شارع الثميري.. «عليا» الزمن الجميل.. وطريق الذهب والغزل

«ضاع وسط الزحام».. رغم تطويره

TT

وقف في بداية الشارع، ووضع يداً على خصره، والأخرى أظل بها فوق عينيه، ليحميهما من شمس أغسطس (آب)، وخلفه ساعة كبيرة تعتلي عموداً من الخرسانة، يشبه «المسلة« المصرية الشهيرة، ونظر إلى الأفق القريب، وقال «ليس هذا شارع الثميري، الذي مشيت فيه أواخر 1979، كان آخره لا يرى من ازدحام المتسوقين، لأنه مثل في ذلك الوقت، الشارع التجاري الوحيد في العاصمة السعودية، ما أراه اليوم، شارعا صغيرا ضاع وسط التمدد العمراني الرهيب».. وأضاف محمد الخيراتي، الذي أمضى قرابة 30 عاماً في التعليم، أن «الثميري» القديم كان مركزاً تجارياً ذا قيمة تسوقية لا يتخيلها الجيل الحالي، تعرض فيه أنواع مختلفة من البضائع، الحديث منها والقديم، وكانت الفتيات يخرجن من بيوتهن إلى «الثميري» بحثاً عن الجديد في المحلات التجارية، من ملابس ومشغولات ذهبية وعطور، وكان الشباب يتجهون إلى الشارع، طلباً للجديد في موضات الملابس والأشمغة والأحذية والعطور، ولرؤية «البنات« أيضاً، فـ «الثميري» كان ملتقى للعشاق من الجنسين، حيث كان الغَزَل بين الشباب والفتيات مقتصراً في الشارع، على حد قوله.

وكان «جون فليبي»، مستشرق بريطاني شهير أسلم وغيّر اسمه الأول إلى «عبد الله»، وثق شارع «الثميري» قبل تسميته بهذا الاسم، حيث وصف في إحدى مذكراته وسط الرياض القديمة: «..تنظيم الشوارع الداخلية ليس فيه تناظر، عدا الالتقاء الطبيعي، الذي ذكرناه، لكل طرق المواصلات في الساحة المركزية، والشارع الرئيس (الثميري حالياً)، هو الذي يوصل في خط مستقيم ما بين باب الثميري وبين القصر، ومن هنا يمر بالسوق إلى باب البديعة ويتفرع منه شارع في الزاوية اليمنى لطرف السوق الغربي، يؤدي إلى باب الظهيرة». ويذكر في مكان آخر من كتابه عن «تاريخ نجد»: «.. قياس طول الشارع الرئيس (يقصد شارع الثميري في الوقت الحاضر)، بأنه 300 خطوة للجمل من باب الثميري إلى القصر، وقاس شارع الثميري في 1931 وبلغ 350 خطوة من الباب إلى ساحة القصر».

وقامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بمشروع كبير لتطوير منطقة قصر الحكم، التي يقع بها شارع «الثميري»، بهدف إعادة الحيوية والنشاط لوسط العاصمة، ليستمر في أداء دوره كمركز سياسي وإداري وتجاري رئيسي لها، وجرى ضمن أعمال هذه المرحلة إعادة بناء بوابتي «دخنة« و«الثميري» و«برج الديرة»، إضافة إلى أجزاء من السور القديم، وقد أعيد بناء بوابة «دخنة« في موقعها السابق في نهاية شارع الإمام محمد بن عبد الوهاب عند التقائه مع شارع طارق بن زياد كما أعيد بناء البرج المجاور لهذه البوابة، كذلك جزء من السور، إلى جانب تصميم مجمع «سويقة» التجاري على هيئة الأسواق الشعبية، حيث يتوسطه عدة أفنية، وتتخلله ممرات مغطاة بخيام ومشربيات، ويضم هذا المجمع الذي طوره أحد المستثمرين 260 محلا في الطرف الشرقي لهذا المجمع، ولقد أعيد بناء جزء من سور المدينة القديم، كما جرى توضيح مساره على الشارع؛ بأحجار بألوان مختلفة عن لون الإسفلت في الأجزاء التي تعذرت فيها إعادة بنائها، ويقع إلى الغرب من مجمع «سويقة» ساحة عامة، تحيط بحصن المصمك التاريخي، الذي أقيم عند مطلع القرن الرابع عشر الهجري.

