات الأزياء والأسواق وما الجديد فيها، أو عن أحد المسلسلات المعروضة في الفضائيات.

وقالت فاطمة، معلمة سعودية، «أتحدث في الواقع عن مأساتي داخل بيتي، وعن معاناتي مع شغالتي في البيت، فليس لي وقت أتحدث عن مكياج أو لبس، فهمي الوحيد ما يحدث داخل المنزل فقط، من جانبها ذكرت معلمة الصفوف الأولى، ليلى.ح، أنها مشغولة في هذه الأيام بسوق الأسهم وما يحدث فيها من تغييرات مفاجئة، مضيفة «نتحدث عن تجهيزات العطلة الصيفية، وأين ستقضيها كل معلمة؟ فمنهن من تقضيها داخل المنطقة بحضور حفلات الأعراس، وهناك من ستقضيها في السفر إلى المصايف الداخلية والأماكن المقدسة»، واتفقت المعلمة نورة مع زميلتها ليلى، وأضافت «لا نتحدث فقط في هذه الأمور، ولكن أيضا نسمع من بعضنا المشاكل التي تزعج أي معلمة، فنبادر بحلها، وأيضا بمساعدة بعضنا داخل هذه الغرفة، فنحن نعتبر أخوات ولسنا فقط زميلات في العمل، فأكثر الناس الذين نتحدث معهن هن المعلمات، نأخذ آراء بعضنا، ونحدد الزيارات الأسبوعية فيما بيننا، فكل أسبوع نجتمع عند إحدى المعلمات أيضا لنتحدث عن مشاكل العمل، سواء في اعداد جداول الحصص أو عن النشاطات التي تحدد داخل المدرسة أو عن مشاكل الطالبات، وهذا ما يشغلنا أكثر الأوقات، إلا أن هذا كله لا يمنع أن نتحدث عن كل شيء خارج وداخل محيط المدرسة، ففي هذه الغرفة نعرف أخبار كل منطقة موجودة فيها كل معلمة».

من جانبها ذكرت حارسة المدرسة، فاطمة، سعودية مسنة، أن معظم وقتها تقضيه مع المعلمات «كي ألبي طلباتهن، فمعظم الأوقات يختلفن في أمور بسيطة، ويحدث زعل بسيط، لكن يرجعن ويتصالحن، فهن طيبات جداً، إنهن يتكلمن عن مشاكل تقع في منازلهن، إما مع أزواجهن أو مع أهالي أزواجهن، أو يتحدثن عن بعض الديون التي عليهن، أو عن مشاكل في بناء بعض المنازل الجديدة التي يقمن بتشييدها، كما يتحدثن عن مشاكل الحمل أو التربية لأطفالهن، وغيرها من الأمور، حتى أن الوقت يمضي، وينتهي اليوم دون أن يدركن ذلك».

وتضيف أن هذه الغرفة تفضح كل معلمة وتظهرها على حقيقتها، سواء أكانت متواضعة أو متكبرة، لأن الوجه والشخصية داخل الفصل يختلفان كلياً عن غرفة المعلمات، فهي إنسانة أخرى داخل الفصل، حيث الصرامة، وليس هناك مجال للتلاعب أو الاستهتار، ولا بد أن تكون كذلك حتى تضع لها الطالبات ألف حساب، أما هنا فأنا اعتبرهن بناتي، وهن يعتبرنني مثل والدتهن.