تحديثات وزارة الثقافة والإعلام.. بين اتهام الدعاة ودفاع المثقفين ونقد الإعلاميين

هجمة «عنكبوتية» تطالها.. وعريضة شعبية تدعمها بالتوقيعات

TT

شهدت الساحة الإعلامية والثقافية في السعودية خلال الأيام القليلة الماضية حراكا فكريا ثقافيا، يجده البعض حادا بين كل من الاتجاه الإسلامي ونظيره الثقافي الإصلاحي في المجتمع، واتخذ كل فريق موقفه، بين مؤيد ورافض لأنشطة وزارة الثقافة والإعلام التحديثية والتطويرية، التي استطاعت أن تحرك المياه الراكدة، بما أجرته من إعادة في بلورة منهجها التطويري وصياغة لخرائط برامجها في كل من قطبيها اللذين ترعاهما، الثقافة والإعلام. هذه التطويرات والتحديثات التي أجرتها الوزارة في جهازيها الثقافي والإعلامي، كانت قد واجهتها هجمة «عنكبوتية» قادتها فئات مختلفة، في محاولة للنيل من القائمين على الوزارة، عبر مواقع إنترنتية مطالبة بإقالتهم، مما استدعى ظهور عريضة شعبية، قبل أيام قليلة، مضادة لها، حيث وقع أصحابها على دعم توجه الوزارة، مبررين ذلك بأن خطواتها تعزيز للتطوير والإصلاح، بما يتناسب مع الانفتاح الإعلامي والثقافي العالمي الذي ينبغي أن تواكبه البلاد.

الكاتب الصحافي والروائي عبده خال، عضو مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة، يجد الهجمة الشرسة، التي تنال من القائمين على وزارة الثقافة والاعلام أمرا متوقعا، ويقول «مسألة المطالبة بإقالة المسؤولين عن الوزارة يأتي عادة من الفئة التي تشعر بخوف من الإنسان الراغب في التحرك للأمام، وطبيعة ثقافتنا للأسف الشديد هي ثقافة جاذبة للخلف، وبالتالي تصبح المناداة بإقالة شخص ما يعمل باتجاه مغاير للتوجه الساكن والراكد، هي مطالبة الخشية بسحب البساط من تحت أقدام الذين يظنون أن حياتهم عليها أن تثبت في مكانها ولن تتغير». ويصف خال الحجج التي يطلقها البعض لمهاجمة القائمين على التغيير بالضعيفة، خاصة في ما يتعلق بالمرأة ويقول: «دخول المرأة في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وخروجها للعمل وظهورها من خلال التلفاز والمؤسسات الثقافية لم تحدث الآن، ولكنها حدث حصل في الماضي، كما أنها رغبة الدولة في المقام الأول، وهي حجة تتخذها هذه الفئة كونه أفسح المجال للمرأة لمشاركتها الفاعلة التي يحتاجها المجتمع».

ويتابع «نحن بحاجة إلى قرار لدعم التطوير إلى الأمام وليس للخلف، وأذكر حكاية إدخال المرأة كعنصر تدير وتعمل في المجالات النسائية، وكيف شكل ذلك حلا للبطالة التي تعانيها المرأة في المجتمع».

وحول إمكانية الاستجابة لمطالب هذه الفئة بحجة أنها الفئة السائدة في المجتمع، يقول خال «ليس ذلك صحيحا أبدا، هم أقلية، ولكنهم بسبب امتلاكهم المنابر التي يبثون من خلالها أراءهم يظهر أنهم الأكثرية، بينما الأغلبية في المجتمع تريد أن تعيش حياة طبيعية، من دون الخروج عن ضوابط الدين والشريعة».

ويجد خال ان الخطابات والتوقيعات التي تلجأ إليها الاتجاهات المتباينة في المجتمع أخيرا للتعبير عن رأيها، أمر حضاري وطبيعي، ويقول «لكن بعض الفئات تحول معارضتها التي تطلقها إلى أوامر وفرض على الآخر، مما يخرج وظيفتها عن قيمتها الحضارية في احترام الآخر، وهنا تكون غير مقبولة».

الإعلامي الدكتور حسين النجار، أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، يجد أن «الشجرة المثمرة ترمى بالحجارة، وأن القائمين على وزارة الثقافة والإعلام أهدافهم نبيلة وعملهم طيب، فمن الطبيعي أن يرموا بهذه الهجمة الشرسة».

