السعوديون إلى بولندا مرتدين معاطف الأطباء ومعتمرين خوذات المهندسين

المفلحي يسجل اسمه كأول طالب يبتعث إلى بلاد الألف بحيرة والكهرمان بعد انهيار الشيوعية

TT

هنا بولندا حديقة الطبيعة وكنز الثقافة، الوجوه في شوارع مدنها العريقة من أجناس مختلفة جاءوا بعشرات الملايين للتمتع بأجوائها ومتاحفها وصالات موسيقاها وسواحلها الكهرمانية وبحيراتها التي يصل عددها إلى الألف، والبحث عن مغامرات ركوب الخيل والدراجات الهوائية، في هذا الجزء من وسط أوروبا تتلاقح ثقافات العالم، لكن ثمة وجوها غير مألوفة جاءت من صحراء الجزيرة العربية إلى هنا ليس للقيام بمغامرات سياحية رائعة لكنها قدمت إليها مرتدية معاطف الأطباء ومعتمرة خوذات المهندسين.

لقد اختار 32 شابا وشابة من السعودية الدراسة الجامعية مبتعثين من قبل حكومة بلادهم إلى تلك الدولة، التي اشتهرت بالفن وجمال الطبيعة وكثرة بحيراتها وبثراء مواردها المعدنية الخام، ولعلها مصادفة أن يأتي طلاب من بلاد النفط إلى بلاد عرفت تشغيل أول محطة لاستخراج النفط في العالم قبل 152 سنة.

وفتحت مدينتا وارسو العاصمة وكراكوف اللتان بنيتا في عصر التنوير أذرعهما لاحتضان الطلبة السعوديين للدراسة في جامعاتهما العريقة على مستوى القارة الأوروبية جنبا إلى جنب مع طلاب وطالبات من أميركا، ايطاليا، كندا والدول الإسكندينافية.

وسجل الطالب عبد الله فيصل المفلحي اسمه كأول طالب سعودي يتم ابتعاثه إلى بولندا بعد انهيار النظام الشيوعي ليلحق بعده مجموعة من الطلاب والطالبات للهدف ذاته. واستحوذت دراسة الطب البشري على اهتمام جل المبتعثين السعوديين الذين التحقوا بجامعتي وارسو وكراكوف في حين سجل طالب واحد في دراسة تخصص الهندسة في الجامعة الأولى.

ويبدو أن هؤلاء المبتعثين السعوديين إلى تلك الدولة التي تحتل المركز التاسع في أوروبا من حيث المساحة، والتي تقدر بـ 312 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها حوالي 40 مليون نسمة، ينعمون بأجواء دراسية مريحة خصوصا وأن المكافآت التي يتقاضونها لافتة وتكفيهم لتدبير أمورهم الدراسية والمعيشية حيث تصل مكافأة الطالب الواحد إلى 1500 يورو (7100 ريال)، كما أن دراستهم في الجامعات البولندية تتم عن طريق اللغة الانجليزية التي كانت لغة مغيبة في بولندا والتحدث بها أيام النظام الشيوعي اعتبر نوعا من التبعية إلى الامبريالية العالمية، ولعل الصعوبة الوحيدة التي تواجه المبتعثين السعوديين هناك تكمن في تعلم اللغة البولندية التي تعد لغة سلافية تتميز بصعوبتها ووضع تعلمها كشرط أساسي لولوج الجامعات البولندية.

واجمع عدد من المبتعثين السعوديين إلى بولندا التقتهم «الشرق الأوسط» خلال احتفال برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية «اجفند» بجائزته السنوية التي شهدها قصر الثقافة والعلوم في وارسو يوم الثلاثاء الماضي، على أن اختيارهم لبولندا للدراسة الجامعية جاء لاعتبارات عدة تتعلق بعراقة الجامعات البولندية واحتلالها تصنيفا متقدما في سلم ترتيب الجامعات الأوروبية وحرص كثير من طلاب الدول الأخرى على الالتحاق بهذه الجامعات ملمحين إلى أن طلابا من دول أوروبية وأميركية متقدمة يقاسمونهم كراسي الدراسة في الجامعات البولندية.

وأشار كل من المبتعثين: عبد الله بن فيصل المفلحي (طب)، وفهد عبد القادر الكردي (هندسة)، وعبد الله سلمان بوعيد (طب)، وعمار مصطفى الحاج (طب)، والمبتعثة رضاء خالد ابوطالب (طب) إلى أن أجواء بولندا التي يسودها مناخ معتدل تجبرهم في فترات من العام على ممارسة البيات الشتوي، عندما يحل المناخ القاري شديد البرودة، خصوصا ما بين شهري نوفمبر ومارس حيث تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر.

عراقة الجامعات البولندية التي استقطبت الدارسين من مختلف أنحاء العالم جسدتها سيرة رئيس بولندا الحالي ليخ كاتشينسكي الذي تخرج في كلية القانون والإدارة بجامعة وارسو، ليحصل بعدها على درجة الدكتوراه من جامعة غدانسك، ثم على لقب بروفيسور في قانون العمل والتوظيف من الجامعة ذاتها ليبدأ بعدها نشاطه السياسي المعارض للنظام الشيوعي في مطلع عام 1970، حيث كان من أكثر الوجوه البارزة في مقاومة ذلك النظام مما عرضه للملاحقة والسجن، وفي عام 1989 تم انتخابه نائبا في مجلس الشيوخ البولندي وذلك في أول انتخابات ديمقراطية انتقالية بعد انهيار النظام الشيوعي ليندرج في مناصب أخرى كنائب لرئيس حركة «تضامن» التي ساهمت في انهيار النظام الشيوعي، كما شغل منصب المستشار الأول للرئيس البولندي السابق ليش فاونسا، ثم نائبا مستقلا في مجلس النواب ورئيسا لديوان المراجع العام ووزيرا للعدل ومنصب المدعي العام، كما أسس حزب القانون والعدالة واحتل منصب رئاسته من عام 2001 إلى 2003، ثم عمدة لمدينة وارسو التي ولد فيها عام 1949 إلى أن فاز بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية حيث تم تنصيبه رئيسا لجمهورية بولندا في ديسمبر عام 2005.