التقنية والتجديف نحو الخيانة الزوجية

مستشار شرعي: قضايا معاكسات الأزواج كثيرة.. تنتهي بالطلاق وتفتح بابا للأبناء

TT

تقول (هـ. ج): «كنت أثق بزوجي حتى اكتشفت خيانته لي مع فتيات عبر الجوال، كل غرضهن منه أن يشتري لهن بكرمه «كرت شحن». الخلافات تكبر بيننا ولا تنتهي، وليس لدي من ألجأ إليه، فوالدي متوفي، واخوتي لن يقبلوا إلا بطلاقي منه، وأنا أعيش في جحيم معاكساته، فماذا أفعل؟».

فيما تؤكد «أم راكان»، برغبتها في الطلاق من زوجها بقولها «ما زلت في منزل أهلي ولن أقبل بحل غير الطلاق، لقد صبرت بما فيه الكفاية، فماذا انتظر أن أصيب بالإيدز، فأنا لم أعد أثق به، فماذا عن سفره؟، إنه لا يحترمني ويتحدث مع فتياته وكأنه يتحدث لرجل».

إلا أن «أم حمد» تقول متأسفة «أغلب رجالنا يتحدثون لفتيات، لذا تجدهم أشد الرجال شكا، ومع ذلك فأنا لا أضمن أنني لو طلقت منه سأجد الأفضل، والجوال لم يعد هو الوسيلة الوحيدة، فهناك الإنترنت وما خفي كان أعظم».

وتعلق على ذلك الاختصاصية الاجتماعية فاطمة القرني، بقولها: «لكل اختراع إيجابياته وسلبياته، والجوال والإنترنت كالهاتف، قد يستخدمان في أمور تتفاوت بين العادية والمهمة، أو قد يستخدمان في المعاكسات، فلكل تقنية حديثة جوانب إيجابية وأخرى سلبية، الفرد وحده هو من يحدد كيفية استخدامه لها حسب تركيبته النفسية والأخلاقية والدينية في المقام الأول».

وترجع أسباب المشكلة لدى الزوج «بكون الزوج قد تعود على هذا الفعل المشين مذ كان مراهقا وأصبح متعلقا بالكلام المعسول وعبارات الحب والغزل، حتى لو كانت زوجته تسمعه ذلك، لكن الفرق أنه يسمع من زوجته ما يسيئه أحيانا، بينما الفتاة الأخرى التي يعاكسها لا يسمع ولا يرى منها إلا كل أمر معسول ومغشوش، وهذا لا يخالف طبيعة الحياة الزوجية فحسب، بل البشرية، وبذلك تشبع حاجة لديه تكون غالبا مدفوعة الثمن بكرت شحن وغيره، وليس كرما كما أشارت بعض الزوجات هنا».

وتستدرك قائلة: «إلا أننا لا يمكن أن نغفل بأن الزوج قد يكون يهرب من زوجته ومشاكله الأسرية فيعالجها بشكل سلبي، أي أن الزوجة هي من تدفع بزوجها إلى خيانتها بسلوكياتها التي لا تتوافق مع زوجها، والتي لا يحاول هو بالتالي احتواءها أو حتى المساس بها، فيلجأ كالمراهق لتعويض النقص العاطفي لديها بأي رقم يقوم بترتيبه»، مستبعدة تماما «أي زيجات تسفر عن مكالمات عبر الإنترنت أو الجوال لأنها طرق محرمة اجتماعيا لدى كل المجتمعات العربية، خصوصا مجتمعنا السعودي المحافظ، وإن تم ذلك فأنا أشك في استمرارها، لأن الأصل فيها كما ذكرت سابقا، الغش من الطرفين، وإن كنت ألوم الرجل المتزوج بالمقام الأول كونه لم يحترم زوجته ولا نفسه معتمدا على مقولة كثيرا ما يرددها المجتمع بأن الرجل لا يعيبه شيء، وهذه المقولة دفعت بكثير من الشباب إلى المحرمات».

بينما ترى الاختصاصية النفسية مها أحمد «هناك استخدام سيئ للجوال والإنترنت من جانب بعض الأزواج، مما يؤدي إلى فساد الأخلاق، هذا الاستخدام ينصب في الحديث عن الجنس والحب وغيرهما ويتجه صوب الخيانة الزوجية». مؤكدة بأن «هذا التصرف غير السوي وغير المسؤول يؤدي إلى آثار نفسية سلبية على الزوجة وعلى الزوج المعاكس نفسه، مما يؤدي بدوره إلى الهروب من المشكلات الأسرية، فالزوج المعاكس سيهرب من زوجته وأولاده إلى الجوال أو الإنترنت لينشد من خلالهما التحدث مع امرأة أخرى لا تعرف عنه شيئا، فيتعلق بها تعلقا مرضيا ناتجا عن إدمان شديد لهذه التقنية مع خطورة أن يكون الطرف الآخر رجلا، خصوصا على الإنترنت، وما ان يكتشف حتى يصاب بصدمة نفسية تتفاوت قوتها بقوة التعلق».