ويتابع «لا أعتقد أن هذه الهجمة ستؤثر على مسيرة وسيرة القائمين على الاعلام السعودي، ومن الطبيعي أن أي عمل تطويري جديد يقدم عليه أي شخص؛ لن يتوقع له أنه سيرضي الجميع في المجتمع، أو أن يكون تحت رحمة الشجب والاستنكار من الجميع». الدكتور حسين النجار، الذي كان سابقا مديرا عاما لبرامج الإذاعة السعودية بجدة، يعتبر الوظيفة الوزارية تكليفا وليس تشريفا ويقول «الوزارة لم تبدأ اليوم بهذه التحديثات والتطويرات ولن تنتهي اليوم، ولو استعرضنا تاريخ وزارة الاعلام سنجدها مليئة بالصعود والهبوط».

وعن رأيه في التحديث، الذي تقوم به الوزارة حاليا، في جهازيها الإعلامي والثقافي، يقول النجار «من المعروف أن أي تحديث من هذا النوع، يكون لدى الوزارة قناعة بما تقوم به، لكنها تلتزم بمبدأ إذا ما قامت به ورأته صائبا فهي تدافع عنه، وإذا كان خطأ تعمل على تغييره». ويجد النجار أن عمل المرأة من الأساس يثير دائما الجدل، ويقول «لدينا قضايا عالقة كثيرة في المجتمع، ولكن المجتمع في آخر الأمر هو الذي سيقرر الحسم في هذه القضايا، ومن الذي سيحقق الحلم الذي يراه سليما وفي الوقت وبالطريقة المناسبة، أو أنه سيظل في طي التأرجح لفترة طويلة حتى يأذن بحسمها».

والنجار من خلال خبرته الإعلامية كإعلامي بارز في الإذاعة السعودية وأكاديمي يجد أن ما تقوم به الوزارة من تطويرات وتحديثات في جهازها الإعلامي، خاصة القنوات السعودية، مناسبا للمرحلة الحالية، ويقول «الوزارة لها تطلعات وطموحات، ولكن لا يتوقع أحد أنها لن تصادفها عقبات أو اعتراضات من بعض أطياف المجتمع، وهذه الاعتراضات لا تعني بالضرورة أن ما تقوم به من جهود هي فاشلة أو سيئة، بل عادة تكون ظاهرة صحية تدل على أن هناك عملا حرك الماء الراكد وأثار الجدل»، مشيرا إلى أهمية سماع مختلف الآراء وتطلعاتها في ظل شروط الاحترام ومبادئ التسامح.

الروائي والكاتب علي الدميني، كغيره من المثقفين والإعلاميين، ممن لاحظ مستوى التطوير والخطوات التي وصل إليها جهاز الوزارة كما أوضح، من حيث ارتفاع سقف حرية التعبير والنقد الاجتماعي في الصحف السعودية، بجانب إتاحة الفرصة في فسح المجال امام الكتب الأدبية والثقافية، التي لم يسمح لها لسنوات في معارض الكتب الدولية، التي أقيمت بالوطن، إضافة إلى اتساع الرؤية للحوار من خلال القنوات السعودية، وإفساح المشاركة للمرأة بها، ويقول «أستطيع القول إن وزارة الثقافة والإعلام من أكثر المؤسسات الحكومية وضوحا في اتخاذ نهج محدد ومبرمج وواضح في سياق إصلاح آلية الإعلام والثقافة في المجتمع المحلي، لمحاولة الارتقاء بها، ولمواكبة التغيرات والتحديات التي تلف العالم كله وتجابهنا نحن في الداخل والخارج». ويثمن الدميني هذا التوجه ويقول «ما انتهجته الوزارة من تحديث ما هو إلا قطرة أولى على طريق القطرات التي ستتجمع مستقبلا، وينبغي أن تفضي إلى تأسيس قيم الحرية والمسؤولية، كحرية الإبداع والكتابة، ونحن ما نزال نطالبها بالمزيد».

