كتيب جديد عن «قواعد اللياقة والمجاملة في العمل الديبلوماسي»

د. جمعة: الوزير الفرعوني «بتاح حوتب» أول مدون لـ«الإتيكيت»

TT

جمع الدكتور أحمد محمود جمعة خلاصة تجربته الديبلوماسية، التي امتدت لأربعين عاماً في السلك الديبلوماسي المصري، حيث تدرج خلالها من مرتبة ملحق حتى سفير، متنقلاً بين العديد من الإدارات في الداخل والبعثات في الخارج، كان آخرها سفيرا وعميدا للسلك الديبلوماسي، بعد أن نال درجتي الليسانس والماجستير من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات الديبلوماسية والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد في بريطانيا، ونشرت له عدة مؤلفات، آخرها كتاب «قواعد اللياقة والمجاملة في العمل الديبلوماسي»، الصادر عن معهد الدراسات الديبلوماسية في العاصمة السعودية، ونشر بواسطة إدارة النشر المتخصص في «الشركة السعودية للأبحاث والنشر».

وأرجع الدكتور أحمد جمعة، المستشار بمعهد الدراسات الديبلوماسية في السعودية، جذور الممارسة الديبلوماسية الرسمية، من حيث استقبال الرسل وإيفادهم ومراتبهم وأسبقياتهم وحصانتهم، إلى الحضارات القديمة في مصر وبابل وآشور والصين وأثينا وروما، ثم ظهر الإسلام فطور الأعراف القائمة، وحرصت هذه الحضارات على تطوير قواعد ملازمة للسلوك الراقي في التعامل، يمكن تتبع أقدمها، فيما سجله التاريخ القديم، من مدونة السلوك التي أصدرها «بتاح حوتب» الوزير الأول في عهد الفرعون «ديكار أيزيزي» من الأسرة الخامسة في عهد المملكة الفرعونية القديمة، ما بين عامي 2414 و2375 قبل الميلاد، فيما سجل «كونفوشيوس»، فيلسوف الصين، مقولات شهيرة حول آداب السلوك، وطور الإغريق والرومان مدونات للسلوك الراقي داخل مجتمع النبلاء.

وأوضح الدكتور جمعة أن مجموعة قواعد المراسم تمثل أساس المراسم الديبلوماسية الرسمية، المستندة إلى الإطار القانوني الذي فصلته اتفاقية «فيينا» للعلاقات الديبلوماسية المبرمة في 18 ابريل «نيسان« 1961، والأعراف القانونية الدولية المكملة، وقواعد المعاملة بالمثل، والاتفاقات بين الدول، واللوائح والتشريعات المحلية، ولم تحدد هذه الإطارات نمطا معينا لآداب السلوك، فيما أصبح يعرف إجمالا بقواعد اللياقة والمجاملة، التي لا تزال تخضع ـ بصورة تكاد تكون تامة ـ للعرف المتواتر، الأمر الذي يسمح بقدر من المرونة حسب ظروف التطور، وتأثير الثقافات المحلية، واقترنت الديبلوماسية، منذ نشأتها، بأشكال عامة لآداب التعامل في أروقة السلطة، وبلاط الملوك والنبلاء، وداخل المجتمع الديبلوماسي.

وأشار الدكتور جمعة إلى أن الإسلام كرس آداب التعامل بين البشر، بدءا بالتحية والسلام وأصولهما، وآداب الزيارة والاستئذان وآداب المائدة وآداب الضيافة، وحتى آداب التعامل والمعاشرة، ثم ارتبط تطور آداب اللياقة والمجاملة بأشكالها الغربية الحديثة، بتطور مناحي التقدم في أوروبا في عصر النهضة، اعتبارا من القرن السادس عشر الميلادي، واكتسبت ممارستها طابعا مستقرا في بلاط الملوك، والأمراء، تحول إلى نهج متكامل له قواعده وأصوله، ودون الكاتب والديبلوماسي الإيطالي «بلداسار كاستجليوني» بعض هذه الآداب في 1528 ضمن مؤلفه Cortegiano / The Courtier، الذي ظل من أهم المراجع في آداب اللياقة في البلاط لعقود، وكان للإيطاليين فضل السبق في وضع أصول الممارسة الديبلوماسية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ووضع الفرنسيون في القرنين التاليين، الأنموذج الذي حاكته جميع الدول الأوروبية، وأصبحت الفرنسية لغة التعامل الديبلوماسي، فقد تأصلت مفاهيم اللياقة والمجاملة في عهد لويس الرابع عشر، وتحت تأثير «الكاردينال ريشيليو» رائد الديبلوماسية الفرنسية منذ 1616، وخليفتيه «مازاران» و«فرانسوا دي كاليير»، وأهتموا جميعهم بشكلية الممارسة، من حيث قواعد الأسبقية ونمط الملابس وترتيب الموائد، قدر اهتمامهم بحرفية العمل الديبلوماسي وفنون التفاوض المتصلة، وانتقل الاهتمام بآداب اللياقة والمجاملة مع المهاجرين إلى القارة الأميركية.

