نجار في القطيف يقضي أكثر من نصف قرن يحفر الخشب ويشكل المجسمات

تعرض محله إلى الهدم بعد أيام من لقائه بـ«الشرق الأوسط»

TT

أمضى النجار سعيد آل خضر وهو رجل يقترب من الستين عاماً ويعيش في مدينة القطيف، شرق السعودية أكثر من نصف قرن في صناعة الأبواب والشبابيك والإطارات «الفريم» الخشبية، وكذلك الجرات والسفن.

وكان سعيد في الماضي يعمل ميكانيكياً بالاضافة الى مهنته الأم والتي تعلمها من والده حين كان يبلغ من العمر ثماني سنوات، الا ان خوفه من اندثار هذه الحرفة والتي لا تلقى اليوم رواجا بعد ظهور الوسائل والآلات الحديثة التي تستطيع عمل ما يقوم به الحرفي في وقت قصير، وأقل تكلفة، وبعد انتشار عشرات المحلات التي تديرها عمالة اجنبية، غالباً من آسيا، مما جعل المهنيين أمثال سعيد يشعرون بأن حرفتهم باتت مهددة بالضياع.

لكن النجار سعيد ما زال متشبثاً رغم السنين ـ بحرفته معتبراً أن العمل اليدوي وان استغرق وقتا طويلا الا انه يتفوق في روعته وجماله على عمل أدق الآلات.

يقول العم سعيد إن هذه الآلات باتت تشكل العنصر الاساس في مهنة النجارة وإن حرفيي اليوم لا يستطيعون العمل دونها، في حين كان النجارون السابقون يعتمدون على انفسهم والادوات البسيطة التي يمتلكونها بالمقارنة مع نجاري الوقت الحالي والذين يعتمدون كليا على الآلات والعمالة الوافدة التي يجلبونها الى محلاتهم.

ويعتبر العم سعيد هذه المهنة فنا له قواعده وأصوله والتي يأتي في مقدمتها اختيار نوع الخشب، حيث يقول «ان الخشب الذي أقوم باستخدامه حاليا من النوع العادي الذي يستورد من اليابان والهند لأنه لم يعد هناك من يبحث عن المهارة التي أمتلكها، واما اخشاب الساج فتجلب من الهند ويبلغ سعرها 100ريال للمتر الواحد، أما خشب السويدن والسيدي فتجلب من ألمانيا ويبلغ سعره 50 ريالا للمتر الواحد وفي السابق كان يستخدم خشب النخيل وشجر اللوز حيث كانت تجلب هذه الاخشاب من الدمام».

ويستغرق العمل في صناعة الباب الذي يتكون من طبقتين في الماضي بحسب كلام العم سعيد يوما كاملاً في حين يبلغ ثمنه 50 ريالا أما في الوقت الحالي فيستغرق الباب يومين كأقل تقدير، في حين يبلغ سعره 300 ريال، ويشير العم سعيد إلى أن تضاعف الوقت جاء بسبب تقدمه في السن، موضحاً أن الفرق بين أسعار الماضي والحاضر يعود الى اختلاف سعر التكلفة والتي لم تكن تتجاوز في الماضي الـ 10ريالات، ويتحسر على الماضي بكثير من الألم حين يتحدث عن مهنته التي اختارها ولم تعد اليوم ترضى بحركته البطيئة، كما لم يعد هناك زبائن شغوفون بفنه في الحفر على الخشب وجودته في التصميم وحرفيته في العمل.

ويتحدث العم سعيد عن انشغاله في الماضي، أيام الشباب بإصلاح السفن، حيث كان العمل في هذا المجال يتطلب حرفية كبيرة، مضيفاً، في الوقت الحاضر لا توجد سفن يمكن إصلاحها بسبب استخدام المواد الحديثة في صناعة القوارب والسفن، كما أن العمل أصبح مجرد قتل لوقت الفراغ، وفي محله يقوم بصناعة خزائن الخشب، والطاولات كما يقوم بعمل أشكال خشبية لمجرد الشعور بأنه لا يبقى عاطلاً عن العمل.

ويتمنى العم سعيد أن يقوم بتعليم أحد محبي حرفة النجارة أصول هذه المهنة، ولكنه يضيف متحسرا «إن الشباب الحالي لا يصبر على هذه الاعمال مقارنة بشباب الماضي».

المفاجأة، أن المحل الذي يعمل فيه سعيد آل خضر، قد تمت إزالته ضمن اعمال صيانة للمبنى الذي يشغله، ولتطوير الحارة، وذلك بعد ايام من لقاء «الشرق الأوسط» به، مما دفعه لمواصلة العمل في منزله.