إنشاء حدائق ومتنزهات حول جبل أحد يثير جدلا واسعا في المدينة المنورة

اختلفت الآراء ما بين مؤيد ومعارض

TT

أثار شروع أمانة المدينة المنورة في إنشاء حديقة حول جبل احد التاريخي من جهته الجنوبية والشرقية جدلا واسعا في مجتمع المدينة لتشكل مجموعة من الحدائق والمتنزهات على سفح الجبل الأكثر قدسية في المدينة المنورة، واختلفت الآراء ما بين مؤيد ومعارض، فهذا جبل احد الذي يرتبط في اذهان وتاريخ المسلمين مع ذاكرة تختزن العديد من الاحداث والوصايا النبوية الا ان احد «الجبل المقدس» يئن تحت وطأة تلك المعاول والآلات التي اثارت قلوبا كثيرة تشاركه ذلك الألم.

يؤكد على ذلك الدكتور عاصم حمدان علي الاديب والباحث في ادب وتاريخ المدينة المنورة الذي اشار الى اهمية النظر الى هذه المواقع منظور ديني وشرعي، ولذلك فإن جميع المواقع ـ ومنها جبل سلع وجبل الرحمة وجبل ثور ـ جميعها ارتبطت بالتاريخ الإسلامي إما بشعائر إسلامية أو بحوادث تاريخية وتعرضها لمشاريع معينة يجب أن تصب في مصلحتها وزيادة قدسيتها وليست في نقصانها.

ويقول الاديب «إذا أخذنا الموضوع من هذه الزاوية يسهل علينا التعامل مع كل القضايا في كل المواقع التاريخية في كل مكان في العالم. بعض المواقع أو غيرها ممن لها اثر أو مكانة تاريخية أو أدبية تحظى بتقدير جميع الأديان والشعوب، فمن باب أولى نحن المسلمين الذين عرفنا تاريخنا بالتواتر وحضارتنا بنيت على أسس شرعية ودينية أن نكون من احرص الناس في المحافظة على هذه المواقع التي تمثل لجميع المسلمين الشيء الكثير». ويضيف الاديب «على الجهات المسؤولة والمشرفة على هذه المشاريع أن تراعي أن لنا تاريخا وحضارة نعتز بها وللأسف الشديد التيار المتشدد في العالم العربي و الإسلامي لا يعترف بالحضارة الإسلامية والفن والتاريخ والمعمار»، وأعطي مثالا على سماحة المسلمين فعندما دخل المسلمون في البلدان الأخرى في الفتوحات الإسلامية حافظو على آثارهم لم يهدموا كنيسا أو معبدا أو ينبشوا قبرا أو يقطعوا شجرا فقد كان رسول الإنسانية يوصي سراياه في الحديث فأمة سيدنا محمد تبني ولا تهدم تعمر ولا تدمر وأمر عليه الصلاة والسلام بالمحافظة على آطام المدينة وكان بعضها من صنع اليهود ولكن اعتبرها علامة مميزة وكما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آطام المدينة أن تهدم) وأخرجه البزار والطحاوي فإنها (زينة المدينة).

من جهته كشف الدكتور عبد العزيز كعكي مدير وحدة ودراسات المخطط العام في أمانة المدينة المنورة ان الحديقة المقامة على سفح (جبل أحد) هي جزء من حدائق طبيعية وضعت لها خطة تشغيلية خاصة تخالف الحدائق الأخرى، وذلك بتخصيصها كحديقة طبيعية خضراء يجد فيها ساكن المدينة وزائرها المكان المناسب للجلوس فلا يسمح للمستثمرين باستخدام الألعاب العالية التي قد تسيطر على الحديقة ويكتفي بالألعاب الصغيرة والبسيطة فقط والتأكيد على تخصيصها للعوائل فقط ومنع استخدام الشيش والمعسلات كما يمنع استخدام الأغاني والموسيقى سواء في المحلات التجارية أو الأكشاك لإضفاء نوع من الطمأنينة والراحة النفسية لرواد الحديقة بعيدا عن الصخب المعتاد في الحدائق الأخرى ومدن الملاهي.

