مصافحة تاريخية بين مركز «الحوار الوطني» وأصحاب «الصوالين الثقافية»

بعد عقود من الفجوة بين المؤسسات الرسمية والمهتمين بالفكر

TT

في مصافحة هي الأهم من نوعها بين الجهات الرسمية والمواطنين، ينظم مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني اليوم في مكة المكرمة لقاء ثقافيا موسعاً بعنوان: «الصالونات الثقافية بالمملكة وأثرها في نشر ثقافة الحوار»، لمدة يومين، ومن المنتظر أن تعزز هذه الخطوة تحريك مساحة من الجدل بين الخطاب الرسمي والخطاب الثقافي نحو رؤية شاملة لمفاهيم وطنية وثقافية ستكون هي محور جلسات اللقاء. وليس مصادفة أن يعقد المؤتمر في مكة بمشاركة واسعة من مثقفين وأدباء وأصحاب صوالين ثقافية معروفة منذ عقود طويلة ومسؤولين حكوميين، حيث يصب اختيار مكة موقعا للقاء في إعادة علاقة مكة المكرمة بالصوالين الثقافية التي اشتهرت بها منذ أكثر من قرنين الى جانب مكانتها المقدسة، وتميز رجالات مكة ونساؤها بشهرة أوسع في عقد المنتديات في المقاهي والبيوت، التي أصبحت مع تطور العصر ما يعرف بـ«الصالونات الادبية والثقافية» وهي الثقافة التي انتقلت عدواها لعواصم اسلامية كبرى وباتت سمة أساسية أظهرت أجيالا من الادباء والشعراء والمفكرين.

وقال فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني: ان صور وأشكال الحوار المتعددة في بلادنا تدفع المركز إلى التواصل مع هذه الظواهر الحوارية البارزة، اتساقا مع أهداف المركز في نشر ثقافة الحوار وجعلها نمطا من أنماط الحياة في المملكة، مؤكدا على أن الصالونات الثقافية المنتشرة في كثير مناطق مختلفة من البلاد، تقوم بدور كبير في تعضيد الفعل الثقافي الحواري في بلادنا، وهي لها تجاربها الحوارية الأثيرة التي خلفت نمطا من أنماط التواصل الثقافي بين الأدباء والكتاب والمثقفين وطرحت للنقاش عددا كبيرا من القضايا الثقافية والوطنية المتعددة.

وأوضح أن اللقاء الذي سيشارك فيها عدد كبير من أصحاب الصالونات الثقافية إلى جانب مجموعة من المثقفين والنقاد والأدباء من الجنسين وسوف يتضمن عدة محاور تتناول: دور الصالونات الثقافية في نشر ثقافة الحوار، والصالونات الثقافية وعلاقتها بالإعلام، والصالونات الثقافية بين النخبوية والانفتاح، وثقافة الحوار بين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والصالونات الثقافية.

وذكر ابن معمر أن أهداف اللقاء تتمثل في تفعيل التواصل وخلق شراكة بين المركز والصالونات الثقافية، والتعرف على دور هذه الصالونات الثقافية في نشر ثقافة الحوار، والتعريف بالصالونات الثقافية بالمملكة، والنظرة المستقبلية لها، وإصدار دليل تعريفي يرصد مختلف تلك الصالونات على مستوى المملكة.

ويرى المراقبون للمشهد الثقافي في السعودية أن هناك خطوات جادة لإعادة تشكيل البنية التحتية للثقافة السعودية، وهو ما سيخدم على المدى المنظور مسألة تدوير الثقافة والفكر في تيارات مختلفة بعيدا عن أحادية الرأي أو احتكاره في مؤسسات بعينها. كما أن مناقشة هموم الصوالين الثقافية ومعطياتها على المجتمع عبر حوار مشترك مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني سيسد أي ثغرة محتملة في جسد الثقافة السعودية، وهو ما يظهر جليا من مسميات بعض المحاور التي ستناقش عبر الملتقى كمحور: «ماذا يريد المركز من الصوالين الثقافية، وماذا تريد الصوالين من المركز». كما اتجهت الدعوات لاستثمار هذه المصافحة التاريخية، والاستفادة منها في صنع نواة مستقبلية للاجيال القادمة تعزز من ثقافة الحوار، وتحول الهم الثقافي إلى أسلوب حياة بعيد عن أنماط التكريم والاحتفاء والمجاملات، وقريبا من ملامسة أوجاع وهموم المواطنين، واعتبار الصوالين الثقافية مكملا لدور المركز في إشاعة أجواء الحوار بين شرائح المجتمع، وتفويت الفرصة على المشككين في دور تلك الصوالين التي كانت فاعلة في وقت من الاوقات في تشكيل وجدان ونبض الناس نحو أوطانهم ومجتمعاتهم. يشار إلى أنه في السعودية هناك أكثر من أربعين صالونا أدبيا وثقافيا تقام بشكل دوري في مثل: خميسية حمد الجاسر الثقافية، واثنينية عثمان الصالح الثقافية، وخميسية الوفاء، وأحدية راشد المبارك، وثلوثية المشوح، وثلوثية محمد سعيد طيب، واثنينية عبد المقصود خوجة، وندوة الدكتور أنور عشقي، وصالون باشراحيل الثقافي، وملتقى سلطانة السديري الثقافي، وملتقى الأربعائيات بالمنطقة الشرقية، واثنينية تنومة، وثلوثية المغلوث بالأحساء، وملتقى المها الأدبي بجدة، وصالون صفية بن زقر وملتقى المرأة الثقافي بمكة المكرمة.