شيخ «إلكتروني» للمساعدة في برامج التحفيظ عبر الإنترنت

وظفته جمعية تحفيظ القرآن الكريم في جدة

TT

قبل أذان العصر بدقائق ينهض واقفا الطفل محمد مصطفى (في الخامسة من عمره) من على الأرض تاركا جهاز البلاي ستيشن الذي كان يلعب به جانبا، وتذكره والدته بموعد صلاة العصر وحلقة تحفيظ القرآن بالمسجد المجاور لبيتهم، يسرع محمد ليخلع قميصه المطبوع عليه شخصية سوبر مان، ويرتدي ثوبه الأبيض مستبدلا حذاءه الرياضي بصندل محلي، ويذهب إلى المسجد مسرعا حاملا في يده اليمنى مصحفه بينما يده الأخرى تعد الحلويات الملونة في جيبه، والعرق يتصبب من على جبهته والغترة البيضاء آيلة للسقوط لعدم ارتدائه للعقال.

في كل مرة، كما تقول والدته المعلمة نهاد أمين: «يتأخر صغيري عن الحلقة وأحيانا يبكي لأنه لا يفضل الذهاب الروتيني إلى المسجد والانضمام إلى حلقة التحفيظ في هذا الوقت الذي يفضل أن يقضيه باللعب»، وبسؤالها هل يريد ابنك أن يحفظ القرآن؟، أجابت «اسأليه، إنه سعيد، وقد ألحقته بالحلقة حتى يتعلم الحفظ ويساعده على تقوية لسانه بأن يكون فصيح الكلام، كما أنني لا أريد أن يتعبني في مذاكرته عند التحاقه بالمدرسة، ولن اجبره على مواصلة حفظ القرآن كاملا».

وبعد ساعة، كانت هذه المرة الأولى التي يعود فيها طفل الخامسة إلى البيت بعد صلاة العصر مباشرة، والسبب كما قال «اعتذر الشيخ عن الحضور لأنه مريض»، ويضيف متابعا حديثه بينما يصعد سلم البيت: «أمي، قد استبدلوا شيخنا بشيخ إلكتروني، هذا ما سمعته من الأولاد».

وعندما تحققت والدته نهاد، وجدت أن جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة أدخلت الشيخ الإلكتروني عن طريق موقعها على الإنترنت، بحيث ومن خلاله يتمكن الطالب الجالس في البيت أمام جهاز الكومبيوتر أن يحفظ القرآن الكريم في أي وقت بدل الذهاب إلى حلقات التحفيظ في المسجد، وتعلق هنا «صغيري صار يلعب بلعبته حتى يمل منها ثم وبإرادته يفتح الكومبيوتر ويطلب مني أو من والده الدخول إلى موقع الجمعية الإلكتروني من اجل تسميع ما حفظه».

ويبدو أن عدد المساجد في جدة والبالغة 1300 مسجد، عجزت الجمعية في تلبية متطلباتها لتحفيظ القرآن، وهذا ما يؤكده المهندس عبد العزيز حنفي، رئيس جمعية تحفيظ القرآن في جدة، بقوله: «عدد المساجد في جدة يبلغ 1300 مسجد، وحلقات التحفيظ موجودة فقط في 600 مسجد، وعدد طلابها وطالباتها 40 ألفا، أي تمثل 7% من طلاب مدارس جدة، والعدد قليل بسبب عدم إمكانية استيعاب أعداد أكثر للإمكانيات الضعيفة، لذلك اقترحنا بفكرة تعليم القرآن الكريم لمن لا يتيسر له الحضور والمواظبة في برنامج معهد الإمام الشاطبي، وذلك من خلال البث المباشر عبر الإنترنت، الذي يستمر لمدة 8 ساعات»، ويضيف: «قريبا سنتعاون مع ثلاثة شيوخ حتى يكون البث لمدة 24 ساعة».والبرنامج الإلكتروني على الإنترنت منقسم إلى أقسام، هناك برنامج تصحيح التلاوة وفيه ينصت الشيخ الجالس في استديو الجمعية الى تلاوات المتصلين عبر الشبكة ثم يصحح الشيخ التلاوات، ومن ثم يعاود الاستماع الى الطالب مرة أخرى حتى يتمكن من التلاوة على الوجه الصحيح، أما برنامج دروس التجويد، وفيه يشرح الشيخ عددا من متون التجويد المشهورة كتحفة الأطفال ومتن الجزرية، إضافة إلى تعليم تلاوة سورة الفاتحة، والكهف.وقد بلغ عدد المستفيدين من هذا البث المباشر عبر الإنترنت أكثر من 500 دارس، وعدد الدول المشاركة اكثر من 37 دولة من أنحاء العالم، إذن، هل سيسحب الإنترنت البساط من تحت شيوخ تحفيظ القرآن؟.

يجيب حنفي قائلا: «اعترض الكثير من الشيوخ على طريقتنا الحديثة، ووجدوا أن الإنترنت منافس قوي وسيربح بالتأكيد، هؤلاء سيبقون في جهلهم بتطورات العصر ولن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام، وسيظلون بأدواتهم البدائية».

ولا يرى حنفي خطورة من استعمال الكومبيوتر المحمول في إلقاء خطبة الجمعة، ولا يراه أمرا مبتدعا ويقول لافتا بأن الميكرفون والسماعات لم تكن موجودة في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وإذا فضل الطفل محمد وغيره من طلاب وطالبات حلقات التحفيظ حفظ القرآن إلكترونيا، فإنه في المقابل هناك من لا يفضل هذا النوع من وسائط التعليم، لأنه من أنصار (الكلاسيكية) ـ وفقا لمحمد ـ في كل شيء، كحال معاذ عبد الغفور (15 عاما)، الحافظ لـ 15 جزءا من القرآن الكريم، يقول: «اعتدت على شيخي الذي يجلس أمامي ويسمّع لي ما حفظته»، لكن لا يمانع أن يجرب الشيوخ المقرئين عن طريق الإنترنت حينما يحتاج إلى ذلك.

أما الصبي الأفغاني عبد الودود (13 عاما)، الذي لم يجد مدرسة تضمه إلى صفوفها ليتعلم، فإنه يواظب على حضور حلقات التحفيظ بأحد المساجد في جدة برفقة أبناء عمه، يعلق حول موضوع المقرئ الإلكتروني قائلا: «لا أعرف ماذا تقصدين؟، لكني أحب أستاذي ولا أتخيل أنني أقرأ لشيخ في التلفزيون».

وقد وجد صانعو الألعاب طريقة ربحية عالية، بصناعة ألعاب على شكل كومبيوتر محمول تعلم الصغار بعض الأذكار اليومية، والمعوذات، وسورة الفاتحة بصوت مقرئين معروفين، لكن يبقى سؤال: هل عرف هؤلاء المصنعون الصينيون عن القراءات السبع، أم أنهم يبرمجون تلك الألعاب بقراءة واحدة موجهة إلى الوطن العربي والإسلامي، بالرغم من اختلاف قراءاتهم؟.