السعودية: هيئة الرقابة ترصد أداء موظفي الدولة للحد من الفساد

وسط مطالب بتطبيق قانون «من أين لك هذا؟»

TT

تعالت أصوات في السعودية تطالب بضرورة تطبيق مبدأ «من أين لك هذا» بحق موظفي الدولة، في خطوة تهدف إلى محاربة الفساد الإداري وتفعيل دور هيئة الرقابة العامة لمعاقبة المخالفين، سواء في أجهزة الدولة أو المؤسسات الحكومية الأخرى كالاتصالات والخطوط السعودية.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» محمد البكر مدير مكتب رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ان لدى الهيئة نظاما خاصا لمراقبة وتأديب الموظفين تقوم من خلاله بإجراء الرقابة اللازمة للكشف عن المخالفات المالية والإدارية داخل جميع الجهات الحكومية دون تمييز، وعلى المؤسسات التي تشرف عليها الحكومة كالخطوط السعودية وشركة الاتصالات، كما يتم فحص الشكاوى التي تحال إليهم من الوزراء المختصين أو من اى جهة رسمية بشأن المخالفات المالية والإدارية ويتم التحقيق فيها وتحويلها بعد ذلك إلى الجهات المختصة لاتخاذ الاجراء اللازم حيالها مع متابعة الدعوى التي تحال طبقا لهذا النظام إلى هيئة التأديب.

وأضاف محمد البكر حول الاجراءات المتخذة بعد انتهاء التحقيق حسب نظام تأديب الموظفين، انه بعد الانتهاء من التحقيق تعرض أوراق التحقيق والتوصية بالتصرف النظامي فيها، وإذا أسفر التحقيق عن وجود جريمة جنائية تحال القضية إلى ديوان المظالم للفصل فيها، وإذا أسفر التحقيق عن وجود شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة من حيث النزاهة والشرف أو حسن السمعة جاز لرئيس الهيئة بعد اخذ رأي الوزير المختص اقتراح فصل الموظف بقرار من مجلس الوزراء.

وفي شأن ذي صلة، طالب اكاديمي سعودي مختص في مجال التنمية الأخلاقية المسؤولين بايجاد جهة عليا تكون من صلب عملها حماية العدالة، على شاكلة الجهات التي استحدثها كثير من الدول الأوروبية، على أن يكون من اختصاصها الجمع بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وأهم أدوارها مراقبة الدوائر الحكومية وحركة العمل، كما تستطيع من خلال سلطتها المخولة لها البحث في المشاكل والتجاوزات الإدارية ومحاسبة المسؤول ومحاربة الفساد الإداري، مواكبة بذلك المستجدات والأنظمة والعقوبات الحكومية التي لم ينفذ أكثرها بشكل ايجابي لتصب في خدمة المواطن والمجتمع، في محاولة منها للقضاء على الاستغلال الادارى الذي استشرى في إدارات كثيرة دون محاسبة من جهة بعينها.

وقال الدكتور ناصر بن إبراهيم التويم أستاذ الإدارة والتنمية الأخلاقية بجامعة الملك سعود ونائب رئيس الجمعية السعودية للإدارة لـ «الشرق الأوسط» ان مصطلح الأخلاق وتعميمه لا يزال من المبادىء التي تعتبر من الفلسفة، لكن لضرورة تعميم هذا المبدأ أعطت الدول الأوروبية أهمية كبرى لهذا العلم وتدريسه في داخل الجامعات وهى مادة تدرس حاليا لطلبة الماجستير في جامعة الملك سعود، وتختص هذه المادة بتدريس الطلبة أخلاقيات المهنة وكيفية التعامل مع الناس بكل شفافية، موضحا ان هناك مبدأ في الأخلاق يسمى بمبدأ «انفخ الصافرة»، ويقوم هذا المبدأ على كشف الأخطاء الظاهرة في الإدارة وتبدأ بالمكاشفة بين الموظف والمدير وفى حالة تمسك المدير برأيه في عدم الاعتراف بالفساد الاداري الموجود داخل ادارته على الموظف تقديم الاستقالة ونشر ما لديه من معلومات أو توصيلها لأهل القرار الذين تقع عليهم مسؤولية اتخاذ اللازم من عقوبات.

وأضاف التويم أن على مجلس الشورى مسؤولية كبيرة كونه الجهة الرقابية والتشريعية في البلد وعليه تقع مسؤولية الموافقة على كثير من الأنظمة ومراقبة تطبيقها منوها بالدور الرقابي الذي يجب أن تقوم به هيئة الرقابة والتحقيق وغيرها من الجهات الرسمية التي لم تفعل كثيرا من أدوارها المعنية بالقضاء على الفساد والتجاوزات غير الأخلاقية على حد قوله، واستشهد بموقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي كان طبق سياسة «من أين لك هذا»، أثناء فترة حكمه واستطاع محاسبة حكامه على الأقاليم من خلال هذا المبدأ، وقال اننا يجب ان نتبع هذه السياسة التي ستكون رادعة لكثير من الأخطاء، ابتداء بالأخطاء الإدارية ووصولا إلى الأخطاء الطبية التي لا تجد من يحاسبها، سوى بعقوبات هزيلة لا ترقى إلى كرامة الإنسان وقيمته التي عظمها الإسلام وحفظ لها حقوقها كاملة، مشيرا إلى أننا يجب أن نستغل حركة الإصلاحات التي تبناها الملك الإنسان عبد الله بن عبد العزيز وطالبنا بمساعدته على إقرارها وتطبيقها في نشر مبدأ الشفافية والإصلاح داخل المجتمع السعودي الذي هو بالدرجة الأولى مجتمع مسلم يستمد تعاليمه من الدين الاسلامي الذي ينهى عن الغش واستغلال النفوذ.

وأشار الدكتور التويم إلى ضرورة نشر أبجديات التعامل الاخلاقي داخل الدوائر الحكومية بين الموظفين والمراجعين حتى لو لم يحصل الموظف على خدمته المطلوبة، لكنه يكون راضيا داخليا على نوع التعامل الذي يحظى به داخل الإدارة التي يرغب في حصول الخدمة منها، لافتا إلى أن ذلك لن يتحقق الا بإلحاق الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور بدورات تدريبية وتوعوية مختصة وتدريبهم على أخلاقيات المهنة قبل تسلمهم العمل.

وتفاءل الدكتور التويم في أن يصل إلى هذا النوع من الشفافية والمصارحة، حيث يوجد لدينا الأساس الديني والأخلاقي ولا وجوب لإيجاد نظام أخلاقي جديد وان يؤكد عليها من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تمثلها الأسرة والمدرسة والمسجد وغيرها ومن بعدها تشيع هذه الأخلاقيات للمجتمع بأكمله.