بوصلة الشهية تترك المطاعم «الفخمة» وتتجه لـمحلات «الكبدة» في جدة

تشكل حالة خاصة في الثقافة الشعبية الرمضانية

TT

تذهب للمنطقة التاريخية في وسط البلد بمدينة جدة، لتجد نفسك في عالم من الملوك· ملك «الكبدة» و«ملك المانجا» وملك «المنتو» وملوك لأكلات وعصائر أخرى، مكتوبة أسماؤهم على لوحات قماشية، ويبسطون طاولاتهم في أماكن تخصصها الجهات البلدية في المدينة كصورة احتفالية تعبر عن ثقافة المدينة في شهر رمضان.

ويشدك في عالم الملوك هذا أن رواده معظمهم من البسطاء الذين اعتادوا التسوق من الأماكن الشعبية هم وعائلاتهم. كما تجد أن بعض الرواد هم من جنسيات أخرى جاءت لتذوق الأكلات الشعبية السعودية وعلى رأسها (الكبدة) و(التقاطيع) حيث تلاقي رواجا كبيرا قياسا بأصناف أخرى لم تصمد مع مرور الزمن.

ويقول أبو أحمد وهو صاحب أحد المحال لمفتوحة المؤقتة لشهر رمضان، ان حرصه على استئجار موقع موسمي يعود لحبه لإحياء التراث الشعبي واستغلال أن منطقة البلد يزورها أناس من معظم جنسيات العالم.

ويضيف أبو أحمد، بينما يلقي نظرة على هندامه الحجازي الأنيق، أن عددا من أبنائه يقوم على معاونته في إحياء هذه الثقافة الشعبية رغم التزامهم في الصباح بأعمال وظيفية حكومية وأهلية، مؤكدا أن العائد المادي المجزي ليس هو السبب الأساسي في العمل ليلا ولمدة تصل الى 6 ساعات. 20 عاما وأنا أعشق هذا الجو الرمضاني· لقد أصبح شيئا من طقوسي الحياتية.

وفي الوقت الذي كانت أمانة جدة قد أعلنت عن شروط صحية قياسية تطبقها على مثل هذه المحال حرصا على صحة روادها من الرجال والنساء، فإن الجانب الصحي لا يبدو ذا أهمية عند كثيرين ممن يكسرون عادة الحرص ليستمتعوا بوجبة في الهواء الطلق تشاركهم فيها أحيانا القطط التي لا يمكن السيطرة على وجودها في نفس المكان. يقول عبد الله بابكير، وهو أحد رواد تلك المطاعم الموسمية التي تقدم الكبدة الرمضانية «لا يهمني كثيرا سوى نظافة الأكل والطاولات طالما أن الطهي على (الصاج).. أخاف فقط من بعض الاصناف التي تتعرض للزيوت لفترات طويلة، كما في عربات البطاطس التي يتجول بها اصحابها في الطرقات».

وتبرز من جهة ثانية ثقافة صوتية أخرى ارتبطت بجو تلك المحال أو ما تسمى شعبيا بـ «البسطات الرمضانية»، حيث يتفنن كل صاحب بسطة في جذب الزبائن، ودعوتهم لتذوق الأكل من محله وسط تنافس كبير يصل في بعض الأحيان لإحراج المارين بعائلاتهم للجلوس، وتخصيص مقاعد خاصة مغطاة بستائر قماشية تماشيا مع العادات الاجتماعية المختلفة لدى الناس.

غير أن هذه المحال هي الأخرى تأثرت بموجة العمالة الوافدة التي اكتسحت كل مفاصل الحياة التجارية في السعودية، إذ بدأ كثير من الأشخاص على استقطاب عمالة أجنبية تساعدهم على مناداة (الزبائن) بلهجة عربية مكسرة، في ظل عجزهم عن إقناع أحد من ذويهم أو اقاربهم للعمل معهم ولو بأجر مجز.

ولعل هذه المحال رغم الطابع التجاري الذي بدا يشكل معالم جديدة لها، لا تزال هي إحدى أميز الصور الجمالية في ربط الناس بثقافتهم الشعبية، وإعادة تجمعات «الحارات» وعقود الأنوار المضاءة، والفوانيس الرمضانية، مما يشكل حالة فريدة يفتقدها الزائر لنفس المكان مع نهاية اليوم الأخير من شهر رمضان.