أخصائية اجتماعية: «أطفالنا محبطون ويفقدون مهاراتهم الاجتماعية بالتدريج»

عدم وجود حدائق للعب الأطفال في الأحياء يعرضهم إلى مخاطر الشارع

TT

الطفولة واللعب صنوان لا يفترقان، وكما تذكر كتب علم النفس والاجتماع فإن الطفل يحتاج إلى اللعب والانطلاق بقدر حاجته للغذاء والحنان، والصور التي تبقى في ذاكرة معظمنا عن طفولته لا تعدو أن تكون صورا مبهمة عن أرجوحة وصبية يلعبون الكرة أو لعبة الاستخفاء، أو دراجة حصلنا عليها كهدية نجاح نقودها في طرقات ترابية دون أن نخشى السقوط.

الأخصائية الاجتماعية ريما مسعود تتساءل بأسف عن الذكريات التي ستجول في أذهان الأجيال الناشيءة عن طفولتهم، «فالأوضاع تغيرت، ونمط العيش الذي نحياه الآن يفرض علينا أن نتخلى عن كثير من جماليات الأمس في مقابل أشياء أخرى، والأطفال هم من يدفع الثمن» على حد قولها.

وتضيف «الحدائق والمنتزهات عندنا بعيدة عن الأحياء السكنية، والآباء المتعبون من يوم عمل طويل لا يستطيعون قيادة السيارة يومياً عشرات الكيلومترات ليصطحبوا أولادهم للتنزه، هذا واقع يومي يصادر حلم الأطفال ورغبتهم في الانطلاق واللعب فيستسلمون للإحباط واليأس وهم في عمر الزهور».

واستطردت قائلة «الأطفال في سن المدرسة وحتى الأصغر، يفترض أن توفر لهم مساحات فسيحة وأمنة للعب وممارسة الهوايات، والترفيه وتفريغ نشاطهم وطاقتهم، ويفترض أن تكون هذه الأماكن في كل حي وسط المنازل، وأن تجهز بما يتناسب مع حاجات الأطفال، ولكن للأسف تفتقر معظم الأحياء لمثل هذه المرافق، وبالتالي فإن المكان الوحيد المتاح أمام الطفل هو الشارع بكل الأخطار التي يتعرض الطفل لها». سعيد العمري الذي يقيم في شمال جدة يعاني من مشكلة عدم وجود مكان يلعب فيه أطفاله، لكن بصورة أخرى حيث يقول «برغم وجود حديقة صغيرة أمام منزلي إلا أن تزايد عدد حوادث السيارات، والقيادة المتهورة من شباب صغار السن داخل الأحياء، كلها أسباب تجعلني أفكر كثيراً قبل السماح لأبنائي بالذهاب للعب، إلا أنني أرضخ لهم بعض الأحيان أمام إلحاحهم الشديد، وأضع يدي على قلبي حتى أطمئن على عودتهم سالمين».

وأمام الاختيار بين عدم وجود حدائق معدة للعب الأطفال، ومخاطر الشارع فإن غالبية الأطفال توجهت إلى الألعاب الإلكترونية، مثل البلاي ستيشن، ومشاهدة التلفزيون، والقنوات التي تعرض برامج الأطفال طوال اليوم، «الأمر الذي ترتبت عليه نتائج خطيرة» بحسب رأي الأخصائية الاجتماعية زينب مغربي «بقاء الطفل لساعات طويلة أمام شاشة التلفاز لمشاهدة برامجه واللعب بالبلاي ستيشن، الذي يصل أحياناً إلى درجة الإدمان، ألقى بتأثيراته البشعة على ذكاء أطفالنا ومواهبهم وطريقة تفكيرهم».

وتتابع مغربي قائلة «إلى جانب الأضرار الصحية التي يسببها إدمان التلفاز والبلاي ستيشن من زيادة الوزن، وإضعاف النظر، فإن تأثيراته على سلوكيات الأطفال أكبر وأخطر بكثير حيث أصبحت النزعة للعنف التي تشجعها هذه الألعاب وبعض البرامج أمراً ملحوظاً في كثير من الأطفال، إلى جانب تشتت الأفكار والبلادة».

وتضيف مغربي «وجود مكان أمن للعب الأطفال واجتماعهم ضروري ليس فقط لتفريغ طاقتهم بشكل سليم وبناء، ولكن لصقل قدراتهم الاجتماعية وتعويدهم على التواصل مع أقرانهم، الأمر الذي يسهل عليهم الاندماج في المجتمع مستقبلاً، ويساهم في تنمية شخصياتهم، ولعل أكثر الأمور السلبية التي يعاني منها أطفالنا الآن هذه النقطة بالتحديد، حيث ان الأطفال يفتقدون لمهارة الحوار والنقاش والتعبير عن أنفسهم بسهولة، والسبب هو اتصال الطفل المحدود بالمجتمع، وحتى في البيت نفسه نجد الاتصالات مقطوعة بسبب انشغال الأهل وإدمان الأطفال على الجلوس أمام شاشات التلفاز، فكيف تنمو لدى الطفل مهارات الاندماج بالمجتمع والتعبير عن الذات والحوار وهو لا يمارسها؟»