ويعتبر الدميني ما أسماه بصراع الخطابات الثقافية في المجتمع حول تقويم تجربة الوزارة شيئا طبيعيا، ويقول «لأن مكونات المجتمع الثقافية بأنساقها التراثية والتاريخية والمصلحية والقيمية حتما ستتصارع حول الموقف من أي خطوة جديدة ومختلفة عن الخطوات السابقة التي كان فيها التيار المحافظ هو السائد». ويتابع: «التيار المحافظ يرى أنه قد أصبحت هناك قنوات مشرعة للصوت الآخر الذي يطمح إلى النهوض بالوطن والمجتمع المدني، وأصبح لهذه الأصوات حقها في التعبير ونصيبها كما له ذلك أيضا، وهو شيء لم يعتده سابقا، حيث كان يمتلك وحده حق التعبير في هذه القنوات».

ويتفق الدميني مع عبده خال في الرؤية إلى أن التيار المحافظ هو الأقلية في المجتمع، إلا أن الأسباب التي جعلت منه كذلك تعود كما يقول الى «أنها كانت تمتلك منابر وأدوات تأثير وآليات عمل منظم لسنوات طويلة لم يفسح فيها المجال للأطراف الأخرى بالتعبير عن رأيها».

ولهذا يرى الدميني أنه من الطبيعي أن تأتي بياناتهم وخطاباتهم مليئة بالتوقيعات المؤيدة لأي شخص منهم، عن وعي كان ذلك أو بدونه.

من جهته يرى الدكتور محمد خضر عريف أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك عبد العزيز، أن وزارة الثقافة والإعلام والقائمين عليها لهم جهود واضحة وملموسة خلال السنتين الماضيتين، ويقول «أقدر لهم هذه الجهود، وهم في ذلك مجتهدون، ومعلوم أنه في الإسلام هناك قاعدة لا تختل، بأنه من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». ولهذا يجد عريف أنه لا ينبغي بالضرورة القول إن كل ما تقدم عليه الوزارة من تحديث يمكن أن يسعد به الجميع في كل الأحوال، وقال «في مجال الثقافة بالذات هنالك مشارب وأهواء واتجاهات فكرية متباينة، خاصة في بلادنا، وليس بلدنا بدعا في ذلك، فهذا ينطبق على أي مجتمع من المجتمعات البشرية».

ويتابع «لكن للأسف لدينا مشكلة فكرية في مجتمعنا، تتمثل في أن كل من اعتنق مذهبا فكريا معينا أو كان من تيار ما؛ أراد الجميع أن يخضع لهذا المذهب الفكري وهذا التيار، فلا نتيح الفرصة للطرف للآخر في التعبير عن رؤيته، وهذه إشكالية لا تمكن الثقافة من أن تنمو وتزدهر».

ويجد عريف أن هذا الداء، بحسب وصفه، قد أبتلي به كل أصحاب الاتجاهات الفكرية في بلادنا، سواء كانت المحافظة أو الأخرى.

ويقول عريف «أعتبر نفسي وبعض الأخوة في الساحة الثقافية والمجتمع نمثل الاتجاه الوسطي، فلا نميل إلى التطرف لا إلى أقصى اليمين ولا أقصى اليسار، وهذه الفئة الوسطية بالذات هضم الكثير من حقها، وضاعت بين الاتجاهين المتطرفين».

ويعتبر عريف الوسطية، هي المخرج من الوضع المتأزم بين الاتجاهات المختلفة، لأجل إيجاد التسامح بين الجميع، معتبرا أن هذه المهمة الثقيلة هي مهمة وزارة الثقافة والإعلام، ويقول «يجب أن تعرف كيف تحدد الخطاب الثقافي الذي ستتبناه».