الدكتور محمد أنور بكري أستاذ السيرة النبوية بجامعة طيبة من جهة اخرى اكد على أن ما يجري الآن من أعمال هدم ومشاريع في جبل احد تعز على النفوس ـ حسب وصفه ـ وهذه المشاريع لا تصب في مصلحة الجبل، وإنما يجب علينا صيانته والمحافظة عليه، وجبل أحد كما جاء في الحديث يجب أن لا يكون عبارة عن منتزه أو حديقة أو مقهى مما يتنافى مع مكانته وقدسيته أما إذا أردنا الاعتناء به فهناك طرق كثيرة للاعتناء به كإنارته وعمل خط دائري حوله، وهنا لا يفوتني أن أشيد بمواقف الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز الايجابية والتي تركت الأثر الكبير في نفوس أهالي المدينة ومحبيها في ثلاث قضايا مهمة وهي قضية جبل الأصفرين، وجبل سلع، والغار. وقد وجه بحلها الحل الأمثل والمحافظة على هذه المواقع التي ارتبطت بأحداث تاريخية ودينية وكانت تلك خدمة لا تنسى لتاريخ السيرة النبوية. المهندس عبد الحق بشير العقبي عضو دار المدينة للتراث العمراني يرى ان الأصل أن يبقى الجبل والمناطق المحيطة به أصيلا محافظا على طبوغرافيته الفريدة ولكن الواقع غير ذلك، هناك اعتداءات وتوسع في الملكيات وانتشار العشوائيات التي شوهت الموقع وسفح الجبل، وعجز إداري في تخطيط وتنفيذ الإجراءات الإصلاحية نظرا لقوة التملك وإصدار صكوك الاستحكام يقابلها ضعف في السيطرة على الأماكن الخالية وتخطيطها، وبالتالي يصبح الحل الذي ليس منه بد هو المحافظة على مابقي في المناطق المحيطة بالجبل بالحدائق، فذلك بالنسبة لي خير من نمو العشوائيات السرطاني الذي شوه المنطقة المحيطة بالجبل. وقال «المدى الذي أرى أن يتوقف عنده هذا الإجراء ـ الاحترازي الوقائي إن جاز التعبير ـ هو إبقاء الجبل على طبيعته والمحافظة الكاملة على طبوغرافيته وارى أن يكون أسلوب التشجير المتبع مقتصرا على النباتات البيئية التي تنمو في المنطقة». ويضيف طارق حريري من سكان المدينة المنورة بأن فكرة انشاء حدائق فكرة جميلة ورائعة وتحتاجها المدينة المنورة، لكن العجب أن كافة الحدائق ومنها الحديقة الموجودة في الجهة الجنوبية من احد مثل بقية الحدائق المنشأة، والجميع يعلم ماذا يحصل في الحدائق والمنتزهات ومن ابسط الأمور التي يمكن حدوثها هو رمي مخلفات الطعام ووجود دورات للمياه كما يحدث الآن في خارج أسوار الحديقة الجهة الجنوبية من الجبل من قبل المرتادين ولعب الورق وكذلك الشيشة والمعسل والدخان أين؟ على جبل أحد ذلك الجبل الذي «نحبه ويحبنا» ولو لم يكن به إحساس لما اهتز تحت الأقدام النبوية الشريفة.

ويقول «سؤالنا الكبير الذي يحتاج إلى إجابة، لماذا لا يتم اختيار أماكن ليس لها علاقة بالتاريخ أو السيرة النبوية المطهرة، ويتم العمل على إنشاء ما يود على أرضها مثل أعالي جبل عير أو منتزه البيضاء أو العاقول أو مساحات في طريق الملك عبد العزيز أو الدائري».