معلمون يلجأون للعنف «النفسي» بديلا عن الضرب «الجسدي»

بعد أن منعت وزارة التربية والتعليم العقاب في المدارس

TT

إذا ما مررت بأحد الأروقة المدرسية فليس غريباً أن تلتقط أذناك صوت معلم وهو يسم تلميذاً بالغباء، أو الحمق، أو أن يطلق تعليقاً ضاحكاً على هيئته العامة أو طريقة لبسه أو نطقه أو سلوكه ليضحك الصف بكامله، وإذا ما أمعنت النظر جيداً فسوف ترى طفلا صغيراً مرتعشاً دامع العينين، ينزوي وتنخفض نظراته ونبرات صوته لتصبح تلك الصفات مميزة له حتى بعد أن يغدو رجلاً. هذا المشهد هو أحد فصول ظاهرة متكررة هي ظاهرة العنف دخل المدارس، والذي استقر به الأمر ليصبح «نفسياً بعد أن كان جسدياً ونفسياً» بحسب ما يقول الاختصاصي الاجتماعي فواز الجهني، والذي أكد على خطورة هذه الظاهرة، بقوله «صحيح أن ظاهرة الضرب انحسرت كثيراً بعد أن تم منع استخدام أسلوب الضرب داخل المدارس برغم وجود من يتخطى الحدود ولا يلتزم بالمنع، لكن الظاهرة الأكثر انتشاراً والأخطر برأيي هي التعنيف النفسي المنتشر جداً داخل مدارسنا مع الأسف الشديد، وأستطيع القول جازماً بأنها أحد أهم الأسباب وراء التعثر الدراسي والتسرب خارج المدارس والجنوح».

وتابع الجهني قائلاً: «يجب أن يتعاطى المجتمع مع ظاهرة التعنيف النفسي كالضرب تماماً وأن يرفض كل أنواع التعنيف سواء كانت جسدية أو نفسية سواء كانت في البيت أو داخل المدرسة لأن لها الأثر نفسه بل أن الأذى النفسي يفوق بمراحل الأذى الجسدي كونه يحطم شخصية الطفل ويدمرها»، وأضاف «دور المعلم لا يقتصر على تلقين المعلومات فقط، بل يتعداه إلى ما هو أهم ألا وهو بناء المواطن الصالح القادر على الإسهام في بناء وطنه وتنميته، وهو ما لن يكون إذا ما استمر بعض المعلمين لدينا بقمع الطفل والقضاء على شخصيته منذ نعومة أظفاره، من هنا فإننا نناشد الوزارة بضرورة تأهيل المعلمين والمعلمات ومتابعتهم والحرص على اختيار الأسوياء نفسياً والقادرين على أداء مهمة التعليم كما يفترض بها أن تكون».

وكانت دراسة علمية أجريت أخيرا بإحدى الجامعات الكندية قد كشفت عن أن توجيه المعلم للتلميذ إهانات لفظية يتسبب له في الغالب بمشاكل سلوكية، وقد يساعد على الجنوح في مرحلة المراهقة المبكرة، كما أنه يؤثر سلباً على تحصيله الدراسي، وأكدت الدراسة على أن الأطفال الذين يظهر عليهم سلوك غير اجتماعي، أو نقص في التركيز هم الأكثر عرضة من بين بقية التلاميذ لتلقي إهانات المعلمين اللفظية. وخلصت الدراسة إلى ضرورة تأهيل المعلمين وتدريبهم للتعامل مع الأطفال بطريقة تربوية صحيحة، حتى ولو صدرت عنهم سلوكيات غير سليمة، لأن التعنيف والإهانات اللفظية لها تأثير مدمر على حياة الطفل. المعلمة إيمان با فقيه من جانبها أكدت على ضرورة تحلي المعلم بالصبر، وقالت «مهنة التعليم تحتاج إلى مزايا وصفات خاصة في الشخصية من بينها الصبر والإحساس بالمسؤولية، فالمعلم يتعامل مع كائنات هشة وفي طور النمو وعليه أن يرعاها حتى تقوى وتتكون شخصيتها بطريقة سليمة، لا أن يكون عنصر هدم وتحطيم لها»، وأضافت «مع الأسف هناك من لا يتمتع بهذه الصفات في أوساط المعلمين، بل أقول ودون مبالغة بأننا إذا ما قمت بجولة في العيادات النفسية سنذهل من عدد المراجعين الصغار في السن، وسنفاجأ كثيراً عندما نعرف بأن بعض المعلمين والمعلمات هم السبب في مراجعتهم للطبيب النفسي».

وتكاد لا تخلو جعبة أي سعودي من قصة اضطهاد مؤلمة تعرض لها وهو على مقاعد الدراسة، فاتن مصطفى (طالبة جامعية) استرجعت بعض «ذكرياتها المرة من أيام المدرسة» على حد قولها، تقول: «كنت أعاني من البدانة في صغري، وكانت إحدى المعلمات كثيرة التعليق على هذا الموضوع، وكانت تتقصد أن تجعلني أنهض من على مقعدي لكتابة الإجابات على السبورة مرات متتالية حتى تتندر على بطئي وبدانتي، الأمر الذي جعلني لا أستطيع التركيز في حصصها وكنت أخشاها لدرجة أني لم أستطع الشكوى لوالدتي، واستمر الأمر عاماً دراسياً انتهى برسوبي في مادتها، وكاد يتطور إلى عقدة نفسية تلازمني طوال حياتي لولا تدخل والدي»، وتضيف «كلما جلست إلى صديقاتي وتذكرنا أيام الدراسة في المراحل الأولى تمطرنا الذكريات الحلوة أحيانا والمرة أحايين أخرى، وأظن أن لدى كل شخص ذكرى مماثلة».