وتضيف «ولأن الزوجة طرف أساسي وتتأثر بتصرفات زوجها، ستشعر في ظل غياب الزوج الروحي والجسدي بأنها كيان مهمل، مما يؤدي إلى فقدان الدفء الأسري، وهذا ما يعدو بالزوجات المتضررات إلى الانعزال عن الزوج وهذا نتيجة الفتور الأسري».

وتضيف الاختصاصية مها «إننا بالفعل أمام مشكلة ليست طارئة على الشباب في سن المراهقة، لكنها طارئة بالتأكيد بالنسبة للأزواج، لكنها لا تصل للظاهرة، فالجوال والإنترنت حاليا ما زالا يثيران بعض المشكلات، وكل ذلك لأننا لا نتعلم في وقت مبكر كيف يمكننا تسخير التقنية لخدمتنا ومصالحنا الإيجابية التي ترتقي بالفرد كإنسان يتعلم ويستفيد مما هو جديد وليس كالحيوان مغيب العقل يلبي بتصرفاته غرائزه الفطرية».

وتنصح الزوجة بأن تحاول جذب الرجل إليها ولا تسمح لفتيات الهواتف أو الإنترنت بهدم بيتها، كما أن على الأزواج مراعاة الله في تصرفاتهم فكم من مريض نفسي لا يعاني إلا من تأنيب للضمير بسبب سلوكياته السيئة».

فيما يشرح ذلك المستشار الشرعي ومأذون الأنكحة الشيخ منصور بن ناصر العضيلة، في حديث لـ «الشرق الأوسط»، مذكرا بقول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن).. حيث جعل الله سبحانه وتعالى غض البصر وحفظ الفرج أقوى تزكية للنفوس، وزكاة النفوس تتضمن جميع الشرور من الفواحش والظلم والشرك والكذب وغير ذلك، فالواجب على من وقع بصره على ما يستحسن فوجد لذة تلك في قلبه، أن يصرف بصره، فمتى ما تثبت في تلك النظرة أو عاود وقع في اللوم شرعا وعقلا. فالزواج هو الطريق الفطري الذي تستفرغ فيه الكوامن الجنسية في النفس البشرية، علاوة على الهدف السامي الذي ينتج عن ذلك التلاقي الشرعي بين الزوجين من ذرية تستكمل دورها في عمارة الأرض.

واضاف، أما الزوجان المعاكسان فيجلبان على نفسيهما عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة»، مرجعا أسباب ذلك إلى «ضعف الوازع الديني وهو من أعظم الأسباب الجالبة لكل شر، والجهل بأضرار المعاكسات، وكم من مصون الستر سبل القناع مسدول الغطاء قد كشف الحب ستره وأباح حريمه وأهمل حماه.

ولا يستبعد المستشار الشرعي وجود الفراغ الذي عده من أعظم الأسباب الحاملة على المعاكسات، ولا أنسى هنا وسائل الإعلام، سواء أكانت مسموعة أو مقروءة أو مرئية، فلها قدر كبير على الإقناع وصياغة الأفكار ولها تأثير في النفس، بالإضافة الى التقليد الأعمى والتهتك والتبرج والسفور، والإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة كالجوالات»، ويواصل «إن عدم تفهم الزوجين للحياة الزوجية وعدم إعطاء كل واحد منهما حق الآخر الفطري والشرعي، يعده بعض الاستشاريين الاجتماعيين من الأسباب المهمة في انتشار المعاكسات».

ويؤكد الشيخ منصور على النتائج السلبية للمعاكسات بالنسبة للزوج بقوله «لقد استمعت إلى قضايا كثيرة في هذا الشأن بعضها أدى إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، وبعضها فتح بابا على الآخر يستخدم نفس الأسلوب والطريقة في المعاكسة، بل بعضهم فتح بابا على أبنائه وبناته في هذا المجال، وكما تدين تدان».

وأكد أن أفضل الطرق لترك المعاكسات بالنسبة للزوج أو الزوجة «الإخلاص لله عز وجل وهو من أنفع الأدوية لأي شر، الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وصدق اللجوء إليه والإخلاص له وسؤاله العفو والعافية مع غض البصر لأنه يورث الراحة والطمأنينة والاقتناع بما قسمه الله للعبد، والاشتغال بما ينفع بعلم أو تجارة أو عمل يعود بالنفع عليه»، مشددا على «ضرورة المحافظة على الصلاة، قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).. مع النظر إلى العاقبة وبأن من حفظ الله حفظه الله في ماله وفي ذريته.

كما أن تفهم الزوجين للحياة الزوجية وإعطاء كل واحد منهما حق الآخر الفطري والشرعي ومعالجة ما يطرأ على الحياة الزوجية من خلاف في وجهات النظر بكل تعقل وروية وبعد نظر وعدم تخوين أحدهما، إلا إذا اتضح الأمر جليا، فللزوجة مناصحة زوجها، وللزوج مناصحة زوجته، حتى تنتهي هذه العقبة في حياتهما الزوجية بسلام».