زائرون يسلمون على «حمزة بن عبد المطلب» بالآيسكريم والكولا

اتفقوا على تتبع خطى النبوة واختلفوا في طريقة إلقاء السلام

TT

«السلام عليكم أصحاب رسول الله.. السلام عليكم أصحاب دار قوم مؤمنين..» لم تكن هذه الكلمات مجرد تحية أطلقتها أفواه الزائرين لمنطقة شهدت تربتها خطوات أقدام النبوة والصحابة، في منطقة تتوسط ما بين جبل الرماة الذي بدا ضئيلا في حجمه بعد ضخامة شهدها التاريخ له، وبين جبل أحد، حيث البقعة التي تقع بها مقبرة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وأصحابه من شهداء المعركة المشهورة بأحد، التي وقعت في ذات المكان.

وعلى اختلاف اللغات ما بين العربية والإنجليزية والفارسية وغيرها مما كتب على لوحات تنبيهية خضراء خطتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لإرشاد زوار المقبرة إلى كيفية عمل الزيارة الشرعية الصحيحة، كان اختلاف الزوار أنفسهم الذين تتابعت أقدامهم صباح مساء للزيارة دون توقف تتبع خطواتهم خطى الرسول وصحابته، دون تكليف أعينهم عناء قراءة تلك الكلمات كما هو حال سامر عبد الرحيم الذي أحضر كتابا معه من موطنه يقول عنه «ألتزم بما ورد في الكتاب من توجيهات» وعلى عكسه كان مصطفى عبد المتولي الذي أشار إلى استفادته منها.

وفيما كانت تحايا فرحة تنجلي عنها الأعين الجائلة بمهيبة داخل المقبرة وهي تلقي ببصرها على حمزة وأصحابه، كان هناك آخرون أمام المقبرة مباشرة يسلمون على حمزة ومن معه من الشهداء؛ وفي أيديهم كرات الآيسكريم مع البسكويت يستمتعون بطعم الشوكولاته والفانيليا كحال سميرة وزوجها اللذين أزعجتهما حرارة الجو، لترطبه ببرودة الثلج كما قالت.

بينما اكتفى غيرهما بشرب الكولا الباردة مع حبات من الفشار؛ وهو يقف أمام المقبرة صامتا يتأمل تلك التربة المتساوية لا يفصل بينه وبينها سوى شبك قديم مهترئ، لا يزيد قدمه عن جدار السور الذي بدا مظهره سيئا بخربشات مراهقين أو زوار أرادوا تسجيل ذكرى أول زيارة لهم لهذه البقعة التي تتنسم رائحة الصحابة العطرة، كما ظنت ذلك ميسون عبد الصمد التي قالت «هذه زيارتي الأولى، وقد وددت أن أجد المكان مخضرا، وسور المقبرة ليس بهذه الحالة القديمة».

وزاد استياء ميسون الباعة المتجولون المكتظون بجوار جدار المقبرة وبوابتها بشكل عشوائي أزعج الزوار أنفسهم، فضلا على ما قالته إن «المقبرة لها احترامها مهما كان أصحابها، فما بالنا بالصحابة الكرام» جاءت كلماتها في الوقت الذي يذكر فيه أحد الباعة سبب بيعه الرطب والنعناع على عربته الخشبية في هذه البقعة القريبة منها، ليقول «نحن نتبع رزقنا أينما كان، وهذه البقعة مباركة من الله، فزوارها لا يتوقفون عن الزيارة تيمنا بسنة رسول لله» ويسكت برهة ليقول «الرزق هو الذي يحكمنا أولا وأخيرا».

والموقع الذي زارته «الشرق الأوسط» كان يكتظ بعربات الرطب والنعناع والعصائر الخشبية، بينما كان عدد من السيارات المخصصة لبيع الآيسكريم والكولا والفشار، والمشروبات الساخنة كالشاي تقف بشكل شبه ملاصق لجدار المقبرة القديم لتكون في متناول الزوار، وهذا لم يمنع الأطفال بالتجوال بقوارير الماء والعصائر لبيعها، متطوعين بإرشادهم إلى معالم المكان التاريخية محاولين اتخاذ ذلك أسلوبا راقياً للشحاذة.