وأضاف الدكتور جمعه أن القرن العشرين شهد تحسينات في مجال الممارسة، بفعل التطورات المتلاحقة في مجالات العلوم والتقنية وثورة الاتصالات والإعلام، ومن المفارقات الغريبة أن تزأمنت هذه التطورات مع اهتمام مصحوب بمراعاة قواعد اللياقة والمجاملة، التي كانت سمة مميزة للديبلوماسية في عصور خلت، وتعددت في الولايات المتحدة معاهد التدريب على فنون «الإتيكيت»، التي أصبحت ضمن مقررات الدراسة في المدارس الراقية، وقننت مراسم خاصة لجميع المناسبات الاجتماعية، وظهرت مؤلفات انتشرت انتشارا واسعا، من أشهرها كتاب «إملي بوست» بعنوان «الإتيكيت» الذي صدر في 1922، وطبعت منه في العقود التالية أكثر من 100 طبعة، واشتهرت لها مقولة ان «الإتيكيت هو علم الحياة الذي يحتضن كل شيء، وهو الأخلاق والشرف».

وتقوم زوجة الديبلوماسي بدور كبير ومهم في الحياة الاجتماعية، وقد تزايدت أهمية هذا الدور بفعل التطورات التي شهدتها الديبلوماسية خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد انخرطت في هذه المهنة أعداد كبيرة من السيدات، وصل العديد منهن في دول كثيرة عربية وإسلامية وغربية إلى مرتبة سفير، وبلغ بعضهن مرتبة وزير، ويعني ذلك أن هذه المهن لم تعد مقصورة على الرجال، مع دور مساعد للمرأة بصفتها زوجة في ترتيب الحفلات والزيارات، ومختلف الأنشطة الاجتماعية· وقد أزال هذا التطور بعض الحرج الذي كانت تحس به الزوجات في مباشرة أنشطة اجتماعية، وثقافية مساندة للزوج، حيث لا تخلو غالبية السفارات من عناصر نسائية عاملة في السلك الديبلوماسي، الأمر الذي يوفر قنوات اتصال، وتعاون وتنسيق مع قرينات الأعضاء.

وأكد الدكتور جمعة أن قرينة الديبلوماسي ـ زوجته ـ تتحمل في الخارج مسؤوليات عديدة، لعل أولاها توفير جو أسري هادئ، مع حسن رعاية الزوج والأولاد، إلى جانب العناية بترتيب منزلها، ليعكس ذوقا راقيا يحمل بعض ملامح الوطن الأم، والحرص على أداء واجب المجاملة، بزيارة تعارف عقب وصولها، والالتزام بالآداب الإسلامية في المظهر والمخبر، مع الحرص على أناقة الملبس دون تكلف، وطيب الكلام دون رياء، وتجنب مجالس الغيبة والنميمة واللغو، والانفتاح على سيدات جاليات بلدها المقيمات في دولة الضيافة بالتزاور والتلاحم والمجاملة، وعلى المجتمع المحلي، في حدود الضوابط الشرعية، بارتياد مجالس العلم والثقافة، وبتخير صداقات طيبة، وينبغي لقرينة الديبلوماسي معرفة أن عدم حضورها حفلات مختلطة مع زوجها، يتيح لها الفرصة لإقامة حفلات عشاء واستقبال، تدعو إليها قرينات من تشاء من أعضاء السفارة والبعثات الأخرى والمجتمع المحلي.