من جهته، يذكر اليمني عبد الله فارع، يعمل بائعاً في أحد محلات الملابس الجاهزة في «الثميري»، أنه موجود في الشارع منذ 1981، وشاهد على التغيرات التي طرأت على تفاصيل «الثميري»، خاصة النقلة النوعية التي حدثت في الشارع بعد أزمة «الكويت»، مضيفاً «تغير الثميري كثيراً بعد 1990، فتم رصف الشارع، وإعادة بناء بعض المحلات التجارية، لكن هذا لم يغر الزبائن بارتياد الشارع، بسبب وجوده في وسط المدينة، ولعدم وجود مواقف كافية، ولضيق الشارع مقارنة بالشوارع الحديثة في الرياض»، وأكد فارع أن نشاط «الثميري» الحالي، هو البيع بالجملة، إلى جانب بيع وشراء الذهب، وهو نشاط الشارع الرئيس منذ إنشائه.

ويعود إطلاق اسم «الثميري» على الشارع، إلى بوابة «الثميري»، التي تقع جهة الشرق، وسميت بذلك الاسم نسبة إلى رجل من أهل حريملاء اسمه الثميري، أما بوابة «الثميري» الشرقية، فلم تكتسب الأهمية إلا في القسم الثاني من حياة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، حيث أصبحت البوابة الرئيسة للعاصمة، وأصبحت بوابة «الثميري» مدخلا خلال موسم الأعطيات، عندما تزدحم الأماكن خارج الرياض، سواء في البطحاء أو في جهات أخرى، ببيوت الشعر وخيام رجال القبائل، الذين يقدمون من كل مكان، ويدخلون الرياض من تلك البوابة، ويتجولون في ساحات قصر الحكم، مقر الملك عبد العزيز، رحمه الله، وقصر المضيف، حيث تمتلئ الرياض بحشود هائلة تقدر بالمئات آنذاك.

وافتتحت جريدة «البلاد« السعودية في 1960، مكتباً لها في شارع الثميري، وقد افتتحه الأمير فواز بن عبد العزيز، الذي تولى إمارة الرياض لمدة عام في تلك الفترة، وأقيم حفل بمناسبة الافتتاح في فندق زهرة الشرق، وكان يوسف دمنهوري مديراً لذلك الفرع.

وذكر الأمير فهد الفيصل الفرحان آل سعود، أول رئيس لبلدية الرياض، في حديث لـ «دارة الملك عبد العزيز»، ضمن مشروع توثيق تاريخ السعودية: «قد كانت الرياض قرية متراصة، بيوتها من الطين، حتى بدأنا بشق الشوارع وسفلتتها وتجميلها، وكان أول شارع بدأنا العمل به هو شارع الثميري، بدأنا به من وسط القصر، الذي كانوا يسمونه المصابيح (المصاريع)، كانت هناك أبواب يسمونها المصاريع بين القصرين، افتتحتها فوصلت ذلك القصر بالقصر الآخر، وفتحنا الشارع من دخنة».

ونظراً لضيق شارع «الثميري»، اليوم، عن استيعاب الحركة المرورية وكثافة المتسوقين، لا سيما في سوق الذهب، تم تشغيل كاميرات مراقبة وأجهزة إنذار وكشافات خارجية، بعد أن قررت إدارة السوق وجميع تجار الذهب، للحفاظ على الممتلكات الخاصة بالتجار، من خلال الكشف والتصوير الملون على مداخل السوق والممرات، خاصة عندما تكون المحلات مغلقة، خاصة أن محتوياتها تقدر بملايين الريالات.

اليوم، يعد شارع «الثميري» شريطاً تجارياً صغيراً، تخبئه المباني التجارية والسكنية العالية، وتقزمه الطرق والشوارع الواسعة والطويلة، وتقلل من مكانته التجارية المراكز والأسواق المنتشرة في العاصمة السعودية، ومع ذلك، هناك متسوقون وزبائن ما زالوا يرتادونه، ويشترون منه حاجياتهم، لا سيما القاطنين بالقرب منه، غير أن هناك بعض زوار مدينة الرياض، يزورون «الثميري» لبعث الحياة في بعض ذاكرتهم، التي وثقت يوميات الشارع، قبل تحديثه في أواخر القرن الماضي، من قبل هيئة تطوير الرياض.