كل ذلك كان في ظل وجود عدد قليل من طلبة العلم، والذي اتخذ كل منهم موقعا لدرس وعظي يلقيه بجوار المقبرة، مستخدمين في ذلك مكبرات الصوت العالية، التي كان لها أثر في التفاف مجموعة من القادمين من المدن السعودية حوله للاستماع لحديثه ونصائحه الوعظية.

الدكتور عاصم حمدان، المؤرخ والأديب وأحد أبناء المدينة المنورة، علق على ما يدور حول مقبرة شهداء أحد قائلا «من حق الموتى احترام حرمتهم وهذا ما حرص عليه الإسلام، ولكن مقبرة شهداء أحد تعاني الإهمال ولم يتم تجديد بنائها منذ فترة، والعشوائية التي تتمثل في وجود باعة متجولين زادت الأمر سوءاً، وأعتقد أن الإهمال الذي أصابها هو نتيجة تخوف البعض من تبرك الناس بها، ظنا منهم أنه من الممكن أن يؤدي اهتمامهم بها إلى تبرك الناس وتقديسها، وهو ما لا يمكن أن يحصل في وقتنا الحاضر».

من جانبه قال الشيخ الدكتور عقيل العقيل أستاذ في قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الإمام الإسلامية بالرياض «للموتى احترامهم كما للأحياء ذلك، والمقابر بشكل خاص مكان للاعتبار وأخذ العظة، وليست للتنزه والتسلية».

وحول جواز استخدام مكبرات الصوت بالقرب من المقابر وإلقاء الدروس من طلبة العلم أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول «لا ينبغي استخدام مكبرات الصوت بجوار المقابر لإلقاء الدروس والمحاضرات أيا كانت، فذلك لا ينبغي احتراما للمكان والموتى المدفونين فيه، ونحن نعلم أن بعض العاملين في الهيئة للأسف ليسوا على علم شرعي كامل وغير مؤهلين للقيام بهذه المهمة».

وتابع «ولكن يصح استخدام المكبرات الصوتية في حال استخدمت لفك الزحام وتوجيه الناس في المكان» وإذا ما كان الصوت العالي يسبب إزعاجا للموتى قال «لا يشعرون هم بذلك الإزعاج لأنهم في حياة البرزخ، ولكن ذلك من باب احترامهم كحال احترام الأحياء». هذا وقد حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال أكثر من مرة بمركز هيئة الشهداء التابع لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للتعليق على ذلك، إلا أن كافة التحويلات التي تم الاتصال عليها لا تجيب.

من جانبه أكد لـ«الشرق الأوسط» المهندس علي العلاوي أحد المسؤولين في صحة البيئة بأمانة المدينة المنورة والجهة المسؤولة عن المقابر بها أن «هؤلاء الباعة المتجولين والعربات على اختلافها غير مصرح لهم بمزاولة البيع بهذه المنطقة وهم يعتبرون مخالفين للنظام».

وعن دور الأمانة في غض بصرها عن هؤلاء الباعة يقول العلاوي «نحاول قدر المستطاع عدم تمكين هؤلاء من مزاولة البيع والتجمع أمام المقبرة، خلال الرقابة الدائمة ولكن ربما هم ينتهزون فرصة تبادل المراقبين للمكان».

وحول وجود هؤلاء بشكل مستمر في الموقع وأنه لا يتوقف ذلك على الفترة التي يتم تبادل المراقبين أدوارهم علق على ذلك قائلا «للأسف الفترة المسائية المراقبون عددهم قليل، لأنها ليست فترة الدوام الرسمية، وربما هذا هو السبب ولكن سنحاول حل هذه المشكلة».

وأكد العلاوي صحة ما وجدته «الشرق الأوسط» من إهمال لجدار المقبرة وعدم تجديد طلائه لإخفاء خربشات المراهقين، وقال «الأمانة الآن بصدد عمل مشروع لتنمية وتجديد هذه المنطقة التي ستحظى فيه المقبرة بالاهتمام، حيث سيتم تجديد بناء جدارها بالإضافة إلى تجديد بناء مسجد أحد وكافة المنطقة محاولين الحفاظ على معالمها التاريخية كما هي». وأوضح أن هذا المشروع من الممكن أن يتم تنفيذه خلال سنتين أو أكثر.