وعريف أيضا يذهب إلى الرأي، الذي يؤكد بوجود قصور في الجهاز الإعلامي المرئي، المتمثل في القنوات السعودية الأربع، ويقول «من الغريب ونحن دولة تمتلك الإمكانات المادية لا نمتلك حتى الآن فضائية سعودية، بينما الدول الفقيرة لديها ذلك»، وهو يرى برغم الحملة التي يشنها التيار التقليدي عليها في إتاحتها للتيارات الأخرى، بأنها لم تغط أطياف المجتمع المختلفة، بدليل عدم إقبال فئات المجتمع على مشاهدتها. أما الصحافي والقاص محمود تراوري فإنه يجد أن حراك التغيير بدأ منذ إعلان إنشاء وزارة للثقافة وضمها للإعلام عام 2003، مستذكرا الملتقى الأول للمثقفين السعوديين، الذي استضافته العاصمة الرياض في أكتوبر (تشرين الاول) 2004، في عهد الوزير السابق الدكتور فؤاد فارسي، وكان خطوة لوضع اللبنات الأولى للتجديد والتحديث، وقال «مع مجيء الوزير الجديد ووكيلي الوزارة للشأن الثقافي، وهم من داخل الحركة الثقافية، كان من الطبيعي جدا، أن يسفح المثقفون والفنانون أحلامهم وطموحاتهم التي تطاولت حد الإسراف والمبالغة أحيانا». ويضيف تراوري «إن الوزارة لا تملك عصا موسى لإحداث التغيير المنشود، فهي تدير إرث عقود طويلة من السنوات بعجرها وبجرها، إذا جئنا للمسألة من حيث أطرها التنظيمية». ويخمن تراوري، في ما يتعلق بمحاربة القائمين على التحديث، بأن تكون هذه الحملة منطلقة من داخل وزارة الثقافة والإعلام نفسها، ويقول «تبدو واضحة على نحو ما هي عليه في بعض منتديات الإنترنت، أنها شخصية بحتة، وموجهة ضد شخص الوزير وتدار من قبل أشخاص داخل الوزارة، فقدوا مكتسبات وميزات مع مجيء الوزير الجديد، حيث لا نرى نقدا موضوعيا علميا، يتعرض للمنتج الإعلامي، مهنية وحرفية، أو حتى مضمونا». ويجد تراوري لجوء هذه الفئة لاعتبارات الدين في هجمتها، لأنها تعرف أن مجتمعنا من السهل جدا تحريكه عن طريق العاطفة الدينية، موضحا أن الوزارة لم تفعل شيئا كبيرا يثير ذلك سوى محاولتها في إعادة الألق القديم والبراءة الأولى لشاشة التلفزيون السعودي، التي فقدها منذ أكثر من ربع قرن، فكان الانفتاح على بعض البرامج، وفتح المجال أمام المرأة للعمل في هذا الجهاز، وقال «كل هذه أمور قابلة للاختلاف والأخذ والرد فيها فقهيا، لكن البعض لا يعترفون بذلك، فكان الهجوم غير المبرر وغير الموضوعي». ورأي تراوري التقى معه أيضا الشاعر والصحافي أحمد قران الزهراني وعضو مجلس إدارة بالنادي الأدبي الثقافي، الذي يجد أن هذه الهجمة لا تلتزم بالنقد العلمي الموضوعي، وتعتمد حججا واهية لا يستحق حتى أن تحتل مساحة من التفكير كونها غير واقعية. وعلى المستوى الثقافي يؤكد قران، أن هناك حراكا ثقافيا في المجتمع، ويقول «غربلة الأندية الأدبية وإضفاء دماء جديدة كانت مغيبة عن المنابر، بجانب ان إفساح المجال للمثقفات في المشاركة بالطرح الثقافي، من خلال تخصيص لجان نسائية، أمر فاعل في الساحة الثقافية»، مثنيا على نشاط الوزارة في تعريف الدول العربية والغربية بنتاجنا الثقافي والفكري، من خلال عمل وتنظيم أسابيع ثقافية سعودية تعتبر من الأهمية أن يعرفنا الآخرون، مبدعين ومثقفين ومفكرين. كمال عبد القادر الإعلامي في إحدى قنوات «اي أر تي»، يقول هناك تطورات ملموسة في الجانب الثقافي بشكل أكبر منه في الإعلام.

ويوضح ذلك بأن التلفزيون حقق قفزة فكرية إلا أنه ما يزال يفتقد القفزة الفنية والتقنية المتمثلة في صناعة جماليات الشاشة، ولهذا يعتقد أن القفزة الفكرية هي التي تتسبب للوزارة بالهجمات الشرسة من قبل التيار التقليدي.

ويصف كمال التحديث، الذي تقوم به الوزارة في قنواتها السعودية حاليا بالمتواضع، في ظل مقارنتها بغيرها من القنوات الفضائية، إلا أنه يؤكد أنها قفزت للأمام مقارنة بالجهاز نفسه عن السنوات الماضية، ويقول «أتمنى من الذين يتخوفون من التحديث والتطوير أن يقرأوا الإسلام بصدق وصراحة، لأن ما يصدر عنهم من آراء هي متأثرة بالعرف والعادات الاجتماعية».